بقلم: قطب العربي
ضربة جديدة تلقتها سلطة الحكم العسكري في مصر من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، التي قررت منح جائزتها السنوية لحرية الصحافة لمصور مصري سجين، متجاهلة ضغوطا كبيرة مارستها السلطات المصرية لمنع هذا القرار، بزعم أن الفائز بها متهم في أعمال جنائية؛ قدمت بها ملفا ضخما لكنه لم يقنع لجنة الحكماء التي اختارت شوكان من بين عديد المرشحين الآخرين.
لم ينس العالم بعد تلك المعركة حامية الوطيس حول رئاسة اليونسكو في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والتي خسرت فيها المرشحة المصرية، فتحولت معركة النظام المصري لإسقاط المرشح القطري، ولتفوز بالرئاسة في الجولة الخامسة المرشحة الفرنسية أودري أزولاي، والتي ستسلم الجائزة للمصور المصري محمود شوكان في اليوم العالمي لحرية الصحافة (2 أيار/ مايو) في غانا.
شوكان، وهو أقدم صحفي سجين في مصر، حيث تم القبض عليه أثناء تصويره لفض اعتصام رابعة يوم 14 آب/ أغسطس 2013، ومنذ ذلك الوقت لم يخرج من حبسه الاحتياطي على ذمة تحقيقات قضية فض رابعة؛ المتهم فيها ضمن أكثر من 700 متهم آخرين بالقتل والحرق والتخريب (لا تخرج قبل أن تقول سبحان الله!!). وقد استحق شوكان هذه الجائزة "لشجاعته في مواجهة مخاطر مهنة الصحافة، ولكفاحه من أجل حرية التعبير والرأي"، كما ذكر الموقع الرسمي لليونسكو نقلا عن هيئة المحلفين المستقلة التي راجعت ملف شوكان واختارته من بين مرشحين آخرين، متجاهلة اعتراضات وزارة الخارجية المصرية التي أرسلت لها ملفا يتضمن الاتهامات المكررة والمثيرة للسخرية؛ التي نسبتها له النيابة مع غيره من المتهمين.
تعكس حالة الهيجان التي انتابت النظام المصري؛ موقفه المعادي لحرية الصحافة، وهو الموقف ذاته الذي تسبب في منح شوكان الجائزة، لكن الجائزة على كل حال نزلت بردا وسلاما، ليس فقط على الفائز بها، ولكن على كل الصحفيين والمصورين السجناء بشكل خاص، وعلى كل الصحفيين والإعلاميين المصريين المناصرين لقضايا الحريات بشكل عام.
لا تقتصر قيمة الجائزة على التكريم والتقدير المعنوي الدولي للفائز بها، بل إنها تعدت ذلك بكثير.. فهي أولا سلطت الضوء بشدة على حالة حرية الصحافة في مصر، حيث يقبع في السجن، إلى جوار شوكان، عشرات الصحفيين والمصورين الآخرين الذين يتعرضون للمصير ذاته، وللاتهامات ذاتها، وخارج السجن تتم ملاحقة كل الأقلام والأصوات الحرة، حيث تم إغلاق وحجب أكثر من 500 موقع، على رأسها موقع مصر العربية الذي تم حبس رئيس تحريره مؤخرا ضمن موجة جديدة من الملاحقات، كما تم حرمان العديد من الإعلاميين أصحاب الرؤى المستقلة من الظهور على شاشات الفضائيات المصرية، وتم قصف العديد من الأقلام في الصحف المصرية، ناهيك عن الانتهاكات المعتادة، مثل الاعتداءات الميدانية، والمنع من التغطية، والمنع من السفر، وحظر النشر.. الخ، وكل هذه الانتهاكات وضعت مصر في صدارة الدول الأكثر انتهاكا لحرية الصحافة عالميا.
