• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: علي أبو مريحيل - صحفي فلسطيني

انعقاد أول قمة لجامعة الدول العربية في قصر أنشاص بمصر عام 1946، حتى قمة الظهران بالسعودية، لم يسبق أن أسفرت أي من تلك القمم عن قرارات تلبي تطلعات وطموحات الشعوب العربية، حتى في أحلك الفترات التي مرت بها المنطقة، بدءاً من قرار تقسيم فلسطين، وليس انتهاء بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، واعتزامه نقل مقر سفارة بلاده إليها في منتصف مايو/أيار المقبل.

ولو استثنينا قرارات استبشر بها المواطن العربي خيراً، مثل إعلان قمة الخرطوم في أعقاب نسكة حزيران عام 1967، بـأنه لا صلح، ولا تفاوض، ولا اعتراف بإسرائيل، وهو ما عرف في حينها بالاءات الثلاثة، سنجد أنها ظلت حبيسة ورق البيان الختامي للقمة، حيث تبع ذلك اعترافات ثلاثة: اعتراف مصر بإسرائيل بإبرام اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، ومن بعدها منظمة التحرير الفلسطينية بالتوقيع على اتفاقية أوسلو عام 1993، ثم الأردن بالتوقيع على معاهدة وادي عربة عام 1994.
 
تلك الانتكاسات المتعاقبة والمتراكمة خلقت حالة من العدمية لدى جيل من الشباب ولد وترعرع في ظل أنظمة دكتاتورية مرتهنة بالسياسات والإملاءات الأمريكية والغربية، لذلك لم يعد هذا الجيل مكترثاً بالانخراط في قضايا الأمة في ظل تفشي حالة من اليأس والإحباط، فانصرف إلى  طرق تحرره من الشعور بالتبعية لهذه الأنظمة.

فكانت السخرية إحدى صور الهروب من الواقع، وقد شكلت القمم العربية فرصة لذلك بعد أن تحولت من حدث سياسي يجمع القادة العرب لبحث قضايا الأمة، إلى مجرد مسرح كبير لكوميديا سياسية، وجد فيها المواطن اليائس ضالته، للتهكم ممن يفترض أنهم قيادات ورموز لا تمس. وقد ساهم تعزيز هذا التوجه، وجود زعماء عرب على قدر من البلاهة أمثال الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، الذي لطالما شكل مادة دسمة للصحافة خلال الأربعة عقود التي قضاها في سدة الحكم، بدء من أول قمة عربية شارك بها في الرباط عام 1969، حتى آخر قمة حضرها في مسقط رأسه بمدينة سرت عام 2010، وهي المدينة التي لقي فيها حتفه في العام التالي إثر قصف موكبه من قبل طائرات حلف الأطلسي أثناء اندلاع ثورة السابع عشر من فبراير عام 2011.

فمنذ إطلالته الأولى في قمة الرباط عام 1969، أثار القذافي بمداخلاته المتكررة وخروجه الدائم عن البروتوكول المتبع في مثل هذه القمم، حالة مع الإرباك والفوضى في قاعة الاجتماعات، وكان من جملة ما أثار استياء الدولة المستضيفة للقمة، مناداة العاهل المغربي باسمه (يا حسن) للمطالبة بأخذ الكلمة، ثم مقاطعة كلمة العاهل السعودي أكثر من مرة ومطالبته بالصمت (اصمت يا فيصل) ما أدى إلى مغادرة الأخير القاعة ورفع الجلسة لتهدئة النفوس.

