بقلم: ممدوح الولي
كشفت بيانات أداء ميزان المدفوعات المصري خلال عام 2017 عن المتاعب المزمنة والحقيقية للاقتصاد المصري، من استمرار العجز التجاري السلعي المزمن وعدم وفاء الموارد الذاتية المصرية بالاحتياجات المطلوبة من النقد الأجنبي، رغم عمليات التجميل التي تتم من خلال تصريحات المسؤولين المصريين، لإظهار صورة غير واقعية عن حالة الاقتصاد المصري.
ويقيس ميزان المدفوعات الفرق بين تدفقات العملات الأجنبية الواردة لمصر من كافة الموارد، والتي تشمل الصادرات السلعية والخدمية والسياحة وتحويلات العاملين بالخارج، وقناة السويس والقروض والاستثمار الأجنبي بمصر بنوعيه المباشر وغير المباشر، وعوائد الاستثمارات المصرية بالخارج وغيرها.
والفرق بين تلك الموارد السابقة، وبين المدفوعات التي تدفعها مصر لدول العالم جراء ما تستورده منها واردات سلعية وخدمية، وما تدفعه لها من قيمة لخدمات نقل وخدمات مالية وتأمينية وأقساط وفوائد قروض، ونفقات السياحة التي يقوم بها المصريون بدول العالم ورحلات الحج والعمرة وغيرها.
وحسب بيانات البنك المركزي المصري فقد أسفر الميزان الكلي للمدفوعات للعام الماضي عن تحقيق فائض بلغ 12.3 مليار دولار، استمرارا للفائض الذي حققه في عام 2016 والذي بلغ أقل من 8 مليارات دولار.
ومن الطبيعي أن يزهو المسؤولون المصريون بهذا الفائض الكبير بميزان المدفوعات، وأن يعزوه إلى قرار تعويم الجنيه المصري الذي زاد من موارد السياحة والصادرات بنوعيها السلعي والخدمي، وبالتالي صحة القرارات الاقتصادية التي اتخذوها رغم إضرارها بالفئات الفقيرة والمتوسطة من المواطنين؛ أي أن تلك الثمار الإيجابية التي زادت موارد النقد الأجنبي بالعام الماضي إلى 110 مليارات دولار، بارتفاع 20 مليار دولار عن الموارد بالعام الأسبق تعوض في رأيهم ما تحمله المواطنون.
نوعية الموارد تكشف المستور
لكنه في ظل صخب إعلام الصوت الواحد بمصر لم يسأل أحد من أين جاءت تلك الموارد الضخمة؟ ومن أين جاء هذا الفائض الكبير؟ لأن الإجابة سوف تكشف زيف ادعاءات تحقيق ثمار التعويم للجنيه، وتحقق ثمار الإصلاح الاقتصادي.
ويشير التوزيع النسبي لتلك الموارد الدولارية بالعام الماضي، إلى أن نسبة 33 % منها جاءت من القروض، سواء في صورة قروض مباشرة أو ودائع أجنبية أو سندات تم بيعها بالخارج، أو قيمة مشتريات الأجانب لأذون الخزانة المصرية، وبالمركز الثاني: الصادرات السلعية بنسبة 21%، وتحويلات المصريين العاملين بالخارج بنسبة 20%.
وإيرادات السياحة 7 %، والاستثمار الأجنبي المباشر بمصر لأقل من 7%، وعوائد قناة السويس أقل من 5%، وخدمات النقل التي تم تقديمها للسفن والطائرات الأجنبية بمصر 2.5%، وايرادات الصادرات الخدمية بخلاف السياحة والنقل 2%، وحصيلة الخدمات التي تقدمها القنصليات المصرية بالخارج أقل من 1%، ومثل ذلك لعوائد الاستثمارات المصرية بالخارج.
وهكذا فإن ثلث الموارد من العملات الأجنبية آتية من قروض من الخارج وليس من موارد ذاتية مصرية، وهو ما يكشف زيف تحقيق الميزان الكلى لفائض بالعام الماضي والبالغ 12.3 مليار دولار، في حين كانت قيمة القروض والسندات ومشتريات الأجانب لأذون الخزانة قد بلغت 35.9 مليار دولار، أي أن هناك عجزا حقيقيا بميزان المدفوعات، يبلغ 26.6 مليار دولار بالعام الماضي باستبعاد القروض بمختلف صورها.
سبب زيادة احتياطات النقد الأجنبي
ونفس الأمر لادعاء زيادة موارد العملات الأجنبية بنحو 20 مليار دولار، حينما نجد أن الزيادة بمشتريات الأجانب من أذون الخزانة والسندات التي تم طرحها بالخارج بلغت 23.3 مليار دولار العام الماضي، أي أكبر من الزيادة الاجمالية بالموارد من العملات الأجنبية.
