• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانيتين

مغادرة عدد من الإعلاميين البارزين لإحدى الشبكات التلفزيونية التي اشترتها المخابرات الحربية من رجل الأعمال نجيب ساويرس مثل عمرو أديب ومعتز عبد الفتاح ولبنى عسل، قد يكون جزءا من تبريد الحالة الإعلامية، وقد يكون خلاصا من وجوه كالحة أدت مهمتها وحان أوان تغييرها مثل خيل الحكومة، أو حتى لأسباب مالية، وهو في كل الأحوال ليس أمرا مفاجئا أو جديدا، فمنذ انقلاب الثالث من يوليو 2013 اختفت العديد من الوجوه البارزة التي ملأت الدنيا ضجيجا في عهد الرئيس محمد مرسي، والتي شاركت في الحشد والتعبئة لمظاهرات 30 يونيو، ودعمت انقلاب الثالث من يوليو، وظنت أنها حققت بذلك هدفا لطالما حلمت به فإذا بها تكتشف أنها سجلت هدفا في مرماها حين تخلصت منها سلطة الانقلاب تباعا بدءا بباسم يوسف، ويسري فودة، وريم ماجد، وبلال فضل، وتوفيق عكاشة، ومحمود سعد، وإبراهيم عيسى، (قبل أن يعود الأخيران ببرنامجين منزوعي الدسم).

التباهي بالنباهة

لم يكن الأمر يحتاج إلى فراسة خاصة لمعرفة نوايا السلطة العسكرية تجاه الصحافة، وهي التي بدأت عهدها بإغلاق العديد من القنوات والصحف وحبس عشرات الصحفيين، لكنَّ قسمًا من الصحفيين والإعلاميين الذين يتباهون بنباهتهم، وبقدرتهم على التنبؤ والتحليل، تعاملوا مع تلك المقدمات القمعية باعتبارها إجراءات عادية ضد “أعداء الوطن” والذين هم زملاؤهم في المهنة ودفعوا الضريبة نيابة عنهم دفاعا عن حرية الصحافة واستقلالها، لم يكن أولئك” المتحذلقون” يتوقعون أبدا أن تطالهم مطارق النظام القاسية، حتى فوجئوا بجحافل الشرطة تقتحم نقابتهم لأول مرة منذ إنشائها مطلع الأربعينات، وتقتاد نقيبهم ووكيل وسكرتير النقابة لقسم شرطة قصر النيل، عقابا لهم على دفاعهم عن النقابة، ثم تصدر حكما بالحبس مع وقف التنفيذ بحقهم، ليظل سيفا مسلطا على رقابهم، وتتكرر المداهمة للنقابة مرة ومرات أخرى فقد ضاعت قداستها، وفقدت عذريتها على يد العسكر مع نفر من أبنائها يبكون الآن بكاء النساء على ملك لم يصونوه كما الرجال (كما قالت والدة ملك غرناطة أبو عبد الله الصغير لابنها الذي سلم مملكته لملك الكاثوليك فرناندو).

كمْ استغاثت أسر الصحفيين المعتقلين بنقابتهم وبنقيبهم ليقوم بالحد الأدنى من التضامن، ولو بمجرد زيارة رمزية لبعضهم في السجون أو حتى في المنازل، وكمْ بُح صوتنا ونحن نحذر مما سيلحق بالنقابة وبالمهنة عموما وبأبنائها بالصمت على اعتقال وإهانة عدد من الصحفيين والمصورين ظل يكبر ويكبر حتى فاق المئة في بعض الأحيان. لقد كان ذلك الصمت والرضا هو أكبر تشجيع للسلطة الغاشمة على المزيد من القمع, ولم تقتصر على مناهضيها من الإسلاميين أو رافضي الانقلاب عموما، بل وصل قمعها إلى من كانوا يعتبرون أنفسهم أبناء النظام وأحبائه، وكانوا يظنون أن غياب مخالفين لهم في الرأي سيحيل الصحافة إلى جنة الله في الأرض، فإذ بها تمسي جهنم الحمراء، وتصبح جريمة يعاقب فاعلها بالحبس أو الاختفاء والتعذيب أو حتى بالقتل، وتعاقب الصحف والقنوات والمواقع التي تمارسها باستقلال للوقف والحجب أو حتى بالإغلاق والتصفية التامة.

