فضيلة المرشد الأستاذ مصطفى مشهور
(إن عامل الترام المختص بتحويل الشريط وتغيير اتجاه الترام لايحمل الترام فيوجهه حيث يشاء، إنما بعصا بسيطة هى عصا التحويل وبغمزة خفيفة يحول الشريط فيتحول الترام أو يتجه وجهته الجديدة دون عناء، فالقلب الإنساني ومعرفة الله تعالى هكذا، المعرفة الحقة لله هى عصا التحويل فإذا مست القلب الإنساني تحول من حال إلى حال، فإذا تحول فقد تحرك الإنسان كله، وإذا تحول الفرد تحولت الأمة، فلو أردت الإصلاح فأصلح القلب البشري بأن تعرفه بالله حق المعرفة ) من كلام للإمام الشهيد في أحد دروس الثلاثاء .
فما أحوجنا إلى هذه المعرفة الحقة لله تبارك وتعالى لتصلح قلوبنا وتغير حالنا كي يتغير حال الأمة كلها، وما يزودنا بهذه المعرفة التفكر في خلق الله وآياته فى هذا الكون، وتدبر أسمائه وصفاته سبحانه وتعالى .
و القرآن الكريم يحثنا في كثير من آياته على التفكر :{ إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل و النهار لآيات لأولى الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار } :{ قل انظروا ماذا فى السموات والأرض } ،{ أفلا ينظرون الى الإبل كيف خلقت } ، :{ وإن لكم فى الأنعام لعبرة } ، { وفى أنفسكم أفلا تبصرون } .
كما يعيب القرآن على الذين لا يعملون عقولهم وأبصارهم فيما حولهم من آيات :{ وكأين من آية فى السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون } :{ ولقد ذرأنا لجهنم كثير من الجن والإنس لهم قلوب لايفقهون بها ولهم أعين لايبصرون بها ولهم آذان لايسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون } .
والتفكر فى خلق الله وآياته في هذا الكون مجالاته كثيرة لاتحصى فهى تشمل كل شىء .
فى كل شىء آية
إذ أن له فى كل شىء آية تدل على أنه الواحد ... ولما كنا لانستطيع الإحاطة بها فسنكتفى بضرب الأمثلة فى تركيز شديد تاركين لكم الاستزادة فيما يعرضه كتاب الله المقروء ومن عظمة الله وقدرته فى خلقه فى كتاب الله المنظور وهو هذا الكون الفسيح ، وقد ظهرت كتب تناولت بعض التفصيل الذى كشف عنه العلم الحديث من أسرار هذا الكون تدل دلالة كافية على وجود الله ووحدانيته واتصافه بكل صفات الكمال .
- فى هذا الكون الفسيح إذا نظرنا الى الكرة الأرضية وجدناها شيئاً ضخماً بالنسبة لكل منا ، ولكن إذا تخطيناها ونظرنا الى هذا الفضاء وما فيه من نجوم وكواكب وعلمنا ما اكتشفه العلم الحديث من معلومات حول أعدادها الهائلة وأحجامها وأوزانها وأبعادها وسرعاتها لعجزت عقولنا عن تصور هذه المعلومات، فالشمس حجمها مليون ومائتان وخمسون ألف مرة مثل حجم الأرض، وهناك نجوم حجمها مثل حجم الشمس ملايين المرات .
وكل في فلك يسبحون دون صدام أو خلل، ذلك تقدير العزيز العليم، ووحدة قياس مسافات النجوم هى السنة الضوئية أي المسافة التي يقطعها الضوء خلال سنة كاملة مع العلم أن سرعة الضوء ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية.
