اقتضت حكمة الله عز وجل أن يكون الإسلام ذو رسالة سامية، ألا وهي أستاذية العالم وقيادة البشرية، والأخذ بيدها إلى الطريق المستقيم، فقال سبحانه.
من أجل أداء هذه الرسالة وتلك الأمانة، أمرهم الله عز وجل بالجهاد، إذ إنها تكليف قبل أن تكون تشريفًا، وحيث أُمِروا بالجهاد لنصرة الدين، وهداية العالمين، فإن التضحية من لوازمه، بل لا يمكن أن تتحقق ثمرة، أو تحصل نصرة مع غياب التضحية.
لهذا فنحن المسلمون مدعوّون إلى التضحية وبذل النفس والنفيس، والغالي قبل الرخيص من أجل إعلاء كلمة الله، والتمكين لدينه في الأرض، وأداء الأمانة التي كلفنا الله بها، مثلما كان حال السابقين، والسلف الصالح، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
ميادين التضحية
إن المؤمن الذي رضي بالله تعالى ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولًا، وأُشرِب قلبُه حلاوةَ الإيمان، لا يسعه إلا أن يلبيَ داعيَ الله للتضحية وبذلِ كلِّ شيءٍ ابتغاءَ مرضاةِ الله، سواء أكان ذلك نفسَه أم مالَه وولدَه، أم حياتَه ووقتَه، طيبةً بذلك نفسُه مطمئنًا به قلبُه.
وميادين التضحية كثيرة، ولعل أبرزها: بذل النفس، وبذل المال، وبذل الوقت والعمر، والتضحيةُ بذلك كلِّه في سبيل الغاية، وأداء الأمانة.
يقول عز وجل: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.
في المقابل فإن للقاعدين عن التضحية من غير عذر عقابًا أليمًا، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
نماذج من التضحية
إن المسلم حقًا وهو يسمع كل هذه التوجيهات لا يتوانى لحظة عن الاستجابة والتنفيذ، ولو أدى ذلك إلى أن يضحِّيَ بالدنيا كلها، ويبذلَها رخيصة، إيثارًا لما عند الله.
من أجل هذا رأينا المسلمين الصادقين من سلف هذه الأمة وخلفها يضربون لنا أروع الأمثلة في التضحية والفداء والبذل والعطاء، وقدموا صورًا مُثْلى للتضحية في سبيل الله، جديرةً بأن نضعها نصب أعيننا، وفي عقولنا وقلوبنا، لنقتديَ بها ونحاكيَها في سلوكنا: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾.
قال ابن هشام عن مقتل أبي جهل: ضربه معاذ بن عمرو بن الجموح فقطع رجله، وضرب ابنُه عكرمةُ يدَ معاذ فطرحها، ثم ضربه معوذ بن عفراء حتى أثبته [يعني جرحه جراحة لا يقوم معها]، ثم تركه وبه رمق، ثم ذفّف عليه عبد الله بن مسعود [أي أسرع قتله] واحتزّ رأسَه، حين أمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُلتمَس في القتلى.
وتضحية صهيب بماله عند الهجرة وقولِ النبي صلى الله عليه وسلم له: " ربح البيع صهيب، ربح البيع صهيب ".
ولم تنته هذه النماذج وغيرها بانتهاء عصر السلف، بل إن الخير ممتد وكائن في هذه الأمة إلى يوم القيامة، وعصرنا الحاضر مليء بمثل تلك الصور المثلى في التضحية، فسَلْ تراب فلسطين وغيرِها ينبئْك عن نماذج كثيرة لشباب وشيوخ طاهرين صادقين.
هذه نماذج وغيرها كثير، حريٌّ بنا أن نقتديَ بها، ونجعلَها أمثلة لنا ولأبنائنا، رجاءَ أن يشركنا الله معهم في الأجر إن شاء الله، وأن نسترد مجدنا ونستعيد دورنا ونقوم برسالتنا، ونتبوأ مكاننا ومكانتنا.
إننا في عصرنا هذا لأحوج إلى التخلق بالتضحية والتحقق بها أكثر من أي عصر مضى، لنستعيد مجدنا، ونستردَّ حقوقنا، وننتصرَ على أعدائنا، ونؤديَ رسالتنا، ونُرضيَ ربنا، فيسودَ الحق والعدل، ويَعُمَّ الخير والأمن.
أضف تعليقك