بقلم: ممدوح الولي
جدد الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، مؤخرا، آلام وأوجاع الصحافة، وكافة وسائل الإعلام المصرية، بداية من النشر الورقي والتلفزيون وحتى المسرح، والتي تعيش حالة من الحصار المستمر والمتسعة رقعته منذ الثالث من تموز/ يوليو 2013 وحتى الآن.
وهي الحالة التي شملت كافة أنواع الانتهاكات الاعلامية، بداية من إغلاق الفضائيات ومكاتبها، ووقف إصدار صحف، والتدخل للإجبار على تغيير عناوين رئيسية لصحف أخرى، والتوسع بحظر النشر، ومنع المشتبه في ولائهم للنظام الحاكم من الكتابة بالصحف الحكومية والخاصة، أو الظهور عبر الفضائيات الرسمية أو الخاصة.. بل وحتى من خلال المكاتب الإقليمية للفضائيات الدولية الموجودة بالقاهرة، حيث تلتزم تلك الجهات بمنع استضافة من لا يرضى عنهم النظام، كأحد الشروط غير المعلنة لاستمرار عملهم من القاهرة.
وامتد الأمر للمواقع الالكترونية، حيث تم حجب أكثر 400 موقع، ما بين مواقع إخبارية أو ناطقة باسم منظمات حقوقية وغيرها، مما لا يروق مضمونها للسلطات، سواء كانت تبث مضمونها من مصر أو من دول أخرى.
ولم تكن وسائل الإعلام وحدها الواقعة تحت الحصار، والذي امتد لكل مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب سياسية تم حل بعضها وتفجير أخرى لتغيير قياداتها، وجمعيات أهلية تم إغلاق المئات منها، وتغيير مجالس إدارات أخرى، ونقابات مهنية تم تغيير هيئات مكاتبها.
إهدار النصوص الدستورية والقانونية
ولم يكترث النظام الحاكم بنصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على حرية التعبير، أو حتى بالدستور المصري الصادر في عهده، والذي كفل حرية الرأي والتعبير بكافة الصور، بل كفل أيضا حرية التظاهر والتجمع السلمي.
إلا أن النظام لم يلتزم بكل نصوص الدستور الخاصة بحرية الرأى، أو حتى بحرية الاجتماع والتظاهر، أو بحرمة المسكن، أو حقوق السفر، أو حق العمل، أو القوانين المؤكدة على هذه الحقوق.
واستطاع النظام من خلال ضغوطه وعطاياه تسخير الجهات المعنية بالدفاع عن حرية الصحافة والإعلام، لتبني منهجه التسلطي المستبد واتهاماته للمعارضين له، وتسليط أجهزته الإعلامية للنيل من سمعة ونزاهة وكرامة هؤلاء المعارضين، بل والتنصت على حياتهم الخاصة دون حرج.
وساعدت العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع دول الغرب والشرق، وعلاقاته الحميمة بالدولة اليهودية، في صمت تلك الدول عن تجاوزاته سواء تجاه المعارضين أو الإعلاميين، وهي التجاوزات التي امتدت حتى لمؤيديه، في رسالة واضحة لتخويف المجتمع من نفس الكأس المريرة، إذا لم يسيروا في ركابه.
لكن الأمور لم تجر كما أراد النظام، فقد تراجعت نسب مشاهدة فضائياته الرسمية والخاصة وصحفه الرسمية والخاصة، ومع تراجع نسب الانتشار والتوزيع، تراجعت حصيلة الموارد الإعلانية، مما زاد من إنفاق النظام للحفاظ على بقاء تلك الوسائل.
فرغم تخصيص 220 مليون جنيه شهريا لأجور العاملين بالهيئة الوطنية للإعلام، فقد استمرت خسائرها لحوالي خمسة مليارات جنيه سنويا، لتتجاوز الخسائر المُرحلة أكثر من 40 مليار حنيه.
استمرار خسائر وديون الصحف
وتكرر الأمر في المؤسسات الصحفية القومية التابعة للدولة. فرغم إمداد وزارة المالية الهيئة الوطنية للصحافة، بعشرات الملايين من الجنيهات شهريا لدفع أجور العاملين بها، فقد استمرت خسائرها وديونها نتيجة عجزها عن تغطية مصروفاتها اليومية، من ورق للطباعة وكهرباء ومياه ووقود وغيرها.
وبينما كان البعض يتصور أن يكون استتباب الأمر للنظام في ضوء قبضته الحديدية؛ يمكن أن يدفعه لتخفيف ممنوعاته الإعلامية، من باب التنفيس للبخار المكتوم في نفوس الجمهور، بدلا من تركه يتراكم مما يزيد من فرص انفجاره وقت ما، لكن النظام سار في طريق معاكس.
فبينما كان من المفترض أن يسترضي الرأي العام ببعض الانفراجة بالمشهد الإعلامي والسياسي العام، قبيل الانتخابات الرئاسية، إذا به يتوسع باعتقال رموز سياسية وعسكرية بارزة، ويستمر باعتقال الصحفيين، ويطول الاعتقال قامات صحفية بحجم رئيس تحرير موقع مصر العربية، المعروف باستقلاله وليبراليته.
ويستمر النظام في حصار مواقع التواصل الاجتماعي والقبض على أصحاب الكثير من الحسابات الشخصية، لا فرق بين رجل وامرأة، بل يجهز قانونا جديدا للمزيد من التحكم بوسائل التواصل الاجتماعي.
لكنه ينسى أنه كلما ضيق على وسيلة إعلامية معينة كلما كانت اتجه الناس لبدائل لها، فحالة الغلاء المستمرة التي يعانى منها المصريين مثلا وتدهور الخدمات العامة صحية وتعليمية وغيرها، يصنع حالة من الحوار المجتمعي الغاضبة والرافضة، سواء من خلال الحوار الشخصي أو حتى من خلال السخرية ولغة الإشارة، ليظل ابتكار الناس لوسائل جديدة للتواصل فيما بينهم مستمرا، ليتبادلوا خلالها مشاعرهم الغاضبة، من خلال نقل أنات الألم والمعاناة، أو حتى من خلال تعبيرات الوجوه العابسة المشمئزة، لتظل حالة التواصل المجتمعي مستمرة.
أضف تعليقك