• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

1- يقلبون الحقائق والحق واحد

كثير من الناس يحسب أن الانتصار في الحياة , يتوقف على من يملك القوة والمال , أو السيطرة والهيمنة , وفق ما يراه اليوم من بلطجة عالمية يمارسها المشروع الأمريكي الصهيوني , حتي انقلب ذلك منهجاً للدول والحكومات والمجتمعات والأفراد , مما ينذر بكارثة كونية .

ومما زاد الأمر غموضاً على الكثيرين , أنهم يرون في واقع أوطانهم كيف انقلبت الحقائق : فالأنظمة تتترس بالأمن لبقائها ضد شعوبها , لصالح أفراد باعوا كل ذرة في البلاد .

والأمن يتترس بأذرع عسكرية مدفوعة الأجر من مليشيات يقوم بتسليحها بالسيوف والخناجر من الناس لإرهاب الناس , ويستخدمهم لإسكات صوت الأحرار.

والممتلئون بالمال والمنصب والوجاهة من الناس , يتترسون بالتملق والنفاق , لضمان مصالحهم ومنافعهم الشخصية .

فليعيشوا وتموت الشعوب من الجوع , وليتنعموا ويذهب الأحرار إلى الجحيم , وليلهوا ويقبع الأشراف في غياهب السجون , يستوي في ذلك محاكمتهم مدنياً أو عسكرياً أو قضائياً أو إعلامياً أو أمنياً , فقد اختلفت المحاكمات والسجن واحد .

ومع انقلاب هذه الحقائق تبقي الحقيقة التي لا تتغير ولا تتبدل ولا تتحول , هذه الحقيقة التي باتت اليوم تهددهم جميعا : الرؤساء والأذناب , وآياتها تتجلي في كل لحظة , وهم يرونها أكثر مما يراها الناس , ألا وهي الحق المنتصر, وأهله المنتصرين : ( فتعالى الله الملك الحق ) طه 114 .

فهل يهربون من هذه الحقيقة التي يقول عنها رب العزة : ( قل نزّله روح القدس من ربك بالحق ) النحل 102 .

فوعده حق , والنبيون حق , والدعوة إلى الله حق , والساعة حق , والجنة حق , ونصر الله حق , وانتصار المؤمنين حق , والفئة الثابتة على الحق موجودة حتي يأتي الله بأمره , لقول الحبيب صلي الله عليه وسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتي يأتي أمر الله وهم كذلك ) .

 ( وهم كذلك ) : وهم ظاهرون على الحق , فهم المنصورون , فعلام يتأثرون بالباطل وإن انتفش , أو يستجيبون لغباره وهو منهار من أساسه : ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدفعه فإذا هو زاهق ) الأنبياء 18 .

وعلام يدهشون من أفعال المهزومين , وإن تربعوا على منصة القضاء , فالنبي قد أبلغنا الحق بقوله : ( القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضي به , ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار , ورجل قضي للناس على جهل فهو في النار ) رواه أبو داوود .

2 - ما السر في انتصار أصحاب الحق ؟

إنه الثبات : فالمنتصر في الحياة هو الثابت على الإيمان , والمنتصر في دعوته هو الثابت على فكرته , والمنتصر في تحمل التضحيات هو الثابت على منهجه , والمنتصر في مواجهة التحديات والمؤامرات هو الثابت على الفهم , فالمنتصر الحقيقي هو الثابت على الإسلام , إيمانا ودعوة ومنهجاً وفكرة وفهماً , ولذلك فالثبات هو حياة المنتصرين , والمنتصرون هم الثابتون , وهذا هو سر انتصار أصحاب الحق ! .

وعلى العكس فإن المنهزمين تخلوا عن كل شئ في سبيل أنفسهم , تعلن عنهم أقوالهم في الإعلام دون أن يدروا , وتفصح عنهم أفعالهم وما يشعرون , حتي ولو وقفوا مرة منحازين للحق , فالحق يفضحهم ويكشف زيفهم , في أنهم يكيلون بمكيالين , لأن الحق عندهم قنطرة لمصالحهم فقط , يتمسكون به ليس لأنه الحق , فهم لا يعرفونه , أما إذا كان الحق للمؤمنين فلا يعترفون به , فهم ثابتون على مصالحهم وهذا هو السر , ولذلك يظلمون ويستبدون ويحيفون ويحيدون ويدلسون ويزيفون ويخافون , ويخشون المؤمنين , يقول تعالي : ( وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين , أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا , أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله , بل أولئك هم الظالمون ) .

