• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم: قطب العربي

لا يهتم المشير عبد الفتاح السيسي بردود الفعل الشعبية على قراراته مهما كانت قسوتها، فهو من طبقة الحكام المتغلبين بقوة صندوق الذخيرة لا صندوق الانتخابات، وهو واثق أنه قادر بقواته العسكرية على قمع أي رد فعل شعبي، ولذا لم يهتم بتبرير الزيادات القاسية الأخيرة لأسعار المحروقات ومن قبلها الكهرباء والمياه إلخ بقدر اهتمامه بنشر جحافل عساكره في كل ربوع مصر بما في ذلك القرى والأحياء الشعبية ناهيك عن محطات الوقود ومواقف سيارات الأجرة إلخ لمواجهة أية احتجاجات ضد قراراته الأخيرة برفع الأسعار استجابة لمطالب صندوق النقد..

مارس السيسي الخديعة على الشعب كثيرا، وزعم في إطلالاته الأولى أن هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه، وكسب بهذه الكلمات الكاذبة تعاطف بعض القطاعات التي تعلقت بالسراب على أمل تحسين أوضاعها وفقا لوعود السيسي التي قطعها على نفسه وطلب من الشعب في العام 2014 سنتين حتى يمكنه جني ثمار التنمية والمشروعات(الوهمية) التي أعلن عنها، وحين انتهت السنتان طلب 6 أشهر إضافية، ولم يتحقق شيء من تلك الوعود، بل زادت الأوضاع سوءا، والحقيقة أن السيسي كان دوما يظهر خلاف ما يبطن للشعب، ويتذكر الكثيرون كلمة الدكتور باسم عودة وزير التموين السابق من فوق منصة رابعة والتي أشار فيها إلى اختلافه مع السيسي في مجلس الوزراء بعد قول السيسي إن الشعب المصري “مدلع” ولا بد من فطامه، وقد كرر السيسي هذا المعنى في حواره المسرب مع ياسر رزق الذي نشرته صحيفة المصري اليوم في السنة الأولى للانقلاب حين شرح فكرته في ضرورة أن يدفع الشعب ثمن أي خدمة كاملا دون أي دعم، وأنه لو استطاع أن يفرض رسوما على المكالمات الهاتفية للمستقبل أيضا لفعل، ثم نفذ هذه العقيدة المخبأة في تعهداته لصندوق النقد الدولي لما يسمى بخطة الإصلاح الاقتصادي في العام 2016 التي بدأت بتعويم الجنيه، وتركز على تحرير السلع والخدمات، وإلغاء الدعم نهائيا عنها، دون تقديم بدائل حماية اجتماعية للفقراء.

وصفة صندوق النقد “التقليدية جدا” والمجربة مع كثير من الدول سابقا، والتي لم تنجح في كل الحالات، وحتى الحالات القليلة التي نجحت فيها كان بسبب مواكبة سياسات حماية اجتماعية قوية لها، هي ليست مجرد وصفة فنية من هيئة مالية أو نقدية دولية بل هي وصفة لقيادة نظام عالمي يستهدف إخضاع الدول والحكومات لسياساته، وتحويلها إلى مجرد توابع، أو مستعمرات بطريقة عصرية، فهذه الوصفة التي تسحق الطبقات الشعبية وقود أي ثورة أو حراك، أو معركة دفاعا عن الوطن واستقلاله، وتقضي على طبقات وسطى كانت دوما هي رمانة الميزان والمدافع الأبرز عن حقوق الوطن والمواطن وسيادة الدولة وثرواتها، وتصعد بطبقات عليا كانت دوما الأقرب لسياسات الاستعمار العالمي، هي الوجه المعاصر للاستعمار، والتبعية، صحيح أن الكثير من الدول تحتاج إلى التعامل مع صندوق النقد لمنحها شهادة جدارة اقتصادية تفتح لها أبواب الاستثمار العالمي أو حتى الاقتراض بشروط ميسرة لتسيير بعض المشاريع التنموية، لكن الكثير من هذه الدول تتعامل بمهارة وحزم مع الصندوق، ومطالبه، وتصل بعد تفاوض شاق إلى بعض الاتفاقات التي تحقق أهدافها التنموية دون المساس باستقلالها وسيادتها، وقد نهجت مصر بعد ثورة يناير وفي عهد الرئيس مرسي هذا النهج، إذ أنها كانت تريد فقط مجرد شهادة على قدرة الاقتصاد المصري على تحقيق معدلات نمو معقولة وقدرته بالتالي على الوفاء بأي التزامات دولية، ولم يكن الهدف هو فقط مجرد الحصول على قرض مالي مؤقت(4,8 مليار دولار)، ونظرا لرفض حكومة الرئيس مرسي شروط الصندوق حماية للكرامة والسيادة المصرية فإنها لم توقع في النهاية الاتفاق.

