بقلم: سليم عزوز
قالها مستشار الديوان الأميري السعودي "تركي آل الشيخ": "أنا مش جوال رز"، فكان كمن أخفى في نفسه ما الله مبديه، فهل تعامل معه رئيس مجلس إدارة النادي الأهلd "محمود الخطيب" على أنه فعلا "جوال رز"؟!
من العبث النظر إلى المذكور النظرة التقليدية للثري الخليجي، الذي يدخل إلى ملهى ليلي، فيبدر الأموال كما يبدر الحب على الموجودين، وهي نظرة لها ظل من الحقيقة. وفي أحد خطبه يحكي الشيخ عبد الحميد كشك قصة الثري العربي المنشورة في إحدى الصحف في ذلك الوقت، وكيف وقف في أحد شوارع العاصمة البريطانية يبدر الإسترليني، وعندما سئل في ذلك، قال إنني أحب أن أرى الإنجليز وهم يثنون ظهورهم على الأرض، ليأخذوا ما يبدره. "خيبك الله"، والدعاء للشيخ الراحل.
إنه مال أهل الحكم، الذين يسعون للهيمنة على مصر من هنا، وعلى أساس أن أقصر طريق للوصول إلى قلوب المصريين هو كرة القدم ودعم فريق بحجم النادي الأهلي
بيد أن هذا السفه، الذي صاحب عملية الثراء الخليجي المفاجئ ليس قائماً الآن، ومن هنا لا يمكن الاعتقاد أن مبلغ الـ(260) مليون جنيه التي تبرع به "تركي آل الشيخ" للنادي الأهلي المصري، يمكن أن يدخل من هذا الباب، وأنه تبرع كريم من شخص يحب النادي، وارتبط بالخطيب منذ أن كان جن الملاعب، وتهتف الجماهير باسمه: "بيبو.. بيبو". فما هي ثروة المذكور حتى يتبرع بهذا الرقم الكبير، ولا يقدم أحد من أهل بيته على رفع دعوى حجر عليه أمام المحاكم السعودية!
إنه مال أهل الحكم، الذين يسعون للهيمنة على مصر من هنا، وعلى أساس أن أقصر طريق للوصول إلى قلوب المصريين هو كرة القدم ودعم فريق بحجم النادي الأهلي، لا سيما وأن هذا يأتي متزامناً مع الإعلان عن إطلاق قناة تلفزيونية تبث من مصر، وتخاطب المصريين، وبمذيعين مصريين، وبتمويل سعودي!
في كتابه "مذكرات بعثي سابق"، يروي "سليمان فرحات" أنه عندما كان مسؤولاً عن إذاعة تبث من العراق ومخصصة للمصريين ("مصر العربية"، وربما "مصر العروبة")، لم يعجبه أن يدخل الكاتب المصري الراحل "محمود السعدني" من الشارع إلى الأستوديو، ليقدم فقرته اليومية، دون المرور على مكتب "مدير الإذاعة" - في رسالة لا تخطئ العين دلالتها - فتربص به، وذات يوم كانت مباراة للأهلي مع الزمالك، وجاءت فقرة السعدني تأييداً للأهلي وتقريعاً في الزمالك، فنقل "فرحات" للمسؤولين العراقيين أن هذه الفقرة كفيلة بأن يخسر العراق نصف الشعب المصري، الذي هو نصفه "أهلاوي" والنصف الآخر "زملكاوي". وارتج على القوم؛ لأنهم كانوا يخططون لكسب ولاء المصريين وضمهم لـ"البعث"، واعتبروا أن هذا كافياً لكي يراجع صاحبنا كلمة "السعدني" قبل قراءتها في الأستوديو، لكن "السعدني" لم يعد مرة أخرى للإذاعة، ومن المؤكد أنه رفض الاقتراح تماما!
ربما فطن أهل الحكم في المملكة العربية السعودية إلى هذه "القسمة"، فالمصريون ما بين "الأهلي" و"الزمالك"، فكان المخطط تمويل نادي الزمالك أيضا، لكن جماهيره رفضت هذا
وربما فطن أهل الحكم في المملكة العربية السعودية إلى هذه "القسمة"، فالمصريون ما بين "الأهلي" و"الزمالك"، فكان المخطط تمويل نادي الزمالك أيضا، لكن جماهيره رفضت هذا، مما كان سبباً في اعتذار "آل الشيخ" عن قبول الرئاسة الشرفية للنادي، واستمر في موقعه بالنادي الأهلي، وهو نادي الأغلبية، لمن لا يعلم، فليس صحيحا ما أوحى به "البعثي السابق" من أن نصف المصريين مع هذا الفريق والنصف الآخر يشجع الزمالك!
"آل الشيخ" ليس أكثر من مندوب للباب العالي، الذي انتقل من الأستانة إلى الرياض، وصارت العملة المعتمدة هي "الرز"، فلما "ديس" على الجرح هتف بصوت جهير: "لست جوال رز"، إذن فمن تكون؟ الكابتن "شطة"؟!