ولقد جرى العرف دوليا على إضافة الفائض الكلى بميزان المدفوعات إلى الاحتياطيات من العملات الأجنبية بالبنك المركزي للدولة، ومن هنا يزهو محافظ البنك المركزي المصري وغيره من المسؤولين وإعلاميي النظام ومريديه، بزيادة الاحتياطيات من العملات الأجنبية لديه إلى 37 مليار دولار بنهاية العام الماضي، بزيادة 20.6 مليار دولار عن نهاية العام الأسبق حينما كانت 16.4 مليار دولار.
لكن المقارنة بين زيادة الاحتياطيات من العملات الأجنبية البالغة 20.6 مليار دولار، والزيادة بقيمة مشتريات الأجانب لأذون الخزانة المصرية والسندات المصرية التي تم طرحها بالخارج والبالغة 23.3 مليار دولار بنفس العام، تبين من أين جاءت زيادة الاحتياطيات من العملات الأجنبية.
كما أن المقارنة بين قيمة الاحتياطات من العملات الأجنبية بنهاية العام الماضي والبالغة 37 مليار دولار، وزيادة رصيد الدين الخارجي المصري إلى 83 مليار دولار بنفس التوقيت تؤكد ذلك.
ولعل ذلك يدعونا لسؤال آخر هام، وهو لماذا تستمر الحكومة المصرية في الاقتراض، رغم ما أعلنته عن زيادات بإيرادات الصادرات السلعية بنحو 3.3 مليار بالعام الماضي، وارتفاع حصيلة الصادرات الخدمية بنحو 5.7 مليار دولار، وزيادة تحويلات المصرين بالخارج بنحو 5.8 مليار دولار؟، فها نحن نشير إلى زيادات بتلك الإيرادات تصل لحوالي 15 مليار دولار خلال عام واحد.
والإجابة لأسباب استمرار الاقتراض تشير لعدة عوامل، أولها أن هناك موارد انخفضت حصيلتها مثل الاستثمار الأجنبي المباشر، رغم ادعاءات زياداتها عند تنفيذ تعويم الجنيه المصري، ورغم تصريحات وزيرة الاستثمار المتكررة، وزيارات الوفود العربية والأجنبية لمصر وزيارات الجنرال للخارج.
أقل من نصف الإيرادات للحكومة
والعامل الثاني أن حصيلة غالبية تلك الموارد لا تدخل جيب الحكومة المصرية مباشرة، فحصيلة الصادرات السلعية غير البترولية عادة ما تتجه للمصدرين، خاصة من القطاع الخاص سواء من المصريين أو الأجانب العاملين بمصر، وقل نفس الشيء للسياحة والفنادق وغالبية الصادرات الخدمية.
كما تتجه تحويلات المصريين العاملين الخارج لأسرهم، ومن هنا فإذا كنا نتحدث عن إجمالي موارد من العملات الأجنبية بلغت 110 مليارات دولار بالعام الماضي، فإن أقل من نصفها هو ما يدخل جيب الحكومة المصرية.
والعامل الثالث أن الالتزامات والمدفوعات الأجنبية على الحكومة المصرية تزيد ولا تقل، فرغم كل الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي ووزارة التجارة وزيادات الجمارك والدولار الجمركي، فقد زادت قيمة الواردات السلعية سواء البترولية أو غير البترولية بنحو 3.6 مليار دولار.
وكذلك زادت مدفوعات أقساط وفوائد الديون بنحو 14.4 مليار دولار، كما ارتفعت مدفوعات عوائد استثمارات الأجانب بمصر بنحو 1.3 مليار دولار، وزادت المدفوعات للواردات الخدمية بخلاف السياحة بنحو 1.5 مليار دولار، كما زادت المصروفات الحكومية بالخارج على سفر الوفود والبعثات والتدريب بنحو المليار دولار.
ومن هنا كان اتجاه الحكومة المصرية لزيادة الاقتراض بالعام الماضي لتعويض نقص حصيلة الموارد الذاتية عن الوفاء باحتياجاتها، إذ بلغت حصية المعونات من كل دول العالم بالعام الماضي 144 مليون دولار فقط.
واستمرارها كذلك بالاقتراض خلال العام الحالي، بإصدار سندات بنحو 4 مليارات دولار في فبراير/شباط الماضي، والاستمرار ببيع أذون الخزانة للأجانب، والاستعداد لبيع سندات بنحو 1.5 مليار يورو، بخلاف القروض قصيرة الأجل التي لا يتم الإعلان عنها في حينها، ليتسمر ميزان المدفوعات معتمدا على القروض لعدم وفاء موارد العملات الأجنبية المصرية الذاتية باحتياجاته خلال تعاملاته مع دول العالم، رغم تعويم الجنيه المصري، ورغم الفائض المزعوم بالميزان الكلي للمدفوعات، ورغم تصاعد قيمة الاحتياطيات من العملات الأجنبية بالبنك المركزي.
أضف تعليقك