• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: سيف عبدالفتاح

لا شك أن هموم التغيير التي شغلت الشباب بعد ثورة يناير فتحت آفاقا للنهوض والتغيير بالوطن والشروع في بناء منظومة حكم رشيدة وجديدة، إلا أن الشباب الذي حمل شعار عيش وكرامة إنسانية حرية أساسية عدالة اجتماعية؛ لم يكن يتخيل أن هذه التجربة لن تستمر طويلا، وأن انقلابا فاجرا سيعود بنا إلى ما قبل ثورة 25 يناير، بل أعتى وأشد في حالة فاشية ودولة بوليسية.. لم يكن يتخيل هذا الشباب أن تُصادر أشواقه وأحلامه بهذه السرعة الكبيرة، وقد ملأت الثورة عليه وجدانه وحياته، إلا أن الأحداث بل والزلازل التي لحقت بالثورة؛ كانت أكبر من مجرد الشعارات التي كانوا يحملونها وكانوا يحلمون بها.

وقد بدا الطلب السياسي على كل ما يتعلق بمتطلبات تلك الثورة لدى الشباب حينما اقترن بثورة توقعات عموم الناس أمر مهم، ولكنه كان يتطلب فعلا كبيرا وفهما مركبا وعميقا. إن الثورة في 18 يوما مثلت انتقالا مهما وإشارة بدأ وشرارة لتغيير كبير، وكانت الثورة بذلك ملفا مضغوطا، وحملت الـ18 يوما إشكالات وحلولا في وقت واحد.. وسع الميدان كل هذه الإشكالات كما وسع أيضا مشروع حل لتلك القضايا، كلها قضايا تتعلق بعلاقات الناس على تنوعهم وشبكة العلاقات الاجتماعية والمجتمعية، فوسع الميدان نشاط المرأة والرجل، واتسع للقبطي والمسلم، وجمع بين العلماني اليساري والقومي والليبرالي والإسلامي، وغلب عليه الشباب لكنه لم يفتقد الكهول والشيوخ. بات كل هذا التنوع جموعا ومجتمعا في الميدان منصهرا في علاقاته محددا في هدفه "الشعب يريد..". كان كل ذلك بمثابة الملف المضغوط، ولكن الشباب وقد ملأت عليه فرحة النصر بإسقاط رأس النظام ممثلا في المخلوع مبارك؛ لم تجعله بعد ذلك في مجال مشاركة حقيقية - كما أكدنا - بالحكم والمشاركة فيه وفي مراقبة مسيرة ثورة.

كان من أهم مواطن القصور في الإدراك هو حصر الشباب أنفسهم في مسار المطالبات والحشد لمليونيات، ولم يكن صاحب خطة، وترك الأمر لنخب عتيقة تسير الأمور مع مجلس عسكري كان يخطط لبقاء العسكر أكثر مما يخطط لرحيلهم، وبدا هؤلاء ببعض أجهزتهم يتلاعبون بالشعب في مسرحية ممجوجة توالت فصولها التي لم تكن في عالم أحداثها في مصلحة ثورة ومطالبها، وليست على طريق مسيرة نهوض عظيم وتغيير كبير، فاضطلع بالتغيير من لا مصلحة له بالتغيير، بل إن البعض الذين تصدروا كانوا يقفون حجر عثرة في مسيرة هذا التغيير الجذري ويعوقوه، وربما يحاصرونه، يشوهونه وربما يزيفونه، وبات الأمر معقدا، والشباب مشتتا، والأفكار في حيرة والمسيرة معوقة. ولا شك أن هؤلاء اتخذوا موقفا من الثورة مدعين الحكمة والوصاية عليها، فضلا عن هؤلاء الذين خرجوا من دولاب المخلوع ليكملوا مسيرته ولكن بأشكال جديدة تحافظ على جوهر النظام حتى لو سقط شكليا رأس النظام.

وفي عودة إلى نظرية الملف المضغوط الذي حملته الثورة في الميدان، مع الإشكالات والحلول، ظل في حالة انضغاط، ولم يترافق معه البرنامج الذي يقوم بفكه في عموم المجتمع لتحقيق انتقال مجتمعي واجب ومطلوب.. لا يمكن بحال أن تتحقق أهداف ثورة أو استراتيجية حملتها المكنونة في شعارها من عيش وحرية وكرامة وعدالة اجتماعية؛ إلا عبر ذلك البرنامج الذي يفك هذا الملف المضغوط، وفي إطار يحمل التغيير من له مصلحة فيه ويقدر عملية التغيير والسير في طرقها ومسالكها، وهم ليسوا إلا من يؤمنون بثورة ويعيشون من أجلها، حيث باتت الشٌقة واسعة بين الشباب الحالم بعملية التغيير الواسعة وبين أولئك الذين قاموا بإقصاء الشباب عمدا، وربما بتخطيط مسبق وممنهج، حيث تحرك هؤلاء ضمن منطق الاستيعاب والاستبعاد.

