بقلم: ماهر أبوطير
كل يوم اقتحام جديد، للمسجد الأقصى، والمسجد لم يعد يثير اهتمام أحد، ولو أجرينا تحليلا رقميا، لعدد التغطيات والمقالات، في كل وسائل الإعلام، بما فيها الإلكترونية، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، لاكتشفنا بكل بساطة أن المسجد لم يعد يثير اهتماما كبيرا.
هذا الكلام ليس على محمل الاتهام لأحد، لكن السؤال حول سبب هذا الخدر الذي نراه، سؤال مهم، والكل سيدلي بدلوه، من باب أن العرب والمسلمين، تم إنهاكهم، وتعبوا لاعتبارات كثيرة، ووصل بهم اليأس درجة عالية، إلى آخر هذه التفسيرات التي تريد تبرير حالة النوم العميق عند الكل، بما في ذلك النخب السياسية والإعلامية والبرلمانية والحزبية والنقابية في العالم العربي، التي عليها دور بالغ الأهمية، في تذكير الجمهور بشأن واجباته، أو على الأقل تذكيره بما يجري حواليه.
هذه الاقتحامات التي تجري يوميا، بحماية الاحتلال الإسرائيلي، ليست مجرد اقتحامات، لغايات التحرش السياسي، أو لغايات أداء طقوس يهودية، والانصراف بعد ذلك، إذ إن الاقتحامات حلقة من عملية سياسية، مرتبطة بتغيير هوية الحرم القدسي، وتهويده، سواء عبر تقاسمه زمانيا، أو جغرافيا، أو هدمه كليا، أو جزئيا، والطقوس الدينية التي نراها، لها وظيفة سياسية، سوف تتضح معالمها عما قريب.
هذا الكلام قيل مرارا، غير أن لا أحد يسمع، وكل ردود الفعل تنحصر ببيانات الشجب والتنديد، والأمر ذاته نرى بعض حلقاته فيما يجري في فلسطين، بعد أن تم تقسيم فلسطين إلى أربعة أقسام، القدس، ثم الضفة الغربية، ثم غزة، ثم فلسطين ثمانية وأربعين، وعزل كل مجموع فلسطيني في هذه الكينونات بطريقة مختلفة، ما بين حصار الغزيين، أو أسرلة فلسطينيي 48 على ما فيهم من جهد وطني عظيم، لا يراه أحد، أو تطهير الضفة الغربية أمنيا، وتحويلها إلى ضفة وادعة، أو حصر المقدسيين في إطار المخاوف على الهوية المقدسية، واحتمالات سحبها في أي لحظة.
بهذه الطريقة، قسمت إسرائيل الفلسطينيين، وأضعفت السوار الاجتماعي المحيط بالمسجد الأقصى، وهو سوار يتم تكسيره يوميا، في القدس حصرا، بالضرائب والملاحقات وهدم البيوت والغرامات والبطالة، والتلويح ببطاقات الإقامة المقدسية، بل وإغراءات الجواز الإسرائيلي في حالات كثيرة، والغاية النهائية، جعل المسجد الأقصى بلا سوار حماية، لكننا نقر أيضا، أننا نرى فعلا جماهيريا من نوع خاص، ورأيناه عند إغلاق المسجد الأقصى، ومنع الصلاة فيه، حتى لا ننكر على الناس فضلهم، برغم ما فيهم، من إنهاك وإرهاق وتعب، وصل حدا لا يمكن وصفه بعد سبعين عاما من الاحتلال.
من السذاجة التي نراها ذلك التنديد باقتحامات الإسرائيليين، لأنها تجري في رمضان وكأن حرمة رمضان أحد معايير السياسات الأمنية الإسرائيلية التي تراعي فيها حرمة رمضان، وبالمناسبة فإن شهر رمضان، شهد تاريخيا أبشع عمليات قصف إسرائيلية، على غزة وعلى مواقع عدة، بل إن الاحتلال يستمتع بإهانة المسلمين في رمضان، حصرا، ليقول لهم، أنْ لا شيء مهم عنده سوى أمنه، سواء كنا في رمضان، أو غير رمضان، وعلى هذا فإن المبدأ ينحصر فقط بالذي يعنيه اقتحام الحرم القدسي، وهو اقتحام بات يوميا، وباتت كل الحكاية تنحصر في عدد المقتحمين، وكم أمضوا من الوقت داخل الحرم القدسي.
يقال كل هذا الكلام، ليس إبراء للذمة، ولكن لنسأل كل الغائبين عما يجري في المسجد الأقصى، وأين تبددت طاقاتهم، وأرواحهم، وهل حالة اليأس التي نواجهها، تمنحهم عذرا مخففا، أم إنها توجب ردة فعل معاكسة، حتى يفهم الاحتلال أن الحرم القدسي، ليس له، ولن يكون له.
أضف تعليقك