ومن رحمة الله في دعوته أن فتح للجميع أبواب الالتفاف حول الحق , فهو ليس محظوراً علي أحد , وليس محصوراً على أناس معينيين , فالغلبة للحق وليست لأشخاص ولو حملوا الحق , وتأملوا هذا المشهد للمصريين حينما آمنوا بالله وليس لموسي , وسجدوا للحق وإن تعارض مع مصالحهم التي جاءوا يطلبونها من الحاكم , في قوله تعالي : ( فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون , فغُلبوا هُنالك وانقلبوا صاغرين , وأُلقي السحرة ساجدين , قالوا آمنا برب العالمين ) .

3 – هم ثابتون فلماذا لا نثبت ؟

هم ثابتون في تحالفهم مع الشيطان , والله يحذرنا : ( إن الشيطان لكم عدواً فاتخذوه عدواً ) , فهل اتخذناه عدواً ؟ . هم ثابتون على نفاقهم وتملقهم , والله ينبهنا : ( هم العدو فاحذرهم ) , فهل أخذنا حذرنا من دسائسهم ؟ .

هم ثابتون على الغزو والاحتلال , وإثارة الشبهات ونشر الإساءات , فهل نواجههم بالذوبان والذلة والهوان , والله يطالبنا بالعزة : ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) .

هم ثابتون , فلماذا لا نثبت ؟ والله يطلعنا على حقيقتهم : ( ولا يزالون يقاتلونكم حتي يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ) البقرة 217 , بل يدفعون كل غال ورخيص , ثمناً لهذا الثبات , وتضحية لهذه الغاية .

فهل يجدي أن نواجههم بدون أن ندفع الثمن ؟ والله يقول لأبناء دعوته : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) البقرة 214 .

فهذا هو قانون المنتصرين , وحياة الثابتين , وطريق الدعاة : ( وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا , والله يحب الصابرين ) آل عمران 146 .

ورضي الله عن خبيب سيد المنتصرين , يوم ساوموه للرجوع عن دينه , فقال : لا والله ما أحب أنني رجعت عن الإسلام , وأن لي ما في الأرض جميعاً , قالوا : لئن لم تفعل لنقتلنك , قال : إن قتلي في الله لقليل .

4 – كيف نحيا بالثبات ؟

الثبات هدية الله لأهل دعوته , وهبة المولي للمؤمنين الربانيين : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) ابراهيم 27 .

ولا ركون لظالم , أو انهزام أمام رخيص مادي , إلا إذا تخلينا عن الله , فتُرفع عنا هذه المنة الربانية : ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً ) الإسراء 74 .

ولا تأييد من الله , ولا نصرة في الحياة , إلا بهذه العطية الالهية : ( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا ) هود 120 .

فما أحوج الدعوة الربانية إلى القيادة القدوة : فهذا رسولنا الأسوة , يدعو إلى الثبات : ( إلىّ عباد الله , إلىّ أنا رسول الله , أنا النبي لا كذب , أنا ابن عبد المطلب ) فالتف حوله الثابتون المائة في يوم حنين .

وما أحوج الدعوة الربانية إلى الجنود الثابتين : فالنصر ليس بالكثرة , وإنما بالثبات : ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) الأحزاب 23.

وما أحوج الدعوة الربانية إلى الثقة والأمل في نصر الله : لأنها منتصرة بالثبات , فلا يهمها موت , بل هي التي تصنع موتتها , فتحيا الأمة كلها بها , ورضي الله عن الإمام البنا , وهو يقول : ( إن الأمة التي تحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة , يهب لها الله الحياة العزيزة والنعيم الخالد ) .

أضف تعليقك