من أصعب أنواع الجهاد وأشقها على العبد أن يخضع نفسه لطاعة الله جل جلاله،ويبعدها عن الشهوات المحرمة، فهذا الجهاد دائم ومستمر مع العبد، لا ينفك عنه ما دام أن نفسه بين جنبيه، قال صلى الله عليه وسلم: الْمُجَاهِدُ من جَاهَدَ نَفْسَهُ في طَاعَةِ اللَّهِ عز وجل.
النفس ميالة إلى الكسل عن الخيرات، أمارة بالسوء، سريعة التأثر عند المصائب، وتحتاج إلى صبر وجهاد في إلزامها طاعة الله،وثباتها عليها، ومجاهدتها عن معاصي الله، وردعها عنها، وجهادها على الصبر عند المصائب، وهذه هي الطاعات: امتثال المأمور، واجتناب المحظور، والصبر على المقدور، فالمجاهد حقيقة: من جاهدها على هذه الأمور لتقوم بواجبها ووظيفتها.
الجهاد الداخلي مقدم على جهاد العدو الخارجي، بل إن الانتصار على العدو الخارجي متوقف على محاربة وقهر العدو الداخلي، يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله-: جهاد النفس مقدم على جهاد العدو في الخارج وأصلا له، فإنه ما لم يجاهد نفسه أولا لتفعل ما أمرت به وتترك ما نهيت عنه ويحاربها في الله لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج، فكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه، وعدوه الذي بين جنبيه قاهر له متسلط عليه! لم يجاهده! ولم يحاربه في الله! بل لا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج.
إن من أهم ما يفسد نفس العبد ويحرمها التوفيق ويفتح عليها باب الخذلان أيها الكرام أن يتركها سائرة وراء هواها، حيث قادها تبعته لا يرعاها ولا يوجهها إلى ما ينفعها في الدنيا والآخرة،يقول الفضيل بن عياض- رحمه الله - :من استحوذ عليه الهوى واتباع الشهوات انقطعت عنه موارد التوفيق.
إن العبد الحريص على طاعة ربه سبحانه، يمكنه بعد عون الله جل وعلا له أن يقهر نفسه الأمارة بالسوء ويتغلب على هواه وذلك ببذل الأسباب المعينة على ذلك من الإخلاص، وطلب الهدى واتباع الحق والعمل به والسعي دائما لفعل الخيرات والتزود من الطاعات واجتناب سائر المعاصي والمنكرات، وينبغي للعبد كذلك أن يكون حريصا على صون نفسه من كل ما يضرها كوسوسة الشيطان، فلا يفسح بابا يدخل منه الشيطان، فيتمكن ويلبس عليه فيغرقه في واد الشبهات ويرمي به في مستنقع الشهوات.
وعليه أن يدفع وسوسته ويجاهد نفسه على عدم الامتثال للباطل الذي يزخرفه وللشهوة التي يزينها،يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-:وأما جهاد الشيطان فمرتبتان: إحداهما: جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان.
الثانية: جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات، فالجهاد الأول يكون بعده اليقين والثاني يكون بعده الصبر قال تعالى:(وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون"، فأخبر سبحانه وتعالى أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة، واليقين يدفع الشكوك والشبهات".
وعلى كل من بذل الأسباب وسعى في رضى رب الأرباب أن يتيقن تماما أن جهده بعون الله لن يذهب سدى،وسيصل إلى المبتغى ويتغلب على هواه وينتصر على الشيطان الرجيم بإذن ربه سبحانه الكريم،قال تعالى:(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ).
وذكر الإمام الشهيد حسن البنا مجاهدة النفس ضمن صفات الفرد المسلم العشر، حيث قال إن النفس البشرية كالجواد الجامح إما أن ترودها على الطاعة حتى يسلسل قيادها وإما أن تطيش بك في العصيان والشهوات والهوى فتوردك المهالك.
ومستهدف الفرد المسلم في مجاهدته لنفسه أن ينتصر على: -
1 - وساوس الشيطان.
2 - غرور الدنيا.
3 - طغيان الشهوات.
4 - اتباع الأهواء.
ليتدرج مع نفسه التي بين جنبيه إلى معالي النفوس: فمن نفس إمارة بالسوء لا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا إلى نفس لوامة تخلط عملاً صالحًا وآخر سيئًا، ولكنها تعرف المراجعة والندم على ارتكاب الإثم والعصيان إلى نفس مطمئنة، اطمأنت بذكر الله وطاعة الرحمن فأصبحت تجد لذتها ومتعتها في مرضاة الله ورضوانه.
أضف تعليقك