في الكراكون

هل كانت جريدة مثل المصري اليوم تتوقع أنها ستدفع ثمنا كبيرا لمانشيت صحفي؟ لقد راح ضحيته رئيس تحريرها، وتم التحقيق مع 9 من أبنائها، وأصبحت الجريدة منذ ذاك اليوم مسخا لا قيمة لها، وهل كان رئيس تحرير جريدة التحرير يتوقع أن يتحول من ضيف إلى متهم بعد استدعائه من النيابة؟ لقد ظل محتجزا يوما أو يومين حتى دفع الكفالة التي فرضتها عليه النيابة في اتهامات نشر، وهل كان توفيق عكاشة يتوقع للحظة واحدة أن تتخلى عنه السلطة؟ لقد فعلتها وبغلظة غير معتادة أصابته بمرض عضال، وأجبرته في النهاية على تصفية القناة وعدم الظهور في أي قناة أخرى رغم أنه ظل ينافق حتى الرمق الأخير، وكانت أحدث تجلياته في ظهوره التلفزيوني من حقله، داعيا المصريين إلى الاحتشاد أمام لجان انتخابات الرئاسة، وهل كان خيري رمضان يتصور أن يحتجز في “الكراكون” ساعة واحدة؟ لقد حدث بسبب غضب الأسياد الذين يتعاملون معه ومع أمثاله باعتبارهم مجرد خدم لا يحق لهم جرح مشاعر أسيادهم ولو بمنتهى حسن النية.

بطبيعة الحال لا يمكننا وضع موقع مصر العربية ورئيس تحريره عادل صبري في سلة واحدة مع من سبق، فالموقع كانت له سياسة تحريرية مستقلة، ولم يكن جزءا من “الجوقة”، فكان من المتوقع أن يتعرض للإغلاق ومصادرة المحتويات، وحبس رئيس التحرير، كما كان متوقعا أيضا أن تحجب السلطة مئات المواقع الإلكترونية المستقلة التي لم تتمكن من السيطرة التامة عليها، وكان متوقعا أيضا أن تبادر منابر أخرى بإغلاق نفسها بعد أن وجدت نفسها في شلل تام، مثل موقع البديل، كما أن صحفا وقنوات أخرى ستلحق بالمصير ذاته تباعا مع انسداد الحياة السياسية، والغياب الكامل لمناخ الحرية الذي لا تحيا الصحافة إلا به، وكذا مع تدهور الوضع الاقتصادي الذي ينعكس سلبا على سوق الإعلام عموما فيحرمه من المصدر الرئيسي للدخل وهو الإعلانات، وبالتالي تعجز القنوات والصحف عن الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه موظفيها والجهات التي تتعامل معها.

قائمة الإرهاب

أحدث الإجراءات القمعية بحق الإعلاميين المعارضين هو إدراج 24 منهم في قائمة جديدة للإرهاب بينها كاتب هذه السطور، وهي الأسماء ذاتها- مع إضافات طفيفة- التي تضمنتها قائمة سابقة صدرت مطلع العام الماضي، والتي كانت محكمة النقض في طريقها لإلغائها بعد صدور تقرير هيئة المفوضين الموصي بذلك، فسارعت السلطة لإصدار القائمة بقرار هزلي جديد وبدون أي تحقيقات، وبدون أي فرصة للدفاع، وهي رسالة لغير هؤلاء المدرجين بإمكانية إدراجهم في قوائم لاحقة إذا حادوا عن الخط المرسوم.

كل هذه الإجراءات القمعية المتلاحقة والمتصاعدة تحدث ضد الصحافة “الجريحة” في مصر في يوم عيدها أو عرسها، وهو اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي ينطلق غدا الخميس 3 مايو، والذي سيكون نجمه لهذا العام مصور مصري هو محمود شوكان أقدم سجين صحفي وقد نال جائزة اليونسكو التي ستسلم لمندوب عنه في غانا، في ظل حضور دولي واسع، وهذه الجائزة وإن كانت بالأساس هي تكريم لصاحبها المحبوس منذ يوم فض اعتصام رابعة في 14 أغسطس/آب 2013، إلا أنها تمثل تكريما لكل الصحفيين السجناء في مصر زملاء وجيران شوكان في سجنه، وغيره من السجون، كما أنها تمثل نوعا من التضامن الدولي مع الصحفيين المصريين الذين لا يزالون يقبضون على جمر المبادئ والمهنية، ودافعا لهم للاستمرار في طريق مقاومة الظلم، ومواجهة العدوان على حريتهم وحرية وطنهم.

أضف تعليقك