تكتفي بيانات البنك المركزي المصري عن أداء البنوك المصرية بذكر نسب النمو المرتفعة، سواء للأصول أو الودائع والقروض والاستثمارات وحقوق الملكية، إذ كانت نسبة النمو للأصول في عام 2017 بنحو 21.5 % وللودائع 20.6 % وللقروض 20.3 %.
لكن تلك البيانات وتصريحات مسؤولي البنوك تتعمد إغفال من أين جاء هذا النمو المرتفع، فعندما تصل نسبة الفائدة على بعض الشهادات الادخارية بالبنوك إلى 20 %، مع احتساب تلك الفوائد بأرصدة الودائع، فمن الطبيعي أن ترتفع أرصدة الودائع المتراكمة بنسب مرتفعة.
ونفس الأمر عندما تتخطى نسبة الفائدة على القروض بالبنوك العشرين بالمائة، ويتم احتساب قيمة تلك الفوائد ضمن الرصيد الإجمالي للقروض، فمن الطبيعي أن ترتفع أرصدة القروض بنسب كبيرة، لكن السؤال في ضوء ارتفاع نسبة فوائد القروض لأكثر من 20 %، عن معدل نمو أرصدة القروض البالغ 12.3 %، ألا يعني ذلك أن هناك نموا حقيقيا سالبا لأرصدة القروض بالبنوك؟
وهكذا لا تخبرنا بيانات البنك المركزي وتصريحات المسؤولين به، عن قيمة الودائع الجديدة التي تمت خلال العام، أو عن قيمة القروض الجديدة التي تمت خلال العام، لنعرف نسبة النمو الحقيقية للودائع والقروض، ولنعرف إلى أين اتجهت القروض في ضوء استحواذ هيئات حكومية مثل هيئة البترول، والشركة القابضة للكهرباء على نسبة كبيرة منها.
30 % من أصول البنوك للقروض
والأمر الآخر الأهم هو أين اتجهت توظيفات تلك الودائع؟ هل اتجهت لإقراض الشركات حتى تنتج المزيد من السلع والخدمات، وتخفف بالتالي من الاستيراد ومن فوران ارتفاع الأسعار، أم اتجهت لتمويل عجز الموازنة الحكومية؟ فمن الواضح أن أغلبها اتجه إلى تمويل عجز الموازنة على حساب عدم الوفاء باحتياجات القطاع الخاص من التمويل المصرفي.
وها هى بيانات التوزيع النسبي لأصول البنوك بالعام الماضي، تشير إلى توجه نسبة 19 % منها لشراء السندات التي طرحتها الحكومة المصرية، و14 % لشراء أذون الخزانة الحكومية و8 % في صورة قروض للحكومة، أي أن نصيب الحكومة من توظيفات أموال البنوك كان بنسبة 41 %.
ولكن هل يعني ذلك أن القطاع الخاص اتجه إليه النصيب المتبقي والبالغ نسبته 59 %؟ للأسف لم يحدث ذلك، إذ اتجهت نسبة 27.5 % من أصول البنوك للإيداع بالبنوك المحلية والخارجية، وهكذا كان نصيب قروض القطاع الخاص من الأصول 22.6 % فقط، أي حوالي نصف نصيب الحكومة من تلك الأصول.
وتشير تلك البيانات إلى أن نشاط الإقراض شاملا القطاع الخاص والحكومة، كان نصيبه النسبي من توظيفات البنوك 30.4 % فقط، رغم كون غالبية البنوك المصرية بنوك تجارية أي يتركز عملها بالإقراض، وهى نسبة لم تحدث من قبل، إذ كانت النسبة قبل عشر سنوات 37.4 % وقبل خمس سنوات 36 %.
وتبين بيانات الائتمان المحلي بالعام الماضي استحواذ الحكومة على النصيب الأكبر منها بنصيب 65 %، فإذا أضفنا لذلك نصيب شركات قطاع الأعمال الحكومية البالغ 5 % فإننا نقترب من نسبة السبعين بالمائة، وعلى الجانب الآخر يقل نصيب قطاع الأعمال الخاص من الائتمان المحلي إلى 22.5 % فقط، بخلاف 8 % للقطاع العائلي أي للأفراد.
استمرار غلبة تمويل الحكومة
والمعروف أنه بخلاف ما حصلت عليه الحكومة المصرية من تمويل من البنوك، في صورة سندات بقيمة 921 مليار جنيه، وفي صورة أذون خزانة بقيمة 680 مليار جنيه وفى صورة قروض بقيمة 374 مليار جنيه، فقد زادت الحكومة من طبع النقود خلال العام بنحو 38 مليار جنيه، إلى جانب بلوغ صافي مطلوبات البنك المركزي منها 667 مليار جنيه.
ويظل السؤال هل تستمر تلك الصورة التي تحدث على حساب القطاع الخاص خلال العام الحالي؟ والإجابة نعم، وليس فقط بالعام الحالي بل وبالأعوام المقبلة، وقد صرح به وزير المالية مؤخرا من أن مخصصات فوائد الدين الحكومة بموازنة العام المالي الجديد 2018/ 2019 ستتخطى خمسمئة مليار جنيه، بخلاف مخصصات أقساط الديون والتي لم يعلن رقمها بعد خير دليل.
فحاجة الحكومة للاقتراض ولطرح سندات خزانة أذون خزانة مستمرة، ولا تستطيع البنوك العامة التي تستحوذ على غالب أصول البنوك عدم الاستجابة لطلبات الحكومة منها، خاصة وأن الحكومة هى التي تعين قيادات تلك البنوك، وحتى البنوك الخاصة لن تستطيع تقليل مشترياتها من الأوراق المالية التي تطرحها الحكومة، سواء بسبب الحرج أو بسبب فوائدها المرتفعة أو قلة مخاطرها بالمقارنة لارتفاع المخاطر عند تمويل القطاع الخاص.
أضف تعليقك