كتب وائل قنديل :
بعد عام من الثلاثين من يونيو في مصر، خرج بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني، معلنًا في أغسطس 2014، عن "حلفٍ إقليمي جديد" يجمع إسرائيل ودولاً عربية باتت تُعرف بأنها "معسكر الاعتدال".
وبعد أقل من عام على الحصار الرباعي على قطر في يونيو 2017، غرد نتنياهو قائلاً "نظرا لتصاعد الخطر الإيراني المتزايد باستمرار، أعتقد أن كل الدول العربية تقريبا لم تعد تعتبر إسرائيل عدوا لها، بل حليفا محوريا".
انتكس العرب ثلاث مرات في يونيو/ حزيران على مدار خمسين عاماً، اثنتان منهما وقعتا في يوم واحد (الخامس من يونيو)، والثالثة وقعت في الثلاثين منه، وبالضرورة، مع كل نكسةٍ، يخرج العدو بمكاسب لا تحصى، يستمر تأثيرها المدمر عقوداً طويلة.
في النكسة الأولى، انهزموا أمام إسرائيل، وفي الأخريين حاربوا وهزموا أنفسهم من أجل إسرائيل.
لم تفعل "النكسة الأم"، في العام السابع والستين من القرن الماضي، بالعرب ما فعلته الأخريان، وهما 30 يونيو 2013، ثم الخامس من يونيو 2017.
انكسر العرب عسكرياً، وجرحوا سياسياً ومعنوياً في نكسة 67، لكنهم لم ينهزموا في إنسانيتهم وعقيدتهم وثقافتهم، بقوا عرباً، وإن كانوا مثخنين بالجراح والطعنات، ولم يفقدوا بوصلتهم الإنسانية والحضارية، ولم يكرهوا بعضهم بعضا، أو يحاربوا بعضهم بعضا.
صحيح أنه اندلعت بعض مظاهر العدمية في مصر، بعد النكسة مباشرة، إلا أن الإرادة لم تنكسر، وسريعاً جاءت مرحلة النهوض، واستئناف المقاومة، والتهيؤ للحرب، وصولاً إلى لحظة أكتوبر/ تشرين أول 1973.
وبعد نحو نصف قرن من نكسة يونيو الأولى، جاءت نكستان في الشهر نفسه، أو قل هي نكسة واحدة امتدت من الثلاثين من يونيو 2013، حيث نجح محور كارهي الثورة والمقاومة في قتل بدايات ربيع عربي، يحمل مشروع تحوّل ديمقراطي في مصر، إلى أن وصلنا إلى الخامس من يونيو 2017، حيث قرّر المحور ذاته إعلان الحرب على قطر، من خلال حصار اقتصادي وإنساني، لوّحوا فيه بالحرب، لتعصف هذه الحالة من الجنون بما تبقى لدى الإنسان العربي من يقين بقيم وثوابت كنا نظنّها راسخةً في الوجدان، عن وحدة الدم والمصير واللغة والعقيدة والثقافة والحلم والوجع.
دعني أعيد عليك سؤالاً طرحته سابقاً: بعد مرور خمس سنوات على انتكاسة حلم الثورة المصرية، ماذا أخذ المواطن المصري، وماذا أخذ الرباعي (الرياض ومعها المنامة، أبو ظبيـ تل أبيب، واشنطن) من 30 يونيو؟
السعودية أخذت جزيرتي تيران وصنافير، مشاركة مع إسرائيل. والإمارات وضعت يدها على مصر كلها، بعد أن كان منتهى حلمها تدمير فكرة مشروع خليج السويس الذي بدأه الرئيس محمد مرسي. وصارت تل أبيب خجلى من عطايا عبد الفتاح السيسي، ورعاته، حتى تكاد تشعر بتخمةٍ تطبيعيةٍ، تستوجب إنشاء إدارة تتولى المفاضلة والاختيار بين أفضل عروض الليكودين العرب، لإقامة علاقات تعاون وتحالف معها، وأميركا ترامب عادت تحلب نفط الخليج، بكمياتٍ أكبر مما سبق.
في المقابل، هل حصل المواطن المصري على شيء؟ نعم، حصل على كمياتٍ هائلةٍ من المهانة والعار، والانهيار الشامل، الممتد من السياسة والاقتصاد إلى الحالة الاجتماعية والأخلاقية ، في إطار حالة ردةٍ حضارية عنيفة، وانسلاخ من قيم تجسد الحد الأدنى من الفطرة الإنسانية السوية، مصنوعةٍ بعنايةٍ وحسابات دقيقة، لإنتاج مواطن مهزوم وجودياً، في وطنٍ منهزم حضارياً.
ووصلنا إلى لحظة إطلاق سراح بلطجي بعفو رئاسي، واعتداء همجي على أستاذ طب، كان منسقاً للجمعية الوطنية للتغيير، وعضواً في حملة السيسي الرئاسية، وعمره 84 عاماً، هو الدكتور عبد الجليل مصطفى، عقاباً له على تلبية دعوة إفطار رمضاني مع شخصياتٍ حزبيةٍ وسياسيةٍ في مكان عام.
ماذا عن الخامس من يونيو 2017 لحظة إعلان محور"عرب ترامب وإسرائيل" الحرب على قطر؟ تحضر هنا "صفقة القرن"، وقتل الربيع العربي(ليس أكثر تعبيراً عن ذلك من تغريدة لإعلامي سعودي عن المزج بين حصار اعتصام رابعة العدوية وحصار الشعب القطري) والمخططات الخاصة بالشرق الأوسط، وتصفية القضية الفلسطينية وتهويد القدس، نتائج مباشرة لحصاد عام من حربٍ غير أخلاقيةٍ ضد قطر، يشنها عرب الانقلابات والهرولة نحو الكيان الصهيوني.
غير أن الأكثر كارثيةً هو النزيف الإنساني والتصدّع الأخلاقي، في تلك الحرب الفاشلة التي أسقطت كل ما سطّره كتاب التاريخ العربي عن الرجولة والنخوة والشهامة والعدل والإنصاف.
أضف تعليقك