• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم..سليم عزوز

أما آن لسلطة الانقلاب العسكري في مصر أن تتوقف عن ممارسات قطاع الطرق، وباعتماد سياسة "تثبيت" الضحية تحت تهديد السلاح، ثم أمره بأن يسلمها الساعة، والهاتف الجوال، وصولاً إلى حافظة النقود؟!

لقد كنا نعتقد أنه بوصول نجم كرة القدم "محمد صلاح" إلى العالمية، وأنه أصبح معروفاً في العالم كله، ستلتزم هذه السلطة بالوقار، ولو ادعاءً، في التعامل معه، لكن ثبت أن "الطبع غلاب"، وأن "العرق دساس". فها هي تمارس معه ذات الأسلوب فتعمل على ابتزازه حتى تتمكن من نهبه، وبشكل انتقل بها إلى مستوى الفضيحة التي يتغنى بها الركبان!

عندما غرد "صلاح" بأن الأمر وصل إلى الإهانة، كنت أظن أنه يقصد كاتباً بعينه يقوم بالهجوم عليه، فهو يزعجه شكله، وتفزعه لحيته، وقد وصل به الأمر مؤخراً إلى "ازدراء" حجاب زوجته، فظننت أنه هو من أفزع الفتى فتحدث عن الإهانة، لكني علمت أن الكلام موجه إلى ما يسمى باتحاد الكرة، والذي لم يكن في تقديري سوى مخلب قط لسلطة العسكر التي تعتقد أنه يمكنها أن تستبيح "محمد صلاح" وتخضعه لها بسيف الابتزاز، فيخضع لها بالقول، ويمكّنها من أن تتقاسم معه ثروته وجائزته، وقد تحولت إلى ما يشبه "الأم المعيلة"، وواجب على أبنائها حق النفقة، فكيف له بعد حصوله على جائزة عظيمة، أن يترك أمه مصر تسأل الله "ثمن النشوق"؟!

أصل الحكاية، أن محمد صلاح فوجئ باتحاد الكرة وقد باعه لشركة للاتصالات والطيران يرمز لها بالحرفين "we"، وبما يمكن هذه الشركة من استغلال اسمه وصورته على طائراتها التي احتكرت حق السفر لجمهور المشجعين المصريين لكأس العالم، بما يعرضه لمشكلات لا أول لها ولا آخر، فهناك عقود بينه وبين شركات دولية لاستغلال اسمه وصورته في الدعاية، وهناك شرط جزائي إذا أخل بالاتفاق، حيث يتم التحكيم أمام المحاكم في الخارج، وليس أمام محكمة عابدين للأمور المستعجلة، فهناك ملايين من الدولارات سيدفعها جراء هذه الخطوة التي قام بها الشبيحة في القاهرة، بتعاقد من لا يملك، وهو اتحاد الكرة، مع من لا يستحق، وهي الشركة المذكورة أعلاه!

وقد حاول وكيل أعمال "محمد صلاح" الاتصال باتحاد الكرة، الذي لم يعره اهتماماً، وهو ما اعتبره هو أنه "إهانة"، قبل أن يعلن أحد أعضاء الاتحاد أن وكيل الأعمال قد تعامل مع الاتحاد الموقر بما لا يليق، وخاطبه بما يمس ذاته المصونة. ولا ندري كيف يمكن التعامل مع مجموعة من "الفهلوية"! فما هي علاقة الاتحاد بمحمد صلاح ليتعامل معه على أنه ملكية خاصة به، وأنه مسلوب الإرادة، ويمارس عليه الوصاية، فيتعاقد باسمه أو نيابة عنه؟! حتى لا يتم جرنا إلى تفاصيل لا قيمة لها عن كيف تعامل "وكيل الأعمال" مع أصحاب السعادة والجلالة والسمو أعضاء اتحاد الكرة.. حفظهم الله، آمين!

لقد اختزل "محمد صلاح" مشكلته في الاتحاد، وهو معه عذره لأنه يدرك أنه يواجه سلطة قطاع الطرق، ومن لن يرقبوا فيه إلّا ولا ذمة، وقد جرّب بأسهم عندما أغروا به غلمانهم فقالوا فيه ما قال مالك في الخمر، وأخرجوا فيه "القطط الفطسانة"، فهو إرهابي، وينتمي لجماعة الإخوان الإرهابية، وهددوا بتجنيده، وقد افتدى نفسه بدفع "الإتاوة"، وهي خمسة ملايين جنيه، لصندوق "تحيا مصر"، وبعد ذلك انتقل لمرحلة المواطن الصالح، فصار الغلمان يمدحونه في إعلامهم، فقد تاب وأناب وتبرع لصندوق السيسي، وبحصوله على الجائزة الدولية مؤخراً، فقد فتح شهيتهم لاستغلاله تماماً، فهل المشكلة في اتحاد الكرة؟!

في عُرف تجار المخدرات، لا بد من صبيان يفتدي "المعلم الكبير" بهم نفسه عندما تقع "الفأس في الرأس"، فيعترف الصبي بأنه التاجر وأن المضبوطات تخصه، لذا فإن معظم القضاة يتساهلون في الإدانة، ويصدرون أحكاماً مخففة، لإدراكهم أنهم أمام الصبيان وليس المعلمين. وفي حالة "محمد صلاح"، كان اتحاد الكرة هو من يعترف على نفسه بأنه المتهم، ومن ثم فقد انطلق بعض الأعضاء يتهمون "محمد صلاح"، لمجرد إعلانه أنه يشعر بـ"الإهانة"، بعدم الوطنية، حتى توشك الوطنية أن تكون كلمة سيئة السمعة بسبب هذا الابتذال، فهؤلاء هم الصبيان فمن المعلم؟!