 كانت تلك التصرفات مؤشراً للقادة العرب، بأن الزعيم الليبي الشاب الذي وصل للتو إلى السلطة عقب انقلابه على الحكم الملكي السنوسي، سيكون مصدر إزعاج بسبب عدم انضباطه وخروجه الدائم عن النص، وكان ذلك أيضاً إشارة للجماهير العربية ببزوغ نجم جديد سيضفي على أجواء القمم العربية مستقبلاً بعداً هزلياً بنكهة سياسية. وبالفعل توالت سلوكيات القذافي الشاذة وأطواره الغريبة، وتكررت مع انعقاد كل قمة شارك فيها، وقد وصل الأمر إلى حد ترقب الجماهير العربية موعد انعقاد القمم، فقط لمتابعة كلمة القذافي وما ستحمله من نوادار ومفاجأت، سواء على مستوى الأفكار التي كان يطرحها أو المصطلحات التي استخدمها في خطابه، أو على مستوى المشادات الكلامية والمشاكل التي افتعلها مع بعض الزعماء والأنظمة، وهي تصرفات بعثت جميعها على تتبع إيماءاته وأزيائه وطقوسه الخاصة في كل قمة.

 وتعتبر القمة العربية التي عقدت في عمان عام 2001، من أبرز القمم التي شهدت تطرفا غير مسبوق للعقيد الليبي، وتجلى ذلك في طرح فكرة حل القضية الفلسطينية بدمج فلسطين وإسرائيل في دولة واحدة ثنائية القومية، سماها إسراطين، وهي الفكرة التي أثارت جدلا واسعا في الأوساط العربية والدولية، كما وصف الفلسطينيين في تلك القمة بالأغبياء، وسط ذهول القادة العرب، وضحكات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

كما شهدت القمة العربية التي عقدت في الدوحة عام 2009، هجوما حاداً من القذافي على العاهل السعودي آنذاك الملك عبد الله، ووصفه بأنه صنيع بريطانيا، قبل أن يحل الخلاف ويبدي استعداده لزيارته، مطلقا على نفسه مجموعة من الألقاب مثل: عميد الحكام العرب، وملك ملوك أفريقيا، وإمام المسلمين، مضيفاً أن مكانته العالمية لا تسمح له بالنزول إلى أي مستوى آخر.

ورغم أن مقتل القذافي قبل نحو سبعة أعوام، حمل بشرى سارة لأنصار ثورة السابع عشر الليبية، فإنه في ذات الوقت كان خبراً صادماً لعشاق الكوميديا السياسية، لكن هؤلاء بدأوا يمنون النفس بظهور بديل جديد لا يقل بلاهة عن القذافي، وهو الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي يبدو من خلال خطابته الارتجالية الركيكة، وقدراته الذهنية المحدودة، وعثراته وأخطائه المتتالية، سيشكل مادة دسمة لبرامج التوك شو الساخرة، ليس في الوطن العربي فحسب، بل أيضاً في الدول الغربية.

ولاتزال مداخلة السيسي في القمة العربية الأخيرة بمدينة الظهران بالمملكة السعودية، حديث الساعة، وذلك بعد أن أثار نطق الرئيس المصري الصواريخ البالستية بالبلاستيكية، الكثير من ردود الأفعال الساخرة، حيث قال في معرض كلامه، إن مصر لن تقبل قيام عناصر يمنية بقصف الأراضي السعودية بالصواريخ البلاستيكية.

وكان السيسي قد أثار موجة من السخرية بعد خطاب ألقاه في الأمم المتحدة العام الماضي، قال فيه، إن أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي، جنباً إلى جنب مع أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي، وهو ما فسّر في حينه بأنه جرعة اهتمام زائدة من الرئيس المصري بالمواطن الإسرائيلي، دفعته لتكرار الكلمة رغم أن المقصود هو الموازنة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهي معادلة مرفوضة فلسطينياً وعربياً. وقد كان من جملة ردود الأفعال الساخرة تغريدة لشاب عربي تساءل: ماذا فعل المصريون حتى سلط الله عليهم زعيماً أبلهاً مثل السيسي؟ لكن في المقابل ينتصر عشاق الكوميديا السياسية للنجم الجديد، بالقول: نحن الجيل الأكثر حظاً، لأننا عاصرنا القذافي، ومدّ الله في أعمارنا من بعده، لنشهد قفشات السيسي، فلا حرمنا الله من هذه النعمة، وإن كانت مغمسة بوحل الانبطاح

أضف تعليقك