فقد قام هؤلاء بكل ما من شأنه بامتصاص بعض الشباب إلى جانبهم ضمن عملية افتتان كبرى، وجذب بعضهم إلى وسائل الإعلام وإلى قشور زائفة هنا وهناك، وصرفهم عن كل مجالات العمل الحقيقي الذي يتعلق بمراكز الشباب والمحليات. ولا بد أن نؤكد هنا أن النخب القائمة ظلت تتعامل مع مجموعات الشباب بكياناتهم، بل والشباب بداخل كياناتهم الحزبية والقوى الثورية، بنفاق شديد من حيث الخطاب والكلام والاستبعاد والتهميش في أي عمل حقيقي، حيث لم ينخرط الشباب في ميادين يجب أن ينخرطوا فيها ليصلوا للتغيير المنشود في كل المطالب وعموم المقصود، فظل هؤلاء مستبعدون من كل مجال للفاعلية، وبقيت نخبة على حالها لا تفكر إلا في أوضاعها أو مكاسبها الأنانية.

كان هذا أخطر ما يكون بالنسبة للشباب الذي افتتن بالناشطين، ولم تقل تلك الفتنة أثرا لدى الشباب الباحثين في حقل العلوم السياسية، وبدت تلك الحالة الرومانسية التي سيطرت على بعض التحليلات التي تعبر في حقيقة الأمر عن تبسيط واختزال لعملية التغيير ومتطلباتها. لم يفطن معظم هؤلاء من الباحثين الشباب إلى خطورة المضادين للثورة كما يجب، وبدا الشعب في حيرة بعد ثورة، وآماله لم تتحقق، وربما ساءت أحواله. لم يدرك الشباب تقاطع الثورات الثلاث: الثورة الحقيقية التي قامت في يناير، والمضادين للثورة الذين بدأوا يتجمعون دفاعا عن مصالحهم الدنيئة وفي إطار تحالفات ومصالح هددت وفساد كان يفوح منهم صار موضع اتهام ومراقبة، وثورة توقعات الناس بتغيير أحوالهم بعد ثورة خاصة فيما يتعلق باقتصادياتهم وأحوالهم المعاشية والاجتماعية. فلم يتبصر الشباب كل هذا، ولم يكن محل فهم عميق وتدبر دقيق، فإن حماية الثورة الحقيقية ومواجهة المضادين للثورة ومراعاة ثورة توقعات الناس؛ معادلة كبرى في عملية التغيير وفي محاولات التأثير والفاعلية والتمكين لهذه الثورة ومطالبها الأساسية.

فضلا عن ذلك، فإن بعض الباحثين قد أهملوا الثورة التي حدثت في 18 يوما لم يتدخل فيها الخارج، بل لم يكتبوا سطرا واحدا فيها، فتصوروا أن هذا هو واقع الأمور استقرارا واستمرارا، فأهملوا السياقات الإقليمية والدولية التي حملت موقفا مضادا للثورة من خشية رياح التغيير، فاستطاع هؤلاء أن يدبروا بليل كل ما يؤدي إلى إجهاض هذه الثورة، يدعمون عناصر الثورة المضادة في الداخل، من قنوات إعلامية ومن نخب سياسية وقبل كل ذلك من أداة عسكرية.. كل ذلك لم يكن موضع التفكير العميق والتدقيق رغم تأثيره الكبير في مسيرة الثورة وعمليات التغيير.

من المعروف والمتعارف عليه في هذا المقام حقا أن الشباب هم أكثر قابلية للنقد الذاتي، بينما هؤلاء الذين تمترسوا في مواقعهم، من النخب العتيقة أو من التكوينات العميقة أو من التنظيمات القديمة، يتمترسون بالدفاع عن أنفسهم من كل طريق، لا يقبلون نقدا ولا يمارسون مراجعة. وربما هذا يحيلنا إلى ضرورة أن ينهض الشباب مرة أخرى ليتصدر المشهد، ويؤكد على دوره الحقيقي في ثورة هو صاحب المصلحة الأولى فيها، وفي إطار يسمح لهذا الشباب والباحثين من الشباب في مجال السياسة، وقد تفتحت عيونهم ونضجت أفهامهم واتسعت عقولهم، أن ينهضوا لتشكيل نخبة جديدة، وينفضوا كل غبار الإحباط، ويعضوا على زخم الثورة بالنواجذ؛ لأن هذه الثورة قدرهم ودورهم قدر في هذه الثورة

أضف تعليقك