باختصار من يملك شركة "we"؟ لأننا عندما نصل للمالك، فيمكننا الوقوف على "المعلم" الذي استباح "محمد صلاح" بعقد مزور، قام به اتحاد الكرة، وكأنه من يملك "عُقدة النكاح"!!

اتحاد الكرة ليس من مراكز القوى في البلاد، ولو كانت الأزمة في حدوده، لما استحق الأمر من "محمد صلاح" أن يشعر بالإهانة أو يعبر عن ذلك بـ"تغريدة"، فدعوى أمام محكمة جزئية في القاهرة، ومن محام صغير، تكفي لوقف المهزلة، ويمكن له أن يطلب التعويض من الاتحاد لقيامه بالتعاقد نيابة عنه، وعند الحكم بفساد التعاقد، سنكون أمام جريمة من جرائم النصب، وهو ما يسهل مهمة المجني عليه في طلب التعويض المناسب، لا سيما وأن من مارسه ليس نصاباً مبتدئاً قام بفعلته في جنح الظلام قبل أن يلوذ بالفرار!

والحال كذلك، فمن المعلم الذي بلغ من نفوذه حد أن يترك "صلاح" انتصاراته والأجواء الاحتفالية به، ويجد وقتاً يشعر فيه بالإهانة؟ وهل هي "الإهانة"، أم أن الأمر تجاوزها إلى ما يستعيذ الناس منه، وهو "قهر الرجال"؟!

في مصر 22 صحيفة يومية، بخلاف مئات الصحف الأسبوعية، بجانب المواقع الإلكترونية، فضلاً عن أن أعداد أعضاء نقابة الصحفيين تجاوز العشرة آلاف صحفي غير الصحفيين غير المقيدين، ومع ذلك فلم تهتم صحيفة أو يهتم صحفي بالوصول إلى أسماء أصحاب شركة الطيران "we"، الطرف الثاني في "العقد الفاسد". ويحق بالمناسبة لأي مواطن أن يتقدم للغرفة التجارية أو هيئة الاستثمار بالطلب، فيعرف تفاصيل أي شركة، لكن أحداً لم يفعل مع هذه الشركة، وهذا هو "بيت القصيد"!

قرأت "بوست" لأبو تريكة يقول إن أصحاب هذه الشركة من اللواءات المتقاعدين، ومن هنا يمكن لنا أن نكون قد وصلنا إلى "سر شويبس" الذي ظل الفنان الراحل "حسن عابدين" يسأل عنه عدة سنوات في الإعلان الشهير عن هذا المشروب: "يا ترى إيه هو سر شويبس"؟!

فهذا هو "سر شويبس" إذن، وإذا كنا نعلم أنه لا قيمة للضباط المتقاعدين، إلا لأنهم يمثلون جهات سيادية في شركات تأخذ شكلاً مدنياً، فإنه يمكننا الوصول للجهة التي تستبيح "محمد صلاح"، وترى أن من حقها أن تستغل اسمه وتوظفه، بل وتحصل على حق احتكار نقل المشجعين المصريين إلى موسكو. فمن أعطاها هذا الحق؟، ولماذا لا يكون هذا من نصيب شركة مصر للطيران، لتعوض به خسائرها عن توقف رحلاتها للدوحة، بعد الحصار؟!

إنه السطو الذي يقوم به قطاع الطرق، ما تمثله الأنظمة العسكرية الباطشة، التي تستخدم القوة والدعاية في تمرير ما تقوم به، ويبدو "محمد صلاح" فريسة سهلة عندما يواجه الاتهام بافتقاده للوطنية؛ لأنه لا يوافق على استباحته، ويتم اغتياله معنوياً بواسطة الإعلام الفاجر، وستكون حجتهم أنه متهرب من التجنيد!

لا يدرك "حكم البيادة" أنه إذا كانت شخصية الفتى مغرية بهضم حقه، فإنه أصبح في حصانة الجماهير عالمياً، ولا يمكن قبول دعاية الوطنية هنا، كما أن الحديث عن تجنيده سيفتح الباب ضد المسكوت عنه، وهو سياسة التجنيد الإلزامية التي ترفضها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان!

وبعد أن احتشدت الجماهير لتحمي نجمها، أعلن "هاني أبو ريدة"، عضو اتحاد الكرة، أن مشكلة محمد صلاح في طريقها للحل، لكن في إطار حكم قطاع الطرق أيضاً، عندما قال إنه سيدفع الشرط الجزائي لصالح شركة "we". فلا بد لهذا الحكم أن يستفيد!

فمحمد صلاح لم يوقع مع الشركة المذكورة، واتحاد الكرة هو من وقع كما وقع على الشرط الجزائي، ومن العبث أن يتحمل تبعات عقد فاسد لا ناقة له فيه ولا جمل، ولكن يبدو أن الطرفين اتفقا على ضرورة الخروج منه بملايين الجنيهات، قوة واقتداراً. فمن أين جاء هؤلاء القوم؟! ومن أعطاهم الحق بالحديث عن الوطن والوطنية، في إطار صفقة فاسدة، وتعاقد باطل، وأجواء لا تليق بدولة أو بسلطة؟!

اللافت هو ما قاله "أبو ريدة" من أن اتحاده يدرس استبعاد "صلاح" من المباريات الأولى بعد عدم تعاونه بشكل وطني لصالح مصر!

فإذا كان التعاقد بين الاتحاد وشركة تجارية عادية، فما دخل الوطن وصالح مصر هنا؟ وما هو هذا الوطن الذي لا يحيا إلا على سرقة أبنائه واستباحتهم؟!

إنهم العسكر إذا حكموا.

أضف تعليقك