بقلم: حسام الغمري
يظن البعض أن نظام السيسي نجح في تجاوز معضلة انتخابات 2018، ولكن تجارب التاريخ تؤكد أن تمرير أو فرض نتائج انتخابات غير مقنعة للشعوب يطلق شرارة الثورات والاحتجاجات المدنية التي تنتهي عادة بإسقاط هكذا أنظمة.
فلقد أدار نظام السيسي سيناريو انتخابات "ركيك" ومفكك، وغير محبوك دراميا، وبدا غير مقنعا حتى لأنصاره من المنتفعين، حيث بدأ السيناريو بتأخير الإعلان عن مواعيد الترشح للحظات الأخيرة لتضيق الوقت على أي منافسين حقيقيين محتملين، ثم ممارسة الضغط على الفريق أحمد شفيق حتى يسحب ترشحه الذي أعلنه كما قال بُغية إنقاذ الوطن، ثم اعتقال الفريق سامي عنان بعملية هوليوودية بعدما قام بإعلان ترشحه عبر فيديو جذب انتباه غالبية المصريين ورفع سقف التوقعات والآمال لديهم، كما رفض نظام السيسي تقديم أي ضمانات تطمئن بأنه ينوي خوض انتخابات نزيهة مما دفع المرشح المدني خالد علي إلى التراجع عن فكرة ترشحه بعد حصوله على عدد كبير من التوكيلات، وأخيرا قدم نظام السيسي واحدا من أشد مؤيديه -لم يستطع غالبية الشعب حتى حفظ اسمه- لينافسه في عملية أشبه بمسلسلات الكارتون القديمة للأطفال.
في النهاية يشعر ملايين المصريين الآن بالمرارة والخداع وبأن النظام استهزأ بهم ومرر عملية هزلية تندرت بها الصحافة العالمية فنالت من كرامة الوطن والمواطن، ولكن يظل النجاح الأبرز لنظام السيسي في إعادة بناء جدار الخوف الذي تحطم في الخامس والعشرين من يناير عام 2011.
وهكذا بدأت تنتشر دعوات للعصيان المدني في فضاء التواصل الاجتماعي بالتزامن مع إعلان نتائج مسرحية (السيسي - موسى) وسط تأييد وتشكيك في مدى نجاعة هذه الفكرة. المشككون أسبابهم أن مستوى الثقافة السياسية المتدني لدى غالبية المصريين سيعيق تطبيق هذا النموذج المدني الاحتجاجي السلمي، كما يظنوا أن بؤس الواقع الاقتصادي قد يدفع الملايين إلى الإحجام عن المشاركة وليس العكس كما يُفترض، فضلا عن الخوف المستمر من بطش الأجهزة الأمنية.
في حين أن المتحمسين لهذه الدعوات يؤمنون بأن فكرة العصيان المدني التي طبقها المصريون هي التي حسمت الأمر لصالح ثورتهم عام 1919، وأجبرت السلطات البريطانية على إعادة سعد زغلول ورفاقه من المنفى والتفاوض معهم، و اشتملت حينها على إضراب عمال الترام، تلاه إضراب عمال السكك الحديدية، وسائقي التاكسي وعمال البريد والكهرباء والجمارك، وعمال المطابع وعمال الفنارات والورش الحكومية حتى اضطرت السلطات البريطانية إلى الإفراج عن سعد زغلول ورفاقه وإلغاء الأحكام العرفية وإعلان مصر دولة مستقلة ذات سيادة استجابة لمطالب الثوار بعد العصيان المدني.
والمدهش أن دعوات العصان المدني قد انتشرت في ربوع مصر أبان ثورة 1919 رغم عدم وجود الامتيازات الفائقة التي تمنحها التكنولوجيا الحديثة من فضائيات ومدونات ووسائل للتواصل الاجتماعي، وأيضا استجاب لها المواطنون بشجاعة وفهم عميق رغم تدني نسبة الحاصلين على تعليم جامعي أو حتى متوسط، إذن السر يكمن في مدى إيمان المواطن البسيط بضرورة تغيير النظام الحاكم، وجدوى استخدام الوسائل السلمية وأبرزها العصيان المدني، وأيضا قدرتها على تحقيق النجاح.
