مع اقتراب عيد الفطر المبارك، نتذكر المشاهد النقية والأجواء الطاهرة التي عمت ميداني رابعة العدوية والنهضة عام 2013، حين احتفل المعتصمون الرافضون الانقلاب العسكري بالعيد، خلال الاعتصام الذي استمر 46 يوما على التوالي، واختتمه المصريون بأداء صلاة عيد الفطر التي حضرها ما يزيد على 2 مليون مصري، عبروا خلال مظاهرهم الاحتفالية عن الدفاع عن شرعية الرئيس محمد مرسي، لينتهي اعتصامهم بجريمة دموية ارتكبها قائد الانقلاب بفض هذا الاعتصام السلمي سادس أيام العيد.
ويتذكر الجميع مظاهر الاحتفال في رابعة العدوية وحجم النضال الذي ناضله شرفاء الميدان من أجل الحرية ورفض الانقلاب على الشرعية ومظاهر البهجة التي علت وجوه المصلين في رابعة العدوية.
أجواء الاحتفال
بينما كان من المتوقع أن تقل أعداد المعتصمين في كل من ميدان رابعة العدوية في شرق القاهرة وميدان النهضة في غربها مع حلول العيد كانت المفاجأة أن الأعداد تقريبا بقيت على حالها، في حين تزايدت وتيرة النشاط بين المعتصمين الذين تفرغ بعضهم لإعداد المكان لصلاة العيد وانشغل آخرون بإعداد مساحة خاصة لإقامة بعض الألعاب للأطفال، في حين تجمعت بعض السيدات في خيمة خاصة لإعداد كعك العيد.
وتحدث الداعية الإسلامي صفوت حجازي من على منصة رابعة العدوية أوائل رمضان، ليؤكد أن المعتصمين مستعدون للاستمرار في اعتصامهم طوال شهر الصوم وحتى العيد وأنهم سيقومون بصناعة الكعك في مكان اعتصامهم.
كثير ممن سمعوا هذا الكلام اعتبروا أنه نوع من رفع الروح المعنوية ومحاولة لتوصيل رسالة لسلطات الانقلاب بأن مؤيدي شرعية الرئيس مرسي سيواصلون تظاهرهم بصرف النظر عن الظروف المتمثلة في حرارة الجو والصوم ثم العيد الذي ارتبط لدى المصريين كما غيرهم بالتزاور والتراحم.
إصرار المعتصمات
التجول في ميداني الاعتصام مع نهاية رمضان أكد أن مؤيدي مرسي أو بالأحرى مؤيداته فعلوها حيث فاحت رائحة الكعك المطهو من إحدى الخيام التي تبين أن المعتصمات حولوها إلى ما يشبه المطبخ وعكفوا فيها على عملية إعداد الكعك بكل تفاصيلها من عجن وتقطيع وطهو في أجواء بدت للناظر وكأنها ليست في ميدان اعتصام يعاني ظروفا صعبة تبدأ من حرارة الجو وتصل إلى توقع اقتحام قد تقوم به الشرطة والجيش لفض الاعتصام في أي لحظة.
كانت أجواء السعادة والإصرار بادية عليهن، كما حرصت بعضهن على تقديم لافتات إضافية معبرة فقامت سيدة بوضع كمية من الكعك في الصينية وقد كتبت بها عبارات "مرسي رئيسي" و"نعم للشرعية" في حين استخدمت سيدة أخرى ورقة متواضعة لتضعها على مدخل الخيمة وقد كتبت عليها "كعك العيد ضد الانقلاب".
ولم تكتف المعتصمات بصنع كعك العيد كدليل على الإصرار على الموقف وأن قضاء العيد في ميدان الاعتصام لن يمثل مشكلة لهن، وإنما قامت بعضهن بمسيرة بسيطة داخل الميدان حاملين أواني الكعك وقد اخترن هتافات تناسب الموقف كان منها "كعك العيد يا كعك العيد، مرسي هيرجع من جديد" و"يسقط يسقط حكم العسكر، وإحنا عملنا كعك بسكر".
