بقلم: وائل قنديل
رسمياً، رد نظام عبد الفتاح السيسي على ما تسمى مبادرات تستجدي المصالحة معه بقرار إداري، نشر في الجريدة الرسمية، بإعادة إدراج أكثر من 1500 شخصية على قوائم الكيانات الإرهابية، بينهم النجم محمد أبو تريكة و 24 صحافياً وإعلامياً.
ثم استمرت الردود بإمعان في التوحش والافتراس، فيختفي أنس، ابن محمد البلتاجي، قسرياً، بعد حكم نهائي بات ببراءته، والتنكيل بالرضيعة علياء التي اعتقلوا والديها وأسرتها، والإمعان في مسلسل تصفية الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، بالحرمان من الإسعاف للأزمات القلبية والذبحات الصدرية، بالطريقة نفسها التي استخدمت في إنهاء حياة مرشد الإخوان المسلمين السابق في محبسه.
بالتزامن، تتواصل موجات السخرية في إعلام السيسي من فكرة المصالحة ومبدأها على نحو ممعن في الإهانة، إذ يستثمر إطلاق هذه الدعوات، وحوارات فانتازيا استجداء المصالحة، في إظهار المعسكر الرافض للانقلاب، وكأنهم مجموعة من الباحثين عن العفو والسماح، أو كأنهم محمود عباس يتسول من ليبرمان ونتنياهو قبول اعتذاره عما قاله عن أسباب التخلص من اليهود في الدول الأوروبية، فلا يجد إلا الازدراء والتسفيه من جنرالات الاحتلال.
كما يجدها الباعة الجائلون، المطرودون حديثاً من حواري الثلاثين من يونيو وأزقتها، فرصة ليطلوا في هيئة الديمقراطيين الحكماء الباحثين عما ينقذ الوطن، بينما أقصى ما يطمحون إليه هو وصل ما انقطع مع نظام يتفنن في إهانتهنم، بعد التخلص منهم، وإلقائهم على قارعة الطريق.
ثم يصفعونك، في الأثناء، بصورة المنتصرين على الثورة، المشير حسين طنطاوي، وابني حسني مبارك، في لقطة حميمية، يحتفلون فيها بما تحقق، ويوجهون رسالة إلى من يهمه الأمر، بأنهم يدٌ واحدة، ضد فلول ثورة يناير.
في الإجمال، لم يستفد أحد من سفسطة المصالحة سوى نظام السيسي، بينما على الجانب الآخر يتواصل النزيف، حيث تأتي هذه الدعوات محملةً بمغالطات تاريخية، واجتراءات على الحقائق، كما وقعت، وكأن الهدف كله هو التخلي عن جوهر الموضوع، وتحرير الفعل (الانقلابي) من مضمونه الإجرامي، وإدانة رد الفعل، وتجريده من أبعاده الثورية والقيمية، بالذهاب مباشرةً إلى تلك المقايضة السخيفة: المعسكر المناوئ للانقلاب في حالة ضعف فادح، وغير مهيأ، في هذه اللحظة، لابتكار آليات للمواجهة، وبالتالي عليه الإذعان والرضوخ لإملاءات النظام.
والأخطر من ذلك، هذه الجرأة على تزييف الوقائع وتطويعها للوصول إلى وضع أسس مغلوطة للمعادلة، منها ما تناولته، في مقالين سابقين، عن فرية أن الرئيس المختطف محمد مرسي كان موافقاً على طلبات صناع الانقلاب، ومنها القبول بالانتخابات الرئاسية المبكرة.
في هذه النقطة تحديداً، وبالإضافة إلى شهادتي الرئيس مرسي ورئيس وزرائه، فإن المتاح من معلومات، من مصادر موثوق بها، يؤكد أن رفض مرسي الانتخابات المبكرة كان موقفاً مبدئياً وأخلاقياً، فرضته قواعد احترام العملية الديمقراطية، وكان كذلك استناداً إلى ما قدمه المحيطون به بشأن تقدير موقف لما سيأتي به الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013. وفي ذلك تقول المعلومات إن أول من نصح الرئيس بعدم التعاطي باهتمام مع مطلب الانتخابات المبكرة، كان وزير دفاعه، عبد الفتاح السيسي، وأيضاً وزير الداخلية محمد إبراهيم، وقد كان ذلك جزءً من مخطط الخديعة والغدر الذي رسمه صناع الثورة المضادة، في الخارج والداخل.
على أنه ليس الرئيس مرسي وحده الذي خدعه وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، بل إن قوى حزبية وشخصيات سياسية، تدّعي الفطنة بأثر رجعي الآن، ابتلعت خديعة الجنرال، ونقلتها في عبوات فاخرة، كي يتجرّعها الرئيس.. ومن ذلك أن سياسيين مؤيدين للرئيس، من تيار الإسلام السياسي، التقوا قيادات المجلس الأعلى للقوات المسلحة، قبيل الانقلاب، وخرجوا في تصريحاتٍ، بعض منها منشور، وبعضها الآخر سمعته منهم شخصياً، ليعبروا عن ارتياحهم وثقتهم في أن القوات المسلحة مع شرعية الرئيس وحامية لها، وأن الثلاثين من يونيو/ حزيران سيمر برداً وسلاماً، وسيعقبه انكسار موجات الثورة المضادة، وتثبيت أركان النظام السياسي، بما يتيح انطلاق مرحلة بناء وتنمية حقيقية.
بالطبع، لا يعني ما سبق طعناً أو تخويناً لمن خُدِعوا وذهبوا يطمئنون الرئيس، وإنما هي محض محاولةٍ للإمساك بوقائع ما جرى، كما جرى، قبل أن يجرفها طوفان الحكايات المغلوطة.
أضف تعليقك