"الرز" اصطلاح شائع، منذ أن استخدمه السيسي وسكرتيره "عباس كامل" في التعامل مع المال الخليجي، كما نقلته التسريبات، والتي كشفت نظرة الازدراء التي تحكمهما عند النظر إلى القوم في السعودية والإمارات، فليسوا أكثر من "أجولة رز"، ومن هنا يستمدون قيمتهم لدى مندوبهم في القاهرة، وكان ينبغي قطع العلاقات به، لكن بعد أيام من إذاعة هذه التسريبات، كان السيسي في الرياض وفي يده "عباس كامل". فيبدو أن أهل الحكم في السعودية وأبو ظبي ليس لديهم استعداد لأن يضحوا بالسيسي، وهو مجال استثمارهم الحيوي، فيخسرون ما دفعوه، دون أن يحققوا ما يريدون!
لقد بدا أن الأمور بين "تركي آل الشيخ" و"محمود الخطيب" على ما يرام، حتى كانت المفاجأة في بيان اعتذاره عن الرئاسة الشرفية للنادي الأهلي، ثم استمرت الحرب من طرف واحد، فتركي هو من يهاجم "الخطيب"، والآخر لا ينطق ببنت شفة، وهو انقلاب حارت البرية في فهم أسبابه!
هل كان "الخطيب" ينتوي من دعوته لمجلس إدارة النادي الأهلي ليلتها للانعقاد، الاستجابة لضغوط جماهير النادي، وإقالة "آل الشيخ"، فبادر هو بالاستقالة، ليكون مستقيلاً وليس مقالاً بعد أزمة المدرب، الذي ضن به على النادي الأهلي لصالح النادي السعودي؟!
الأزمة أكبر من "الخطيب" ومن "تركي آل الشيخ"، فليس "الخطيب" من يضحى بعلاقته بـ "جوال رز"، بحسب "آل الشيخ" نفسه؛ لأن هناك ضغوطاً من الجماهير
يعزز هذا الاتجاه، الهجوم المتواصل لتركي آل الشيخ على "الخطيب"، ولم يتوقف عن التصعيد، فهل عامله "الخطيب" بتعال رغم الدعم الذي قدمه له فجرح كبريائه، وجعله يعتقد أن رئيس النادي الأهلى لا ينظر إليه إلا على أنه مجرد "جوال رز"؟ والذين يعرفون "الخطيب" يعرفون عنه التعالي بنجوميته على من يمولونه، فيعتبر أن هذا ليس منة منهم ولكنه شرف لهم؟!
في تقديري أن الأزمة أكبر من "الخطيب" ومن "تركي آل الشيخ"، فليس "الخطيب" من يضحى بعلاقته بـ "جوال رز"، بحسب "آل الشيخ" نفسه؛ لأن هناك ضغوطاً من الجماهير، فقد ضغطت عليه في السابق، واستمر في هذه العلاقة، لا يألو على شيء!
خذ ما سأقوله حالاً وأرميه في البحر!
في حواره مع مجلة "الرجل" السعودية، تكلم السيسي عما وصفه بمحاولات الفتنة والإيقاع بين مصر والسعودية، وقرر أنها لن تنجح، وكرر: "لا أعتقد أن أي محاولة للإساءة ستفلح"!
وقد وصف علاقته بالسعودية والملك سلمان بـ"الطيبة جداً"، وأن "التفاهم محترم جدا"، ومرة أخرى يعود إلى الحديث عمن يقومون بالفتنة والوقيعة، ويؤكد "لن يستطيع أحد أن يبث فرقة أو يؤثر على التفاهم بين المملكة وبين مصر"!
وهل الأزمة في حجم التبرعات السعودية للنادي الأهلى، أو للخطيب على وجه التحديد، وهناك كائن واحد هو من يحتكر مجال الحصول على المساعدات في مصر؟
فما الذي حدث يجعله يتكلم بهذا الشكل؟.. إلا أن يكون قد جرى تصدع في العلاقة، وأنه تم ترميمها. وتأتي هذه المقابلة لمجلة "الرجل" السعودية في هذا السياق، وكاشفة عن المياه عادت إلى مجاريها، وهنا تبدو أزمة النادي الأهلي مع "آل الشيخ" هي في الحقيقة أزمة أهل الحكم في القاهرة والرياض، وعندما تتصارع الفيلة يتصدع العشب!
وهل الأزمة في حجم التبرعات السعودية للنادي الأهلى، أو للخطيب على وجه التحديد، وهناك كائن واحد هو من يحتكر مجال الحصول على المساعدات في مصر، فكيف يسكت على دخول (260) مليون جنيه عداً ونقداً إلى ميزانية النادي الأهلي أو إلى جيب "الخطيب"؟.. ولا فرق عند السيسي ما دامت هذه الأموال لم تصل إليه هو، وقد تكون المحطة الفضائية السعودية المزمع إطلاقها من القاهرة جزءاً من الأزمة، ليس لأن قائد الانقلاب العسكري يقلقه أن تسيطر السعودية على المجال الإعلامي، ولكن أن يتم المشروع في التأسيس بعيداً عنه ومن المقدر أن يتم رصد المليارات له.
خذه هذه!
