• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

وائل قنديل

في أسبوع واحد، وجّه نظام عبد الفتاح السيسي إهانتين للمواطن المصري. أصابت الأولى كبرياءه الوطنية، بهذا الاحتضان المشين لاحتفالية الكيان الصهيوني بمرور سبعين عاماً على ابتلاع فلسطين.. ومسّت الثانية كرامته الإنسانية، من خلال الفتك به بإجراءاتٍ اقتصاديةٍ، قفزت بثمن تذكرة مترو الأنفاق إلى أكثر من ثلاثة أضعاف قيمتها التي ترهقه أصلاً.

في الأولى، لم يكن ثمّة رد فعل، باستثناء التعبير عن بعض الغضب الإلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي، على  الإهانة التي اختاروا، عن قصد، ميدان التحرير، مكاناً لتوجيهها، بما يحمله المكان من دلالةٍ وعمقٍ في ذاكرة النضال من أجل تحرير الإنسان المصري من كل مظاهر التبعية والخضوع.

وقيل في تبرير غياب ردة الفعل إن المواطن البسيط مسحوقٌ ومطحونٌ تحت جنازير آلة قمع اجتماعي وبطش اقتصادي لا ترحم، ولا تتوانى في تنفيذ ما يطلبه صندوق النقد الدولي، والدائنون، من قراراتٍ وإجراءاتٍ اقتصادية، تقصم ظهر المجتمع المصري.

وقيل أيضاً إن الشعب لم يكن حاضراً، لأن النخب السياسية، أحزاباً وشخصيات عامة، لم تفكر في الانتقال برد الفعل من منطقة التنفيس على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أرض الواقع، فلم نسمع عن حزبٍ نظم مؤتمراً أو عقد ندوة، ودعا الجماهير إلى المشاركة في أيٍّ من أشكال الاحتجاج السلمي المنظم ضد هذه الكارثة التطبيعية غير المسبوقة في تاريخ المصريين. وبالتالي لا ملامة على من لم يلبوا دعوةً لم توجه من الأساس، لفعاليةٍ لم يفكر أحد في إقامتها من الأصل.

أما في الثانية، فقد كانت الإهانة شديدةً، وجارحة، ومفرطة في القسوة، حين باغتت السلطة جموع الكادحين في ليلة عطلة نهاية الأسبوع، برفع أسعار خدمة مترو الأنفاق التي يفيد منها أكثر من أربعة ملايين مواطن يومياً، إلى ثلاثة أضعاف ونصف الضعف لثمنها، الأمر الذي ولد حالة من الغضب المستعر في الصدور، عبر عن نفسه في صراخٍ شهدته بعض محطات المترو، في يوم السبت الماضي، وهو يوم عطلة رسمية، واجهته السلطة بفرق الأمن المركزي والشرطة العسكرية، واعتقلت عدداً غير قليلٍ من الأعداد القليلة التي أعلنت الاحتجاج.

وحين اتخذ قرار رفع الأسعار مساء الجمعة، توقع كثيرون أن تشهد القاهرة يوم أحدٍ ساخناً وحافلاً بالغضب في كل مكان، حتى أن وسائل إعلام النظام أعلنت بعد سويعاتٍ من إعلان أسعار التذاكر الجديدة عن الانتشار الأمني المكثف لقوات الجيش والشرطة في محطات المترو، تحسباً لأي أعمال غضب عنيف.

استبق نظام عبد الفتاح السيسي أحد الغضب بسبت الصراخ والهتاف المحدود، وشاهدنا بثاً مصوراً لبعض الوقفات والتجمعات المحدودة لبعض المواطنين، في يوم عطلة (السبت) تفاعلت معها وسائل الإعلام التقليدية التي يسميها الإعلام قنوات أهل الشر، ومواقع السوشيال ميديا على نحوٍ بدا مبالغاً في تقدير حجمها أحياناً.. وفي المقابل، كانت التعليمات الصارمة في إعلام السلطة بعدم تناول ما يحدث بالذكر، مع التركيز على إظهار فرحة الفئات المستثناة من الأسعار الجديدة، بما حصلت عليه من امتيازات.

الشاهد أن نظام السيسي استشعر قلقاً على الرغم من محدودية رقعة السخط والاحتجاج، إذ كان يظن أنه نجح تماماً في استئصال حاسة الغضب لدى قطاعات الشعب المصري، بسلاحي الخوف والوهم، وأظن أنه شعر بالارتياح لتفريغ شحنة الألم الجماهيري، في يوم عطلة (السبت) قبل أن تتفاعل وتفور في الصدور، فتندلع على نحو أوسع في أول أيام العمل (الأحد) بما يبدو معه أنه يقرأ كيمياء الاحتجاج وجغرافيا الغضب، أكثر من معارضيه.

يمكن الذهاب أيضاً إلى أن أحداً من القوى السياسية والثورية، باستثناءاتٍ نادرة، لم يكن على الموعد، إذ يمكن اعتبار إن لسان حال الشعب يقول: حضرت فلم أجدكم، ذلك أنه بالقياس على ما شهدته مصر قبل 41 عاماً في مظاهرات الخبز 18- 19 يناير 1977 كانت قوى المعارضة المصرية، وخصوصا المعنية بالعدل الاجتماعي، أكثر حضوراً وتماسّاً مع أوجاع الجماهير وهمومها، مع الوضع في الاعتبار أن إجراءات أنور السادات الاقتصادية، الباطشة بالفقراء والمطحونين، لم تكن بهذه الدرجة من البشاعة والتوحش، كما هو الحال مع عبد الفتاح السيسي.

غير أن ذلك كله لا ينفي أن صافرات الإنذار تدوّي في أروقة السلطة، وتعبر عنها تلك اللوثة في وسائل إعلامها التي تصر على روايتها البائسة في كل حركة جماهيرية (إخوان- 6 أبريل- خونة نكسة يناير) ذلك أنهم مرعوبون من فكرة أن هذه الأصناف من المخدرات والأوهام لم تعد تؤتي أثرها على البسطاء الذين لم تعد معدتهم قادرةً على هضم مزيد من المواد الإعلامية المسرطنة.

وهنا تبرز الحاجة إلى تشكل نخبة سياسية فاعلة ومسئولة، غير العاجزة عن قيادة حركة تعبر عن الجماهير، وتحترم أوجاعها وتستجيب لتطلعاتها.. نخبة تنشغل بالبرنامج الوطني للمواطن المصري المطحون، أكثر من انشغالها بالبرنامج النووي الإيراني.

أضف تعليقك