"فما بين التصفية والطرد والإقالات من الشركات والأعمال بلا حماية قانونية إلى الخصخصة والطرد القسري" يحتفل العمال غدًا الثلاثاء الأول من مايو بعيدهم السنوي، في ظل نظام العسكر في مصر الذي أهدر حقوق العاملين في الدولة.
فمنذ بداية الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي في يوليو 2013، ازدادت معدلات الاحتجاجات العمالية، لأسباب عديدة منها سوء الأوضاع وإغلاق المصانع وتسريح العمال، إضافة إلى اعتقالهم.
كما أجبر العمال على وقف الإنتاج والاستقالات الجبرية، فضلا عن إسناد المناقصات والأعمال إلى شركات الجيش التي تستخدم جنود السخرة بالمجان، بما يفاقم أزمات العمال والشركات المدنية، ناهيك عن الغلاء وتعويم الجنيه الذي ضرب سوق العمل والأعمال في مقتل .
مزيد من المشقة
"هتتعبو معايا أكثر" بهذه الكلمات توعد قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بالمزيد من المشقة في المستقبل، خلال كلمته أمس بمناسبة عيد العمال، حيث حاول السيسي في خطابه التلاعب بالكلمات ودغدغة المشاعر لتسويق الأوهام وتسكين الآلام عن الأوجاع التي سببها هو نفسه لعمال مصر.
وزعم السيسي في كلمته أنَّ "مصر تمضي على مسارات متوازية في نفس الوقت، لتعويض ما فاتها.."، متناسيًا أن انقلابه العسكري هو الذي فوت على مصر فرص عظيمة لأن تكون دولة منتجة تملك قوتها وتنتج دواءها وسلاحها، بدلًا من حالة التسول الكبرى التي يخوضها السيسي وعصابته، الذين فاقموا الديون الداخلية لأكثر من 3 تريليون جنيه، بجانب أكثر من 103 مليار دولار ديونًا للخارج .
وتابع المنقلب : "لقد قمنا بإجراءات اقتصادية صعبة، لم يكن ممكناً تجنبها وإلا كانت التداعيات كبيرة"، متجاهلًا أيضًا أن الإجراءات التقشفية التي فرضها على الشعب بمعظم طوائفه لم تستثن إلا الوزراء وأعضاء مجلس الشعب والدبلوماسيين والقضاة والشرطة والجيش ، وكان آخرهم حرمان أصحاب المعاشات من حقهم بزيادة معاشاتهم لتصبح نحو 80% من المستقطعات التي دفعوها، كما منحهم إياها قضاء مجلس الدولة، في الوقت الذي صادق السيسي وبرلمانه على زيادة رواتب الوزراء والدبلوماسيين ليصبح الحد الأقصى لهم 42 مرة من راتب الموظفين ، ناهيك عن البدلات التي تعد الباب الأرحب لنهب ميزانية الدولة لصالح الكبار .
معاناة مستمرة
وتستمر معاناة عمال مصر، فمع تراجع القيمة الشرائية للجنيه، فقد العمال قيمة رواتبهم المتدنية بالأساس، ناهيك عن حظر وقمع التظاهرات المعبرة عن حقوقهم بالقوة العسكرية الغاشمة، التي وضعت عمال الترسانة البحرية في السجن لحين قبول فصلهم وإجبارهم على الاستقالة، للتنازل عن الأحكام العسكرية التي أصدرتها محكمة العسكر بالإسكندرية.. بل باعتقال أي عامل محب لوطنه لمجرد أنه تظاهر مطالبًا بحقه.. أو رافضًا لبيع مصنعه وشركته الرابحة بدعاوى واهية من حكومة الانقلاب.
وفي ظل الإجراءات الاقتصادية التي تتخذها حكومة الانقلاب من تخفيض مخصصات الدعم، في قطاعات تمس حياة المواطنين مثل الوقود والكهرباء، يستقبل عمال مصر مع بقية أفراد المجتمع موجة تضخمية جديدة تزيد من أعبائهم المعيشية، وبخاصة أن الزيادات المقررة بالرواتب محدودة ولا تكافئ الزيادة في معدلات التضخم.
وحسب بيانات مشروع موازنة العام المالي 2018/2019، سوف يتم تخفيض الدعم الخاص بالوقود إلى 89 مليار جنيه مقارنة بنحو 110 مليار جنيه في موازنة 2017/2018، كما سيتم تخفيض الدعم الخاص بالكهرباء إلى 16 مليار جنيه مقارنة بنحو 30 مليار جنيه في 2017/20189، ومن شأن تخفيض الدعم في هذين القطاعين المهمين، أن تشهد مصر موجة تضخمية جديدة، ستؤثر على كافة الأسعار، نظرًا لأن الوقود من السلع المهمة المعتبرة في تكلفة كافة السلع والخدمات.
ويعتبر العمال النظاميون من أكثر فئات المجتمع تضررًا في ظل سياسيات التخلي عن الدعم، نظرًا لاعتمادهم على دخول ثابته، تتعرض بشكل كبير لانخفاض في قوتها الشرائية، بينما العاملون في القطاعات الحرفية أو مقدمي الخدمات بالقطاع الخاص، يكون لديهم مرونة أكبر في زيادة دخولهم، لما يملكونه من رفع أسعار خدماتهم، أو السلع التي ينتجونها. ولكن الجميع سيتأثر بحالة الركود المنتظرة بسبب عدم مواكبة الدخول للأسعار.