والمثير أن مواطني الدول التي استخدمت العصيان المدني كوسيلة احتجاجية تمتعوا بعد ذلك بواقع اقتصادي وثقافي وسياسي أفضل بكثير مما كانوا عليه من قبل، وتشهد على ذلك تجارب الهند وصربيا وجوجيا وجنوب إفريقيا وإندونيسيا وقيزغيا.
وبالعودة إلى الحالة المصرية وحتى يمكن أن تنجح دعوات العصيان المدني واستلهام تجارب الأجداد الذين فعلوها عام 1919 يجب أن يُصاحب عملية إطلاق هذه الدعوات دعاية واسعة ومكثفة، ويجب أن تركز هذه الدعوات على أخلاقية ونزاهة وتجرد هذه الوسيلة الاحتجاجية، وأنها تُستخدم لتعطيل مصالح النظام لا الوطن، تستخدم لإيقاف مصالح المنتفعين من النظام دون مصالح المشاركين في الاحتجاجات ضده، وأيضا يجب التأكيد على أن دعوات العصيان المدني لا تضر بالاقتصاد الوطني، ولكنها كمن يجذبه تمهيدا لدفعه للأمام بقوة لتحقيق معدلات أداء أفضل في المستقبل.
ويخبرنا التاريخ الحديث أن مدى نجاح دعوات العصيان المدني يتوقف على ارتباطها برموز دينية وبنائها أيضا على أسس دينية كما فعل غاندي في الهند، وأيضا كما حدث في جنوب أفريقيا حين دعا كل من الأسقف "دزموند توتو" و"ستيف بيكو" إلى العصيان المدني، وتمثلت نتيجته في وقائع شهيرة مثل مسيرة كيب تاون السلمية ومظاهرة المطر البنفسجي في الثاني من سبتمبر1989.
وأخيرا، فإن نجاح دعوات العصيان المدني في مصر قد تشكل ضغطا كبيرا على دول الأقاليم التي دعمت نظام عبد الفتاح السيسي وحصلت مقابل هذا الدعم على امتيازات اقتصادية كبيرة في مصر لأن هذه الدعوات ستشكل دون شك خطرا على ملياراتها التي أنفقت في مصر ولم تصب في مصلحة غالبية المواطنين مما قد يدفعها للسيرة خطوة تجاه أقطاب المعارضة وفي قلبها جماعة الإخوان المسلمين دون شك، والأهم من ذلك، أنها قد تعطل مخططات عالمية جديدة في المنطقة تهدف إلى إعادة تقسيمها ورسم الحدود والقيود فيها، لأن نظام عبد الفتاح السيسي يظل حتى الآن هو الجزء الأضعف في الحلقة التي يقودها ترمب ومعه صديقه نتنياهو من تل أبيب، ولا ننسى أن نتنياهو حين أراد التأثير على نتائج تحقيقات تتهمه بالفساد تعمد الإعلان عن صفقة الغاز الإسرائيلي التي أبرمها مع السيسي واصفا ما حدث أنه يوم عيد لإسرائيل، وهذا يؤكد مدى قدرة دعوات العصيان المدني حال انتشارها وتوسعها على التأثير في الإقليم، وإحداث إرباك كبير لمجموعة المنتفعين من النظام العسكري في مصر.
ويبقى أن الإيمان بضرورة العمل المستمر الذي لا يعرف اليأس لإنقاذ مصر من نظام أساء إلى ماضيها كما أضر بحاضرها وغامر بمستقبلها هو حجز الزاوية لتحقيق أي تقدم في مسار الثورة، وأن نجاح ثورة مصر وإفاقتها هو الطريق الوحيد لعودة الروح للأمة العربية.
أضف تعليقك