• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

وها هي إسرائيل تحضر في القاهرة بكل قوة في ظل حكم العسكر!

فالاحتفال بعيد استقلال إسرائيل يتم هذا العام في قلب قاهرة المعز، وبجوار ميدان ميدان الثورة المصرية (التحرير)، حيث فندق "الريتز كارتون"، "الهيلتون" سابقاً، والذي يطل على الميدان، في إشارة لا تخطئ العين دلالتها.. فثورة هذه أم انقلاب؟!

لا أنكر أنه عندما قامت الثورة انتابني القلق على القضايا الوطنية التاريخية التي شغلت المصريين، وفي قلب منها قضية الصراع العربي - الإسرائيلي، لا سيما وأن من تخطوا الرقاب بعد الثورة، واحتكروا الحديث باسمها، ممن لم تشغلهم مثل هذه القضايا، وكانوا زبائن دائمين على السفارة الأمريكية بالقاهرة، والتي بلغ انحيازها لمبارك حد أن سبعة عشر سيارة تابعة لها أستخدمت في سحق الثوار، وقد شاهدنا صورة لواحدة منها عبر شاشات "الجزيرة"، يومها قالت السفارة إنها سيارة "مسروقة". وتم الاكتفاء بذلك ولم يتم التحقيق في واقعة سرقتها، فمن سرقها، ليستخدمها في قتل الثوار؟ وحدث تواطؤ على تجاوز هذه الواقعة، قبل أن تؤكد لجنة تقصي الحقائق التي شكلها الرئيس محمد مرسي، أنها لم تكن سيارة واحدة بل سبعة عشر سيارة، فهل كانت كلها مسروقة؟!

لم تكد تنتهي لجنة تقصي الحقائق من عملها حتى وقع الانقلاب العسكري، وأغلق باب التحقيق في قتل الثوار، ولم يطالب "ثوار الغبراء" الذين مثلوا غطاء مدنياً للثورة المضادة؛ بالتحقيق في هذه القضية، والتي كان عدم اكتمال الأدلة فيها سبباً في براءة الجناة، وهذا ليس موضوعنا!

لقد تأكد لنا أن انتماء الثورة المصرية لقضايا هذه الأمة أصيل، فبمجرد الاعتداء الإسرائيلي على غزة، قالت الثورة كلمتها في قضية الصراع العربي- الإسرائيلي، فخرج الملايين إلى حيث تقع السفارة الإسرائيلية، ولأول مرة، فقد كان الأمن لا يمكّن المظاهرات من الوصول إلى مقرها، الذي يقع على بعد نصف كيلومتر من جامعة القاهرة، التي شهدت على مدى السنوات الماضية مظاهرات عارمة ضد اسرائيل، حيث يهتف الطلاب في كل مرة بما يؤكد أنهم يعادونها جيلا بعد جيل!

وهو العداء الذي حال دون تحقيق حلم إسرائيل في التطبيع الشعبي مع المصريين بعد معاهدة كامب ديفيد، وكان النظام الحاكم حريصاً على عدم معاداة المشاعر الوطنية بفرض التطبيع، واكتفى في المجال الرسمي بتطبيع وزارة الزراعة، في حين رفعت وزارة الثقافة شعار المقاطعة، استجابة للضمير الوطني، وكانت هذه قسمة مبارك فيما يملك، ولم يحمله الإسرائيليون فوق طاقته، مع أنه باعترافهم كنزهم الاستراتيجي!

عندما وصلت الجماهير إلى مقر السفارة، بدا عشرات الشباب في تسلق البناية - على ارتفاعها - التي تقع فيها السفارة، وتم إنزال العلم الاسرائيلي، وتفاخر أكثر من شاب بأنه صاحب أول يد امتدت لتنزل "العلم"، فالأمر يدفع للفخر، وقد نُشر بعد ذلك أن إسرائيل أصابها الهلع، وكان قرار الحاكم العسكري، المشير طنطاوي، بإرسال طائرة هليكوبتر لنقل الموظفين المحتجزين بالسفارة المحاصرة، بعد عملية الإنزال الشعبي على سطحها في يوم من أيام ثورتنا المجيدة!

وقد ألغي الوجود الاسرائيلي في القاهرة بقرار ثوري أصدرته الجماهير التي شاركت في ثورة مجيدة، وأثبت قدرتها على فرض إرادتها رغم حكم المجلس العسكري، الذي يمثل امتداداً طبيعياً لحكم الكنز الاستراتيجي لإسرائيل.