احتجاجات العمال
فشلت القيود غير المسبوقة التي فرضتها سلطات الانقلاب العسكري على عمال مصر في منع الاحتجاجات العمالية، ونجح العمال في تنفيذ 299 احتجاجًا خلال التسعة أشهر الماضية، بمتوسط 33 احتجاجًا في الشهر، وفقًا لتقرير مؤسسة مؤشر الديمقراطية.
وقال التقرير الذي نشرته "مؤشر الديمقراطية" على موقعها الإليكتروني، اليوم الاثنين، إن شهر يوليو 2017 كان الأكثر احتجاجًا خلال الفترة من أول مايو 2017 وحتى نهاية أبريل 2018، مسجلا 51 احتجاجًا، تلاه يونيو من نفس العام محققا 41 احتجاجا، وجاء نوفمبر 2017 كثالث أكثر الشهور التي شهدت حراكًا احتجاجيًا عماليًا بنصيب 35 احتجاجًا، تلاه أغسطس من نفس العام بـ 33 احتجاجًا عماليًا.
ووفق الترتيب التنازلي لأكثر الشهور التي شهدت حراكًا احتجاجيًا عماليًا، بحسب التقرير، فقد شهد ديسمبر 2017، تنظيم 23 احتجاجًا، تلاه فبراير 2018 بـ 22 احتجاجًا، أعقبهم أكتوبر 2017 الذي شهد 21 احتجاجًا، ثم أبريل 2018 الذي شهد 19 احتجاجًا، ومايو 2017 بـ 17 احتجاجًا، في حين شهد يناير 2018 15 احتجاجًا عماليًا، ونظم العمال 12 احتجاجًا خلال مارس 2018، بالإضافة لـ 10 احتجاجات خلال سبتمبر من العام 2017.
وأوضح التقرير أن الاحتجاجات العمالية خلال الفترة المذكورة شملت 10 قطاعات عمالية، هي قطاع المصانع والشركات وعلى رأسها الغزل والنسيج والقطاعات الصناعية المملوكة للدولة مثل الحديد والصلب والقومية للأسمنت، وقطاعات النقل والمواصلات، والتعليم والصحة، والهيئات الحكومية، والأعمال الحرة، والصحافة والإعلام، والرياضة والزراعة، والقطاع القانوني.
مذبحة منتظرة
ينتظر عمال مصر مذبحة جديدة تنظمها سلطات الانقلاب ضدهم، حيث أعلنت حكومة الانقلاب عن سعيها لخصخصة نحو 18 مؤسسة على مدار العامين أو الثلاث القادمة، وبلا شك أن خصخصة هذه المؤسسات سوف تؤدي إلى إحالة العديد من العاملين إلى المعاش المبكر، وقد نشرت وسائل الإعلام مؤخرًا عن موازنة الشركة القومية للإسمنت لعام 2018/2019، وأنها تتضمن برنامج للمعاش المبكر، حيث تضم الشركة 2300 عاملًا.
ولن تكون الشركة القومية للإسمنت هي الوحيدة التي ستتبنى هذا الاتجاه، وخطورة هذا الأمر، أن حكومة الانقلاب لا تملك تصور معين لمن يحالون للمعاش المبكر، فينحصر دورها في ترتيب مكافأة ترك الخدمة، والمعاش المستحق، دون تدريب أو تأهيل للدخول في انشاء مشروعات صغيرة، أو الالتحاق بقطاعات قريبة من تخصصاتهم.
وفي الغالب ما يتجه من يحالون إلى المعاش المبكر للتصرف في مكافأتهم لتلبية احتياجات اجتماعية ضرورية وملحة، وليس استثمارها، فجلهم يتجهون لتدبير بعض احتياجات زواج أبنائهم أو بناتهم، أو شراء بعض السلع المعمرة لبيوتهم، مما يجعلهم يفقدون ميزة الحصول على وفورات مالية يمكن توجيهها للاستثمار.
كما أن الاقتصاد المصري في هذا التوقيت يعاني من حالة ركود، ومن الصعب أن تستقبل المؤسسات القائمة العمالة المحالة للمعاش المبكر، مما سيساعد على ارتفاع معدلات البطالة.
وإذا ما حاولت العمالة المحالة للمعاش المبكر الدخول مرة أخرى لسوق العمل، فسوف تزاحم الداخلين الجدد لسوق العمل، مما سيؤثر على مستوى الأجور ليكون في أقل معدلاته، فضلًا عن استغلال أصحاب الأعمال لهذه الفرصة وفرض شروطهم على العمال الذين سيقبلون بشروط عقود الإذعان.
وفي أول يوليو 2019 ينتهي العمل ببرنامج الاصلاح الاقتصادي المزعوم مع صندوق النقد لدولي، وهو ما يعني أن عمال مصر سيعانون لعام أخرى بعد عيدهم هذا، أو قد لا يؤدي البرنامج الحالي مع الصندوق إلى خروج مصر من أزمتها الاقتصادي، مما سيضطرها للدخول في برنامج ثان، لتزداد معاناة العمال.
أضف تعليقك