ألعاب الأطفال
غير بعيد عن خيمة السيدات صنع بعض الرجال حاجزًا خشبيًا ليفصل بين المنطقة التي ستشهد صلاة عيد الفطر وأخرى يجري تخصيصها لإقامة ألعاب بسيطة يلهو بها أطفال المعتصمين احتفالًا بالعيد، خصوصًا أن هناك الكثير من الأسر التي تشارك في الاعتصام بكامل أفرادها من أب وأم وأولاد وبنات.
وقرب المكان بدأ بعض الباعة في عرض لعب أطفال بسيطة لتناسب الموقف، وتم إحضار كميات أكبر من الألعاب ليلة العيد كي تكون جاهزة لبيعها في الأيام التالية.
وبقي التكبير هو اللغة الأكثر انتشارًا بين معتصمي رابعة والنهضة مع اقتراب العيد، فسواء اقتربت من أولئك الذين يعدون ساحة الصلاة أو مكان الألعاب أو حتى من استظلوا بالخيام لنيل قسط من الراحة، فستسمع تكبيرات العيد الشهيرة.
صلاة العيد بالميدان الطاهر
في كل عام يتداول عدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لصلاة عيد الفطر من مسجد رابعة العدوية عام 2013.
وكانت صلاة العيد بالميدان قد شهدت حالة من الاتحاد والنقاء ظهر بها المعتصمون والمصلون، وظهر نجاح تنظيم الصلاة دون إخلال بالأمن أو وجود حالة واحدة لأي فرد يعكر صفة الاحتفال، فضلًا عن السلوك الأخلاقي الذي ظهر به المصلون خلال احتفالاتهم وصلواتهم وعدم ظهور أي مظاهر تفسد أخلاق المصلين من تحرش أو اشتباك أو خروج عن الآداب والأخلاق الإسلامية.
كما لا يستطيع أحد أن ينسى كلمات الحماس التي ألهبت مشاعر المصلين خلال الخطبة، وابتسامة الأطفال التي زينت أرجاء الميدان من خلال الاستمتاع بألعابهم الترفيهية.
إظلام العيد
رغم كل هذه الأجواء التي هتفت بسلمية المعتصمين الذين لا يحملون سلاحًا سوى "كحك العيد" و بعض ألعاب الأطفال البلاستيكية، تم تمهيد الأرض لقتل المعتصمين في ميدان رابعة العدوية، حيث قام الإعلام بدوره، وقامت المؤسسة الدينية، المخترقة أمنيًا منذ عقود، بدورها، كما قامت جهات وشخصيات أجنبية بدورها في مؤامرة تمت حياكتها، رغم أن هؤلاء كان يتم تقديمهم، وقتها، باعتبارهم وسطاء لإنهاء الأزمة.
تم الهجوم على الميدان بزعم فض الاعتصام، ليتضح لاحقاً أن الخطة الحقيقية كانت قتل أكبر عدد ممكن من المعارضين.
وقع القتل وسالت دماء المئات، بينهم نساء وأطفال وكهول، لتظهر كالعادة جدلية "قتلهم من أخرجهم"، رداً على حقيقة أن من أطلق الرصاص هو من قتلهم.
لتقع أكبر مجزرة صب فيها جيش وشرطة الانقلاب النار على آلاف المعتصمين في ميدان رابعة العدوية، فيهم النساء والأطفال والشيوخ، فأثخن قتلًا وحرقًا وعاث فسادًا ودمارًا حتى ضج الميدان واختلط الأموات بالأحياء، وحُرّقت الجثث وتطايرت الأشلاء وضاعت الهويات، وغصت المستشفيات والمشارح.
وقد وصفتها منظمة هيومن رايتس ووتش بأنها "إحدى أكبر وقائع القتل الجماعي لمتظاهرين سلميين في يوم واحد في تاريخ العالم الحديث".
أضف تعليقك