بقلم: وائل قنديل
لا تصلح تظاهرات المترو، وحدها، سبباً كافياً لإعادة اعتقال المحامي الشاب هيثم محمدين، أحد قيادات حركة الاشتراكيين الثوريين، بل هي غزة، وهي فلسطين، وتلك الحطّة الفلسطينية التي لا تفارق كتفيه، هي وحدها مبرّر الاعتقال.
لم يكن محمدين مشاركاً في تظاهرات المترو، فضلاً عن أن نظام عبد الفتاح السيسي نجح في قمع، وإجهاض أي احتجاجات على تغوّل السلطة على الشعب، تنفيذاً لتعليمات صندوق النقد، لكنه كان حاضراً مع الاشتراكيين الثوريين في التفاعل الثوري الحقيقي مع كفاح الشعب الفلسطيني في زحفه من أجل القدس.
بيان الحركة، تعليقاً على انتفاضة الفلسطينيين على الحدود، يوم الجمعة الماضي، كان الأكثر قوةً، والأوضح موقفاً، والأجرأ في تناول المؤامرة الرسمية المصرية على القضية الفلسطينية، حيث قال تحت عنوان "مسيرة العودة الكبرى.. الثورة باقية" ما يلي:
"والاشتركيون الثوريون، وهم يعلنون تضامنهم الكامل مع الشعب الفلسطيني حتى تحرير كامل أراضيه والعودة إلى ديارهم، يطالبون الشعب المصري بمقاطعة الكيان الصهيوني، وعدم الاستجابة لدعوات التطبييع التي ينادي بها السيسي وحليفاه السعودي والإماراتي، برعاية أمريكية، كما يدعون القوى السياسية والثورية بإحياء حملات وجبهات دعم الشعب الفلسطيني.
يا فلسطينية.. والثورة هي الأكيدة.. بالبندقية نفرض حياتنا الجديدة".
منذ وضع عبد الفتاح السيسي على كرسي الحكم في مصر، بات التضامن الحقيقي، الواضح، مع الشعب الفلسطيني أحد مسوّغات قرارات الاعتقال بحق الناشطين المعارضين. وقبل عامين، توقفت عند ملاحظة في هذا الأمر، وقلت إنها ليست مصادفةً أن "الكوفية الفلسطينية" تأتي دائما ضمن الأحراز التي تحتويها محاضر الشرطة، عند القبض على الناشطين المعارضين، من أول محمد عادل، أحد قيادات حركة السادس من أبريل، الذي قبع في سجون السيسي نحو ثلاث سنوات، والذي لم ينس كاتب محضر اعتقاله أن يبرز من بين المضبوطات الخطيرة في حوزته "كوفية فلسطينية عليها شعار حماس"، وليس انتهاء بأحد قيادات الاشتراكيين الثوريين، هيثم محمدين، والذي نادرا ما تفارقه الحطة الفلسطينية.
والشاهد أن القضية الفلسطينية بالنسبة لعبد الفتاح السيسي لا تزيد عن كونها أعمالاً احتجاجية، أو تظاهراتٍ مطلبية، ينبغي أن يبقى التعبير عنها، كما نطقها في حفله الأخير، في إطار لا يؤدي إلى إجراءات تؤدي إلى سقوط ضحايا. وفي المقابل، على الجانب الإسرائيلي أن يتفهم ردود أفعال الفلسطينيين.
هنا لا تختلف نضالات الشعب الفلسطيني من أجل تحرير أرضه، في منظور السيسي، عن تظاهرات المصريين ضد رفع سعر تذكرة المترو، كلاهما أعمال احتجاج وشغب، يكرهها السيسي، ويتوعد من يقوم بها، انطلاقاً من عقيدته التي لا تتغيّر في مناصبة كل أشكال الاعتراض العداء.
على أن هذا الاختزال، أو الابتذال السفيه، للقضية الفلسطينية، ليس حكراً على عبد الفتاح السيسي فقط، بل يشاطره الابتذال آخرون، في مقدمتهم رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الذي لا يريد أن يخرج الموضوع الفلسطيني عن نطاق التظاهر ضد سياسات إسرائيل، ليس باعتبارها عدواً، واحتلالاً غير شرعي، يقاومه شعبٌ اغتصبت أرضه، وإنما بوصفها دولةً، يسعى عباس إلى العيش في كنفها، ناسكاً في محراب التنسيق الأمني، مسفّهاً أي أفكار تتوخّى المقاومة، بكل الأشكال، بما فيها الكفاح المسلح، ضد المحتل الذي يقتل الشعب الفلسطيني بالعشرات، يومياً.
لم يجرؤ محمود عباس على تلبية دعوة لحضور قمة إسلامية في تركيا من أجل القدس، إذ لا يريد أن يخطو خطوةً تُغضب الكيان الصهيوني، أو تستفز رجلهم في قصر الاتحادية في القاهرة، فالحل الأسهل، الجاهز بالنسبة له ولهم، هو اتهام قيادة "حماس" بزجّ الشعب الفلسطيني إلى الجحيم، تلك التهمة التي جرت صياغتها بالعبرية، وترجمت إلى العربية، لتتردّد في الخطاب الصادر عن محور"عرب إسرائيل" في العواصم العربية الأربعة، التي تشن الحرب على كل أشكال المقاومة، سواء مقاومة الاحتلال، أو مقاومة الطغيان المستقوي بالاحتلال، فتشتغل ماكينة الاعتقال تحصد أفواجاً جديدة من "الخونة" المتهمين بمحبة فلسطين ومعارضة التصهين.
أضف تعليقك