وثانيا، أعادت هذه الجائزة التذكير بجريمة فض رابعة، والتي يمكث شوكان في الحبس حتى الآن بسببها. ومن الواضح أن صور شوكان كانت مؤلمة للنظام المصري، وهو ما يفسر سر تعنت النظام معه بهذه الوحشية، رغم كل حملات التضامن معه التي دشنتها منظمات حقوقية محلية ودولية خلال السنوات الخمس الماضية، ورغم أن نقابة الصحفين في عهد نقيبها السابق يحييي قلاش أولت اهتماما خاصا بقضيته، وقدمت للسلطات ما يفيد بمهنيته وعدم انتمائه لأي تنظيم سياسي، وطالبت أكثر من مرة بضمه لقوائم العفو الرئاسي، دون جدوى.
لقد ذهب شوكان لتغطية جريمة الفض، ملبيا نداء الشرطة المصرية التي وعدت الإعلام بتوفير البيئة المناسبة للتغطية، لكنها لم تحتمل تلك الصور التي فضحت المجزرة، والتي نقلها شوكان وغيره من المصورين المصريين والأجانب للعالم كله، فأحرجت النظام بشكل بالغ، وهو الذي كان يريد عمليات تلفزيونية تظهر فقط الجانب الذي يريد من مشهد الفض، والذي يحاول من خلاله إثبات جرم المتعصمين وحملهم لأسلحة عجز عن تقديم أي دليل عليها.
وثالثا، أكدت هذه الجائزة، وإصرار اليونسكو على منحها لشوكان رغم إعتراضات النظام المصري أن المجتمع الدولي لا يثق في الاتهامات التي يوجهها النظام لمعارضيه، سواء كانوا صحفيين أو غير صحفيين، فالتهم الموجهة لشوكان هي القتل والتخريب والحرق ، والانضمام لجماعة الإخوان!!! وهي تهم مثيرة للسخرية، وهي التهم ذاتها الموجهة لغيره من الصحفيين والمصورين، بل وكل السجناء معه، وهذا ما يستوجب من المجتمع الدولي، ممثلا في الأمم المتحدة بكل أذرعها سواء اليونسكو أو مجلس حقوق الإنسان أو اللجنة الدولة لمناهضة التعذيب، او المقررين الخواص للأمم المتحدة، الضغط بقوة على النظام المصري للإفراج عن أولئك السجناء.
ورابعا، فإن هذه الجائزة وجوائز أخرى سبقتها؛ تعد نوعا من التضامن الحقوقي الدولي مع المصريين في مواجهة القمع الشديد الذي يتعرضون له، لقد سبق أن حصل شوكان نفسه على جائزة اللجنة الدولية لحماية الصحفيين عام 2016، كما فاز خالد الببلشي، رئيس لجنة الحريات السابق بنقابة الصحفيين، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بجائزة نيلسون مانديلا للمدافعين عن حقوق الإنسان، وفاز مركز النديم المتخصص في علاج وتأهيل ضحايا التعذيب بجائزة منظمة العفو الدولية مؤخرا، وفاز عدد من النشطاء الحقوقيين بجوائز دولية، مثل محمد زارع وجمال عيد وراجية عمران ومزن حسن.. الخ. وتمثل هذه الجوائز حافزا لهؤلاء النشطاء في مواجهة السلطة المستبدة، ولكنها ليست كافية لوقف تغول وقمع السلطة التي تحتاج إلى ردع دولي حقيقي، وأقل شيء يمكن تصوره في هذا المجال هو تشكيل لجنة أممية للتحقيق في جرائم النظام بحق الشعب المصري والمعارضين السياسيين.
ستكون فضيحة النظام المصري بـ"جلاجل" يوم تسليم الجائزة لمن ينوب عن صاحبها السجين شوكان، يوم 2 أيار/ مايو في غانا، حيث يجري الاحتفال هذا العام باليوم العالمي لحرية الصحافة، وحيث ترفع صور شوكان في جنبات مقر احتفال المنظمة الدولية، وبحضور ممثلي الدول المختلفة، ولكن الاحتفال الكبير سيكون بخروج شوكان وكل سجناء الرأي، وتحرر مصر تماما من الحكم العسكري.
أضف تعليقك