• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

«23000» قطعة أثرية مصرية مهربة تم ضبطها فى حاوية ضخمة فى أحد الموانئ الإيطالية، خرجت من ميناء الإسكندرية كشحنة دبلوماسية. وقد ضجت صحافة الغرب بتلك الحادثة، فى حين لم تشر إليها وسيلة إعلامية محلية واحدة، باستثناء بيان للمتحدث باسم الخارجية الذى أتى بيانه على طريقة عابر سبيل يستفسر عن سبب «خناقة» صادفها فى الشارع؛ ولا يدرى عن أطرافها شيئًا. وهذا –بالطبع- استخفاف ورعونة.

ولو أن الشحنة قام بها لصوص أو (مافيا) آثار فلماذا خرجت فى هيئة دبلوماسية؟ ولماذا ختمت بأختام الجهات الأمنية الرسمية؟ وهل تصدق أن «حرامى» أو عصابة يستطيع إخراج هذا العدد الضخم «23000 قطعة» دفعة واحدة؟ وهى -بالمناسبة- قطع أثرية، أى الواحدة منها تمثل تهمة؟

العقل يقول إن هذه صفقة رسمية، برعاية حكومية مثل باقى الصفقات التى تمت من خلف ظهر الشعب وتتعلق ببيع أرض الوطن، وغازه، ومائه. والآثار ليست أقل قيمة مما تم بيعه أو تم التنازل عنه، والغرض ليس ماديًا فقط -وإن كانت المادة مهمة لهذا النظام لستر عجزه وكبح فشله -بل الهدف تزوير التاريخ، وتغيير الهوية، وتوجيه دراسات الحفريات وجهة تساند الأكاذيب والادعاءات الصهيونية والغربية، على المستويين الدينى والتاريخى..

إن من باع الجزر، ومن باع الماء لغرض صهيونى، هو نفسه من باع تلك الآثار إلى الغرب لاستكمال خطة محو مصر من الخريطة، وإفساح المجال لتدشين (إسرائيل الكبرى)، فإذا قامت تلك الدولة التوراتية كان كل شىء قد هيئ لها: الأرض، البشر، وحتى التاريخ (ومنه الآثار) فلا يدعى مدع أن لديه حفرية تثبت عدم أحقيتهم فى أرضنا؛ فقد صارت الحفائر واللوحات وكل شىء أثرى مهم فى حوزة أصحاب الأرض الجدد.

ولقد فتحت هذه الشحنة المجال أمام الحديث عن صفقات أخرى لا تُحصى تمت بنجاح، وإن الحظ السيئ هو الذى كشف هذه الشحنة، وهناك من يؤكد أن سفارتنا فى إيطاليا هى من يقوم رجالها باستقبال هذه الشحنات وتخزينها، وأن لغطًا دار فى عام 2012 حول هذه الخيانة.

وكان وزير الثقافة فى حكومة د. هشام قنديل قد بدأ فى فتح الملف والتحقيق فيما أثير لولا أن وقع الانقلاب وتبدلت الأحوال. ولا نستغرب من ذلك فإن الغرب أقام متاحف كاملة من الآثار المصرية وصلت لحد أن بعض القطع يزيد وزنها على عشرة أطنان. فكيف خرجت هذه القطع ومن الذى تولى إخراجها؟

قد يتعجب البعض مما أقول، لكن -للأسف- هذه هى الحقيقة المرة؛ فإن المستخربين الغربيين منذ وطئوا أرضنا بداية من الحروب الصليبية، مرورًا بحملة نابليون ثم الاحتلال الغربى الذى طال غالبية الدول العربية وامتد لعقود -كانوا يحملون معهم خبراء فى التنقيب وفى التاريخ.

وكانت أعينهم مصوبة نحو المواقع الأثرية؛ فإذا كان الجندى الإنجليزى فى مصر -مثلاً- يحمل سلاحًا يحتل به الأرض ويقتل به المقاومين؛ فإن زميله الأثرى يحمل أزميله ليستخرج كنوز الوطن لعرضها فى متاحف بلده، أو لبيعها بمبالغ خيالية، والأهم: أنه يعيد كتابة التاريخ حسب مصالحه. وقد رصد أثريون وطنيون مخاطر تلك البعثات فى أنها نجحت بالفعل فى إحياء الوثنية وتعظيمها فى بلاد المسلمين؛ بإعلاء شأن الفراعنة فى مصر على سبيل المثال، وقد حاولت هذه البعثات -بشتى الطرق- الحط من قيمة الحضارة الإسلامية وتاريخها المجيد.

ولما دخلت القوات الأمريكية بغداد فى عام 2003 أول شىء فعلته كان اقتحام المتحف العراقى الوطنى؛ حيث فتحت أبوابه للسلب والنهب على مرأى ومسمع منها، ثم حمل الجنود ما خف وزنه وغلا ثمنه، وقاموا بتهشيم ما تبقى. لماذا فعلوا ذلك؟ لما ذكرناه من الرغبة فى تدمير تاريخ البلد المحتل كما دمروا جغرافيته، وإظهاره كأنه بلد بلا ماض. وكما فعلوا فى المتحف الكبير الذى تبخرت منه (15000) قطعة فى ساعات، فعلوا مثله فى باقى المواقع الأثرية، فأقاموا عليها القواعد العسكرية، وقاموا بنبش وسرقة ما استطاعوا من كنوز، وأخرجوا ملايين القطع خارج البلاد حتى قيل إنه تم تدمير 300 ألف متر من تلك المواقع، وأن الأثر العالمى وأحد العجائب (الجناين المعلقة) أقاموا عليه مهبطًا للطائرات، وكذلك مدينة (أور) الأثرية والتى كان فيها مولد نبى الله إبراهيم -عليه السلام.

نقول: يجب ألا يقف خبر هذه الجريمة عند من يقرؤها، بل لا بد من إيصالها إلى كل المصريين، ذلك أن الأمر جاوز الحد، ولم تعد الخيانة تستتر. سوف يقولون للناس إنها من أعمال عصابات، وقد يقدم بعض الدبلوماسيين كبش فداء، لنرد: هذه كلها أكاذيب وتدليسات، والحقيقة أن تلك جريمة خيانة عظمى مثل جرائم أخرى ارتكبت على مدى الخمس سنوات الماضية.

 

أضف تعليقك