ويقول علماء الفلك أن هناك نجوماً تبعد عنا بمئات الملايين من السنين الضوئية، وصدق الله العظيم :{ فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم }، واليوم وبعد أربعة عشر قرنا من نزول هذه الآيات بدأنا ندرك شيئاً عن مواقع النجوم وعظمتها والله تعالى يقول :{ والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون والأرض فرشناها فنعم الماهدون } ، وإذا نظرنا الى الدقة المتناهية فى السنن التى قدرها الله للشمس و الأرض و القمر من حيث المسافات و السرعات والأوزان وميل محور الأرض وسرعة دورانها حول نفسها وحول الشمس بما ييسر الحياة على الأرض فى جو مناسب ولنعلم عدد السنين والحساب سبحانه خلق كل شىء فقدره تقديراً .
ومن الكون الفسيح إلى عالم الجزىء و الذرة وتكوينها واختلاف العناصر و المواد في خصائصها بسبب اختلاف مكونات كل ذرة حسب النظريات التي افترضها العلماء كتفسير الظواهر التى يلمسونها، وقرأت في هذا المجال كلامًا طيبًا وهو أن البشر مهما أجهدوا أنفسهم ليعرفوا كنه المادة فلن يصلوا إليه لأن هذا سر الصنعة وسر الصنعة عند الله وحده .
عالم النبات و الحشرات
وفي عالم النبات تتجلى عظمة الله وقدرته بشكل واضح، فكل حبة من نبات تحمل خصائص نوعها المتميز عن غيرها في الساق والأوراق والأزهار و الثمار والألوان والمذاق و الرائحة، وصدق الله العظيم :{ وفى الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض فى الأكل إن فى ذلك لآيات لقوم يعقلون }، { أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون }، هذا الاختلاف بين النباتات فى أوقات نموها وفترات النمو والأجواء المناسبة وغير ذلك الكثير مما اكتشف ومما لايزال مستوراً لن يستطيع العلماء مهما أوتوا من علم أن يصنعوا حبة نبات بحيث لو وضعت فى الأرض ورويت بالماء تخرج نباتاً، لأن سر الإنبات في الحبة الأصلية من اختصاص الله وحده ولا يستطيع بشر أن يودعه حبة صناعية.
وفي عالم الحشرات نجد العجب العجاب فأى حشرة مهما صغرت لها أجهزتها وحواسها ونظامها الخاص في حياتها كما فطرها الله، وكشف العلماء ولا يزالون يكتشفون ما يذهل العقل مما يحدث داخل مجتمع كل نوع من هذه الحشرات من عمل دائب ونظام دقيق وعدم التداخل في الاختصاصات ودقة عجيبة فى بناء مساكنها وتكييفها بما يحمي من اختلاف الأجواء، فنرى مثلاً خلية النحل وتوزيع العمل واختصاص كل نوع وهذه الأقراص الشمعية السداسية الدقيقة، إنها الفطرة التى فطر الله عليها هذا الخلق، وصدق الله :{ هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه }، { الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى }.
ويقول علماء الحشرات أنه يكتشف سنويًا بمعدل عشرة آلاف نوع جديد من الحشرات، وأن صنف الخنافس مثلاً يوجد منه ثلاثون ألف نوع غير الخنافس البشرية التى ظهرت حديثاً !! كما أنه لايستطيع بشر أن يخلق حشرة لأن سر الحياة من اختصاص الله وحده :{يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لايستنقذوه منه ضعف الطالب و المطلوب ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوى عزيز} .
آفاق وآفاق
وفى عالم الطيور وكثرة أنواعها واختلاف أشكالها وأحجامها وألوانها وأصواتها وأعمارها ونسبة تكاثرها وقيامها بحضانة البيض ورعايتها لأفراخها وإطعامها الطعام المناسب لمراحل نموها، وكذلك رحلات الهجرة الطويلة في مواسم محددة والى أماكن معينة وعودتها الى أوطانها دون خريطة أو بوصلة، ونلمس في عالم الطير غيرة الذكر على أنثاه بما لانراه عند كثير من البشر اليوم .
ولو تتبعنا تطور الجنين في البيضة حتى يتم نموه وكيف يخرج مستعداً لمواجهة الحياة لتجلت لنا قدرة الله ورحمته بما لايدع شكاً لمتردد في الإيمان بالله وتقديسه وإجلاله .