ومن يومها بت مطمئناً على خيار الثورة المصرية، فلم يكن الشباب الذي تخطى الرقاب هو من يعبر عنها، وهم من نفخت فيهم السفارة الأمريكية لتدعي وصلاً بالثورة المصرية، وتم النفخ في أحد الشباب ليكون أيقونتها، وألف كتاباً ضخماً فخماً طبعته دور النشر في أكثر من بلد من بلاد الفرنجة، ولم يكن هذا الشاب قد شارك في محطات الثورة الرئيسية، بما في ذلك يوم تنحي مبارك، فكان في حكم "شاهد ما شفش حاجة"!

وإذا كانت الثورة المصرية اتخذت قرارها بإنزال العلم الإسرائيلي الذي ظل لسنوات يرفرف في سماء القاهرة، فإن الأمر اختلف بانقلاب 3 تموز/ يوليو، وبانتصار الثورة المضادة التي أعادت حكم العسكر، ومكنت الجنرال عبد الفتاح السيسي من السلطة، والذي وجد فيه الإسرائيليون أنه أفضل من مبارك "كنزهم الاستراتيجي"، ولم يجد حرجاً في إعلان أن مهمته الحيوية هي في ضمان أمن اسرائيل، ويتعهد للرئيس الأمريكي بأنه سيكون عند حسن الظن فيما يختص بصفقة القرن، التي تمنح للفلسطينين جزءاً من سيناء لبناء دولتهم، لتكون الأرض العربية المحتلة أرضاً اسرائيلية خالصة، لا يجوز للشعب الفلسطيني أن يعمل من أجل تحريرها!

واكتمل المشهد، بالتفريط الذي تم مع سبق الإصرار والترصد في حصة مصر التاريخية من نهر النيل، وبالتوقيع على اتفاق المبادئ بدون قيد أو شرط، وعند الانتهاء من بناء سد النهضة تتدخل اسرائيل لضمان وصول جزء من هذه الحصة لمصر، مقابل وصول ماء النيل لإسرائيل؛ التي مكنت الحليف المصري من مخالفة اتفاقية السلام في الجانب الخاص بأعداد القوات المصرية في سيناء؛ لأن هذا الوجود يخدم المصالح الاسرائيلية الاستراتيجية، فتم تدمير الأنفاق، وخلاء مدينة رفح، كما تم الدخول في حرب ضد الإرهاب وقد نُشر إسرائيلياً أن تنسيقاً يجري على أعلى مستوى!

ثم كان التنازل عن تيران وصنافير، في هذا السياق، فلا يمكن لمصر ولو جاءها حاكم وطني، أن يغلق المضايق في وجه المرور الإسرائيلي كما فعل جمال عبد الناصر، واعتبر قراره إعلان حرب، فالمياه لم تعد مصرية ولكنها صارت دولية بهذا التفريط!

ومن هنا، وبلغة أهل القانون، فإن الاحتفال بعيد الاستقلال الاسرائيلي يوم الثلاثاء (8 أيار/ مايو) يأتي كاشفاً وليس منشئاً لقوة العلاقة التي تربط الجانب الاسرائيلي مع الحاكم العسكري لمصر، بل إن شئت الدقة فقل إنه تحصيل حاصل، والذي له رمزية خاصة هذه المرة!

فلأول مرة لا يكون الاحتفال في السفارة الإسرائيلية، ولكنه في أحد الفنادق الكبرى، واختيار المكان له دلالته، فليس "الريتز كارتون" مجرد فندق من الفنادق التي تقع في وسط القاهرة، ولكنه يطل على ميدان التحرير، والباب الرئيس له مفتوح على ميدان الثورة المصرية، الذي جرى تحريمه على الثوار الذين أسقطوا العلم الإسرائيلي وأغلقوا السفارة وطردوا السفير من القاهرة، والذي كان موجودا في إجازة بتل أبيت وقت حصار السفارة، والذي عاد لمصر بعد الانقلاب العسكري، الذي يقول حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، إنه ثورة ثانية هي امتداد للثورة الأولى في كانون الثاني/ يناير 2011، أو ثورة مكملة للثورة الأولى!

فها هم عادوا يا صلاح الدين! ليحتفلوا بعيد استقلالهم في قلب القاهرة، وفي أحد فنادقها المطلة على ميدان التحرير، بل لعله الفندق الوحيد المطل عليه، وعودته لم تكن عبر الحاكم المدني المنتخب، ولكن على يد الحاكم العسكري الذي يحكم بقوة السلاح وبدعم أمريكي وإسرائيلي معلوم من حكمه بالضرورة.

فثورة هذه أم انقلاب؟! 

أضف تعليقك