كانت العلاقة التي تربط مبارك بجماعة الحكم في السعودية، قوية للغاية، لدرجة أنه كان يعامل على أنه واحد من أبناء عبد العزيز آل سعود، لكن حدث ما عكر صفو العلاقة لبعض الوقت!
لقد طالع الرئيس مبارك ذات صباح جريدة "الأهرام"، وقد جاء عنوانها الرئيس "المانشيت" المتمدد على ثمانية أعمدة، حول البدء في بناء الجسر الذي يربط السعودية بمصر عن طريق البحر الأحمر. واعتمد الخبر على مصادر سعودية، وكان من الواضح أن الجسر كفكرة جرى الاتفاق عليه بين الجانبين: المصري والسعودي، والأمر مفروغ منه، أو هكذا بدا لرئيس تحرير جريدة "الأهرام"، الذي تلقى اتصالا هاتفياً من الرئيس، وكان غاضباً للغاية؛ لأنه لم يتواصل مع السلطة في مصر، واتهمه في وطنيته. وكان هذا الصحفي من المقربين من الدوائر السعودية!
لقد بدا رئيس تحرير "الأهرام" وكأنه لا يفهم ما يجري، فالعلاقة بين السعودية ومصر كالسمن على العسل، فما هو الجديد الذي يجعل في علاقته بالمملكة انتقاصاً من وطنيته وتشكيكا في ولائه للقيادة السياسية في بلاده؟!
اتصال هاتفي من جانب الرئيس المصري الغاضب بالملك السعودي نقل للصحفيين المقربين من الدوائر السعودية؛ فسّر الأمر!
سأل مبارك الملك عن هذا الإعلان من طرف واحد، ورد الملك أنه سبق لهم مناقشة الموضوع واتفقا، والتنفيذ تحصيل حاصل.
وقال مبارك: إن مصر لا تملك الآن ما يمكنها من دفع حصتها. ورد الملك السعودي أن هذا مفروغ منه، فالسعودية هي التي ستتحمل كامل "التكلفة"!
وهنا طلب مبارك من الملك أن يرسل هذه "التكلفة" لكي تتولى شركة "المقاولون العرب" المصرية عملية البناء، لكن العاهل السعودي رد بأنهم سيوكلون بالمهمة لشركة "إعمار"!
ووضع مبارك "العقدة في المنشار" ليكشف عن سر غضبه: فإما أن تقوم بذلك "المقاولون العرب" وإما لا جسر!
وهكذا توقف الحديث عن بناء الجسر بعد هذا الإعلان، رغم الاستفادة المصرية منه ، لكن ما شغل مبارك هو "العمولة" وأن يتم البناء من خلاله!
تبدو الأزمة بين "آل الشيخ" و"الخطيب"، تعبيراً عن التصدع في العلاقة بين السيسي وسلمان من ناحية، ويبدو الاستمرار فيها تعبيراً عما جرى من ترميم لهذا التصدع من ناحية أخرى
وبعيداً عن هذا، فتبدو الأزمة بين "آل الشيخ" و"الخطيب"، تعبيراً عن التصدع في العلاقة بين السيسي وسلمان من ناحية، ويبدو الاستمرار فيها تعبيراً عما جرى من ترميم لهذا التصدع من ناحية أخرى، لا سيما ما تبعها من تداعيات، ليس أهمها استمرار "تركي آل الشيخ" في "جر شكل" النادي الأهلي، قيادة وجماهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن في تقديم بلاغ للنائب العام، يتهم فيه رئاسة النادي في توجيه الأموال لغير أوجه الصرف التي قررها صاحب الوقف!
وليس لدينا ما يؤكد أن "آل الشيخ" لديه ما يفيد بتقديم هذه الأموال للأهلي، مما يجعله يخضع للعبارة المأثورة: "القانون لا يحمي المغفلين"، ثم أنه لم يوقع اتفاقاً رسميا مع النادي حول أوجه الإنفاق لهذا المبلغ الضخم (260) مليون جنيه!
بالقانون، فإن "الخطيب" و"تركي آل الشيخ" ينبغي أن يشرّفا في زنزانة واحدة، والقانون المصري حساس للغاية في عملية تلقي أموال من أي جهة أجنبية، لكن من الواضح أنه بلاغ ابتزاز يستهدف رد الأموال، لتعود للشخص الوحيد المخول بتلقي المساعدات، ما ظهر منها وما بطن، أو حمل "الخطيب" على قطع الطريق وتقديمها لصندوق "تحيا مصر"، وليعلم بهذا أنه ليس مخولاً له أن يتلقى أموالاً من أي جهة أو فرد، فقد ولى هذا الزمن، الذي كان فيه من يحكمون مصر يؤمنون بالحكمة المعروفة: "من يأكل لوحده يزور"!
من المستحيل أن يذهب "تركي آل الشيخ" إلى القضاء من تلقاء نفسه، فهو مسير لا مخير، ولأنه يعمل عند "محمد بن سلمان"، وليس هو "جوال الرز"!
إنه تنازع على "الرز" بين "الخطيب" و"السيسي".. وسيهزم الأول حتماً.
ودعك من عبث الأطفال من فريق "المزرعة السعيدة"!
أضف تعليقك