وفي عالم الحيوان آفاق واسعة كذلك فمنها المستأنس و المتوحش، وكذلك اختلاف أنواعها وأشكالها وأحجامها وألوانها وطباعها وأعمارها وأنواع طعامها، وتركيبها الداخلي ووظيفة كل جهاز وتكوين الجنين وتطوير نموه وفترات نموه وهذا اللبن من بين فرث ودم يخرج مناسباً لغذاء المولود الرضيع ولا يزال علماء الحيوان يكتشفون كل يوم جديدًا يؤكد إبداع الله في خلقه وحكمته البالغة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وعالم البحار واتساعه وكثرة ما فيه من عجائب رغم قلة مااكتشف بسبب التأخر فى اختراع الوسائل الحديثة للغوص تحت الماء فى أمان ، ويقال إن ما فى البحار أكثر مما على اليابسة من حيث الأنواع والأعداد ، كذلك لو تأملنا من زاوية ما تؤديه هذه البحار من تلطيف للجو من تبخر الماء الذى يتكون منه السحاب ثم تسقط الأمطار فى أنحاء متفرقة ولولا الجبال ما كانت الأنهار .
وهذا الغلاف الجوي المحيط بالأرض وما أودعه الله فيه من غازات مختلفة بنسب معينة بما يهيىء الجو المناسب للحياة على الأرض، والوظيفة التي يؤديها كل غاز .... ولو تغيرت النسب لاختلَّت الحياة على الأرض للكائنات الحية والنباتات، هذه التغيرات الجوية وكيف تتم وتأثير حرارة الشمس واختلاف الضغط وإثارة الرياح وتراكم السحاب وسقوط الأمطار وعلماء الأرصاد الجوية لايزالون يكتشفون الكثير حول هذه الأمور الغاية في الدقة والإبداع .
{ ألم تر أن الله يزجى سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار يقلب الله الليل و النهار إن فى ذلك لعبرة لأولى الأبصار } :
{ أفرأيتم الماء الذى تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجاً فلولا تشكرون } ،
{ وفى أنفسكم أفلا تبصرون } لو تأملنا في أنفسنا وتكويننا وهذه الأجهزة المختلفة من هضمي ودموي وتنفسي وعصبي وبولي وغير ذلك لما استطعنا أن نحيط بقدرة الله وعظمته في هذا الإبداع والإتقان :{ صنع الله الذى أتقن كل شىء }، رحمة الله وقدرته تتجلى في تطور الجنين ونموه وحفظ الله ورعايته له، هذا العقل وكيف يعمل وكيف يفكر، وهذه الذاكرة وكيف تستوعب المعلومات وكيف نستخرجها منها، والحقيقة أن المجال ليس مجال إحاطة ولكن ذكر أمثلة فقط .
وهذا قليل من كثير ... وعموماً، كل ما فى العلوم التجريبية والنظرية تتجلى فيه صفات الكمال لله سبحانه وتعالى، وما اكتشفه الناس من أسرار هذا الكون لايذكر بالنسبة لما يجهلونه :{ وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً }، { وعنده مفاتح الغيب لايعلمها إلا هو ويعلم ما فى البر و البحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا فى كتاب مبين }، { سنريهم آياتنا في الافاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق } .
ما أحوجنا أن نربط العلم بالخالق :{ اقرأ باسم ربك الذى خلق }، فالعلم يدعو للإيمان ... وهكذا بالتفكر في آيات الله وخلق الله تتحقق معرفة الله ويزداد الإيمان بالله وتعظيمه وتقديسه، وبقدر منزلة الله في قلوبنا تكون إن شاء الله منزلتنا عند الله ، وليكن معلوماً أننا لن نستطيع أن نقدر الله حق قدره، وحقاً سبحان من لايعلم قدره غيره ولا يبلغ الواصفون صفته .
- من كتاب زاد على الطريق للأستاذ مصطفى مشهور
أضف تعليقك