بقلم: سامح راشد
إنها ليست أي دجاجة، فهي تُدخل آكلها الجنة. ليس لأنها مقدّسة، ولا لأن فيها سراً إلهياً. لكن لأنها من إنتاج شركة معينة، ما يجعلها تساعد المسلم على الارتقاء بروحه وأداء الصلاة. هذا مضمون ما قاله عمرو خالد في إعلان تليفزيوني اعتذر عنه لاحقاً. بعد أن أثار غضباً واسعاً، وتعليقات لاذعة، تراوحت بين السخرية والاستهجان، إلى حد دفع خالد والشركة المنتجة إلى وقف بث الإعلان. تصرّف خالد مبتذل ونفعي بامتياز، ويتناقض جذرياً مع دوره داعية ومكانته شخصية عامة. لكنها ليست السقطة الأولى للرجل، فتاريخه في العمل العام مليء بالتحولات وعلامات الاستفهام. من لعب الكرة ضمن ناشئي النادي الأهلي، إلى دراسة التجارة والعمل في مجال المحاسبة، مرؤوساً، ثم صاحب شركة محاسبة خاصة به، وتلقيه في تلك الفترة دراسات في معهد الدراسات الإسلامية، وهو مؤسسة رسمية تقدم خدمة التعليم الديني بعد الجامعي لغير المتخصّصين، ولا يقارن بالتعليم الأزهري الجامعي أو حتى قبل الجامعي، إلا أن خالد انطلق منه إلى الدعوة، وكان جمهوره من شباب الطبقات الاجتماعية الراقية. وبعد أن حقق شعبية كبيرة، جرى التضييق عليه أمنياً، واضطر إلى الخروج من مصر مراتٍ لفترات متفاوتة. لم يكن دوره الدعوي في تلك المرحلة يقلق السلطة في مصر لأن أفكاره متطرفة، أو يدعو إلى التمرّد على الحاكم، فهو لم يقترب من هذه المنطقة قط، وإنما كانت أزماته المتكرّرة مع السلطة في مصر بسبب أنه يجمع حوله أعداداً غفيرة من الشباب، ولم يكن هذا مقبولاً، لا معه ولا مع غيره، ما لم يكن صاحب هذه الشعبية تحت السيطرة.
في السنوات القليلة الماضية، لم يتعرّض عمرو خالد إلى الإبعاد من مصر، ولم يواجه تضييقات أمنية، كما كان يحدث في عهد حسني مبارك. بالتوازي مع ذلك التحول في التعامل الرسمي معه، طرأ تحول موازٍ في خطابه ومواقفه من السلطة والتطورات السياسية، فبدا أكثر اقتراباً من السياسة الرسمية، وانضم إلى قافلة الشيوخ والدعاة الموالين في تبرير الممارسات السلطوية وتكييفها دينياً.
ليست مواقف عمرو خالد السياسية مشكلته الوحيدة، ولا تماهيه داعيةً مع السياسة الرسمية بعد 3 يوليو 2013. فقبل ذلك التحول بسنوات، كانت لشيوخ ودعاة كثيرين انتقادات قاسية لعمرو خالد، اتهموه فيها بذكر معلومات تاريخية ودينية خاطئة، وإصدار فتاوى بغير علم، وهو أصلاً غير أهل للفتوى.
ويظل الجانب الأكثر خطورة في عمرو خالد، الشخص والدور، هو المتعلق برؤيته الحياتية للإسلام وأفكاره عن العلاقة بين الدين والحياة. فمنذ ظهوره، يخاطب عقول متابعيه وغرائزهم، من باب الضرورات والاحتياجات الدنيوية. وهو مدخل مقبول للدعوة إلى الالتزام والاقتراب من التدين، إلا أن منهج خالد لم يكن التقرّب إلى الدين بالدنيا، وإنما تقريب الدين من الدنيا. أي تطويع تعاليم الدين ومبادئه التي يُفترض تطبيقها سلوكياً بشكل معاصر. بما يتوافق مع متطلبات العصر والقيم الغالبة على المجتمعات حالياً، حتى وإن أدى ذلك إلى تفريغ تعاليم الدين أو مبادئه من جوهرها. فهو لا يتحدث عما يجب أن يكون دنيوياً بموجب تعاليم الإسلام وأحكامه، وإنما يركز دائماً على المرونة والرحابة التي يتسم بها الإسلام في تقبل أمور الدنيا ومتطلباتها. من دون وقوفٍ عند حد أو استدراك أن ثمّة خطوطا حمراء وثوابت الالتزام بها من صميم الدين.
هذه هي خطيئة عمرو خالد الحقيقية، وهي عظيمة بما يكفي لأن تتصاغر أمامها كل أخطائه وعثراته الأخرى. ولا أدري إن كان يرتكب خطاياه بإدراك وتعمّد، أم عن حسن نية وجهل. لكن المؤكد أن النتائج كارثيةٌ على عقل وتوجهات جيل كامل من الشباب، تأثر معظمه بكلامه السهل وأدائه المؤثر.
ولذلك، توظيفه الدين في ترويج دجاجة تأخذ آكلها إلى الجنة أمر سيئ، لكنه خطر مكشوف وخطأ ساذج. أما استدراج مريديه حديثي العهد بالالتزام الديني إلى الانغماس في الدنيا بملذاتها والتهاون في الذنوب والمعاصي، بحجة وسطية الدين وسماحته، فذلك هو الخطر الخفي والخطيئة الكبرى.
أضف تعليقك