لا أعرف لماذا قامت الأجهزة الأمنية في عهد مبارك بترحيل الداعية اليمني "الحبيب على الجفري" من القاهرة؟!، وإن كنت أعرف سر حفاوة قائد الانقلاب العسكري به الآن!
طرد "الجفري" جاء في وقت حملت فيه الأجهزة الأمنية "عمرو خالد" على مغادرة البلاد، ويقال لأنه تجاوز خطوط الشهرة المحددة سلفاً، ومهما يكن فقد كانت دولة مبارك قد ضاق صدرها بالجميع، حتى أولئك الذين لا يمثلون خطراً عليها، لانها كانت تخاف من أي حضور جماهيري ولو في الأسواق والموالد، لدرجة أن الفزع انتابها من الطرق الصوفية، فاستغلت "انفلونزا الخنازير" لمنع الموالد والتجمعات الدينية لهذه الطرق. لدى شكوك حول "انفلونزا الطيور" ومن بعدها "انفلونزا الخنازير"!
ولو طال بنظام مبارك الأمد، لدخل في معركة تكسير العظام ضد الصوفية، لأنه نظام كان يحكم بالأجهزة الأمنية، وهذه الأجهزة تعتبر أي حشد جماهيري ولو لأكل الفتة إنما يمثل خطرا محتملاً على النظام الحاكم، فانتقلت بسياستها مع الأحزاب إلى مشيخة الطرق، فأحدثت نزاعاً على رئاستها، مع أن الصوفيين "دراويش" لا تعنيهم السلطة، ولا يتكلموا في السياسة إلا على قاعدة سننتخب الرئيس مبارك. وعقب الثورة أراد شيخ الطريقة العزمية، علاء أبو العزايم، أن يستدعي القوم ليثبت حضوراً في مواجهة الإخوان والسلفيين، فظهر ميدان التحرير خالياً إلا من "مجذوب" يرفع علم الطرق الصوفية ويَطَّوَّفُ بالميدان!
وإذا كان أهل التصوف، الذين يمثلون "التدين الآمن" لأي حاكم باتوا يزعجوا الأجهزة الأمنية مع ذلك، حد إلغاء الموالد وحفلات الذكر، فإن من الطبيعي أن يروا في درويش كبير كالحبيب الجفري خطراً وعليه يصبح من الطبيعي أن يأمروه بالانصراف!
عندما أجبر "الجفري" على مغادرة مصر، كتبت أندد بهذا القرار، ولست نادماً على شئ من هذا الآن، لأنني كنت أعبر عن قناعاتي فلم يرتكب جريمة تستدعي حمله على المغادرة، وقد أعادته الثورة، ليستغله الانقلاب العسكري كواحد من أذرعه الدينية، وذلك لتنفيذ أهدافه!
منذ أسبوع كان "الجفري" على قناة "دي إم سي"، المعروفة بقناة المخابرات، وظهر الهدف واضحاً من هذه الاستضافة فقد جاء ليشارك في عملية تمييع قرارات المقاطعة ورفض التطبيع، فدعا شيخ الأزهر والبابا لحض الناس على زيارة المسجد الأقصى، ومن أي منفذ عربي لا يحتاج لتأشيرة اسرائيلية. فأين هذا المنفذ للمسجد الذي لا يخضع لسيطرة الجانب الإسرائيلي؟ هنا ندخل على المرحلة الثانية!
فالآن يجري التعامل على أنه لابد من زيارة الأقصى وكأن زيارته تمثل انتصاراً ضد الانتهاكات الاسرائيلية، في وقت لا تسمح فيه السعودية لمواطني دولة مسلمة والمقيمين عليها من أداء فريضة الحج وزيارة المسجد الحرام، ولا ينطق الشيخ!
اللافت أن النظام الذي يعيش "الجفري" في كنفه، لم يغضبه القرار الإسرائيلي باغلاق المسجد الأقصى بـ"الضبة والمفتاح"، ومن اللافت أيضاً أن كل الأنظمة التي تدعو إلى ضرورة زيارة المسجد الأقصى، هى راعية للمصالح الإسرائيلية في المنطقة، لكن الدعوة للزيارة تستخدم هنا لحاجة في نفس يعقوب، وكأن نصرة المسجد ومدينة القدس لا يكون إلا بالزيارة، ومن الواضح أن هناك محاولة لتجاوز المقاطعة، فترتفع هذه الدعاوى فيتحدث الجفري عن ضرورة زيارة المسجد الأقصى، ويتحدث الساسة عن نصرة القدس بزيارتها.
ولعل هذا ما يفسر سر الزيارة المفاجئة للمفتى السابق "علي جمعة" الذي فوجئ به الرأى العام يصلي في المسجد الأقصى، إبان حكم المجلس العسكري، ولا يمكن لشخص مثله أن يقدم على هذه الخطوة من تلقاء نفسه، هذا فضلاً عن أن "جمعة" لم يضبط متلبساً يوماً بالدفاع عن المسجد والمدينة، لأنه صوفي ومن علماء السلطة، وهو في الأولى والآخرة ينظر للأمر على أنه سياسي، وليس دينياً!
خطط ضرب المقاطعة بحجة زيارة الأقصى بدأت على أيدي العسكر، وبدأها "علي جمعة"، وتأتي دعوة "حبيب الجفري" في هذا السياق، وباستدعاء عسكري لا تخطئ العين دلالته!
وعندما يتم تمييع الأمر، يكون الجواب الثاني وما هو الخطر من وجود التأشيرة الاسرائيلية على جواز السفر!
إنها دعوة خبيثة، وما خبث لا يخرج إلا نكدا.
أضف تعليقك