بقلم: بشير نافع
طلب إلي قراء مقالاتي السابقة عن تاريخ الإخوان، أن أتطرق للحديث عن كتاب: (الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ) للأستاذ محمود عبد الحليم، وهذا حق علمي لهم، فالكتاب يعتبر أول كتاب يتناول تاريخ الجماعة بشيء من التفصيل في فترة مهمة من فتراتها.
والكتاب يقع في ثلاثة مجلدات كبار، وصاحبه شخص عايش معظم الأحداث التي تناولها بالحديث، وكان عضو الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين، أي أنه أحد صناع القرار في الجماعة في مرحلة مهمة من حياة حسن البنا، وعلى أقل تقدير فهو أحد شهود الأحداث التي تحدث عنها.
لا شك أن الرجل بذل جهدا كبيرا في كتابه، يدرك ذلك كل من له علاقة بوئاثق الإخوان، وتاريخها، فبعد خروجه من السجن في السبعينيات، فكر في كتابة هذا التاريخ، وهي مبادرة فردية منه، لأن معظم المبادرات الجماعية - للأسف - تبوء بالفشل، أو لا تكتمل، فقام بهذا العبء وحده، وهو جهد محمود له، في وقت تهيب فيه الكثيرون خوض غمار هذا الموضوع، وقد كان منصفا إلى درجة كبيرة جدا فيما يعرض.
لكن وللأسف يركز الكثيرون من القراء على الجزء الأول منه، وربما الثالث كذلك، لكنهم يغفلون عن الجزء الثاني، وهو جزء مملوء بتفاصيل مهمة عن المرشد الثاني حسن الهضيبي، وبعض تفاصيل عن الإخوان في فترة البنا قبيل وفاته، وبعد وفاته مباشرة، ومنها مثلا: حديثه عن تفكير البنا عن دراسة التجربة الحزبية في بريطانيا، وهو ما يناقش في هذه الأيام تحت عنوان: تمييز الدعوي عن الحزبي.
يظل الكتاب يمثل في محاور منه – شئنا أم أبينا – رؤية شخصية للرجل، فهو يروي ما رآه بأم عينه، ويحاول إكمال الصورة من مصادر أخرى، أو شهادات أخرى، ولذا سنجد موقفه ورأيه من بعض الأشخاص يختلف عن رؤية غيره، فكلامه عن عبد الحكيم عابدين رحمه الله كلام المحب له، ولذا كان حديثه عن الفتنة التي أثيرت عن عبد الحكيم عابدين على خلاف حديث غيره ممن لا ينظر له نفس نظرة محمود عبد الحليم، وكذلك رأيه في عبد الرحمن السندي والتنظيم الخاص يختلف عن رأي الأستاذ أحمد عادل كمال.
وكذلك رأي الأستاذ مصطفى مشهور، فصاحب أحداث صنعت التاريخ يهاجم السندي، بينما زملاء السندي في التنظيم الخاص يدافعون عنه، رغم وقوف مصطفى مشهور مع قرار الجماعة بفصل السندي، لكن ولاء الأخوة والتنظيم الخاص ظل باقيا، وهذا يدل عليه أحداث ما بعد فصل السندي، فالسندي له ابنة سماها: وفاء، ومصطفى مشهور كذلك له ابنة اسمها وفاء، ولم تكن مصادفة بل عن صداقة ورابط وثيق بين الشخصين، وإن اختلف المشارب فيما بعد أحداث 1954م ومحنة الإخوان وقتها.
ومع ما بذله الرجل من جهد كبير في الكتاب، إلا أنه لم ينل اعترافا رسميا من الجماعة، وإن درسه أفرادها، وقرأوه، واعتبروه رواية شبه رسمية عن الإخوان، لكن تعميما نزل للأسر الإخوانية، باعتبار الجزء الأول فقط معترفا به، بحكم أن مصطفى مشهور كتب مقدمة الجزء الأول فقط، وهو ما يعني عدم الاعتراف ببقية الأجزاء، أو عدم التسليم بما فيها من روايات، وبخاصة أن الجزئين الثاني والثالث تعرض فيهما لأحداث مهمة، وانشقاقات خطيرة في الجماعة، وهذا يمثل خطأ علميا كبيرا، فكيف لشخص مهما بلغ شأنه في الجماعة، ليحكم على عمل علمي تاريخي، لم يعش معظم أحداثه، فيحكم بالاعتراف بكتاب أو عدم الاعتراف به، والكتاب في مجمله بالغ الأهمية، ومحايد إلى درجة كبيرة جدا، وبه إنصاف أيضا.
ولا يخلو بلا شك من ملاحظات، يدركها المدقق في تاريخ الجماعة، وهو ما أنصح به دائما من يريد قراءة تاريخ الإخوان ألا يقف عند مصدر واحد، فكل كاتب شئنا أم أبينا ينقل ما رآه، وليس مكلفا بأكثر من ذلك، خاصة أن محمود عبد الحليم مؤلف الكتاب لم يدع يوما أنه مؤرخ، وإن أطلق عليه البعض: مؤرخ الإخوان، وإن حاول في أحداث كثيرة أن يوازن ويرجح بين الروايات، ويناقش الأحداث، وإن اتسم في حالات كثيرة بما لم يجرؤ غيره من الإخوان أن يفعلها، وهي: ممارسة النقد الذاتي، وذلك – مثلا - عند حديثه عن جمال عبد الناصر، وأن خطأ الجماعة الأكبر: أنهم لم يستطيعوا فهم شخصيته فهما صحيحا، واستهانوا به، وقللوا من شأنه، مغترين بتنظيمهم، وتاريخهم، فكان ما كان من محنهم الكبيرة محنة تلو الأخرى.
أضف تعليقك