في المقابل هناك دول أو حكومات أخرى تستسلم تماما لشروط ومطالب الصندوق، رغم قسوتها على شعوبها، وتشرع في التنفيذ الفوري لها بغية الحصول على القروض المطلوبة، فتتسبب بذلك في مزيد من إفقار شعوبها، دون أن تحقق أي مظاهر جديدة للتنمية، ومثال ذلك ما فعله السيسي وفعلته حكومات أخرى انهارت لاحقا، بسبب ردود الفعل الشعبية تجاه تلك الإجراءات وكان آخرها إقالة الحكومة الأردنية بعد تبنيها لوصفة الصندوق والتي اقتضت رفع أسعار المحروقات، وفرض ضريبة جديدة على الدخل الخ.

انبطاح السيسي لمطالب صندوق النقد الدولي، وقبوله بشروطه في 11 نوفمبر 2016 هو جزء من حالة انبطاح عامة له أمام مراكز صنع القرار الدولية التي تدعمه سياسيا، وتحصل مقابل هذا الدعم على مكتسبات كبيرة منها صفقات غير ضرورية بالمرة بمليارات الدولارات التي رفعت حجم الديون الأجنبية لمصر فوق المائة مليار دولار( بإضافة ديون السندات)، ولا يزال الحبل على الجرار، كما أن بعض هؤلاء الداعمين الدوليين والإقليميين وخاصة الكيان الصهيوني وبعض الدول الخليجية حصلوا من السيسي على أراضي مصرية (تيران وصنافير التي انتقلت ملكيتها إلى السعودية شكلا وإلى الكيان الصهيوني موضوعا)، وحصلوا على موافقة علنية بدعم ما يسمى بصفقة القرن ( تعهد السيسي بذلك علنا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب) كما حصلوا على تنازلات أخرى عن حقوق مصر في مياه النيل وغاز المتوسط، إضافة إلى مواقف سياسية داعمة للسياسات الأمريكية والصهيونية عموما وهو ما شهدنا نماذج له في تصويتات مندوب السيسي في الأمم المتحدة الخ.

لم يقبل الشعب المصري إملاءات الصندوق من قبل، وكانت له وقفات ومظاهرات احتجاجية قبل وبعد ثورة يناير، كما هبت شعوب أخرى ضد سياسات الصندوق أحدثها في الأردن وفي الأرجنتين، ولكن النظام العسكري الحاكم بقيادة السيسي أعد للأمر عدته بنشر قواته في كل مكان لقمع أي حراك شعبي متوقع، كما كمم الأفواه وقمع الصحف ووسائل الإعلام ومنعها عن نقل معاناة المواطنين من هذه السياسات، وحشد هذا الإعلام لتبرير زيادة الأسعار باعتبارها أنها تصب في مصلحة المواطن !!، كما حشد وسائل الإعلام لتقديم معلومات مضللة عن مستويات الأسعار عالميا، دون أن تتحدث عن مستويات الدخول في المقابل، كما قمع الأصوات التي تحاول تقديم بدائل لسياسات الصندوق مثل الضرائب التصاعدية وكروت الدعم الذكية، وتحسين مستويات الشفافية.

من فجاجة هذه القرارات الجديدة أنها استهدفت الطبقات الشعبية بالزيادات الكبرى رغم الادعاءات المتكررة بحماية هذه الفئات، فبنزين 80 الذي يوصف ببنزين الغلابة ارتفع سعره بنسبة 52.7% واسطوانة الغاز المنزلي التي لا يستغني عنها أي بيت ارتفعت بنسبة 66%، وزادت أسعار بنزين 92 ( الطبقة الوسطى) بنسبة 35% بينما زاد بنزين الطبقة العليا 95 بنسبة 17% فقط، وتدفع الطبقات الشعبية هذه الزيادات الكبيرة رغم عدم حدوث أي تغيير في دخولها ورواتبها، بينما زادت دخول ضباط الجيش والشرطة ورجال القضاء، ونواب البرلمان، والوزراء ومستشاريهم وأعضاء السلك الدبلوماسي عدة مرات خلال السنوات الخمسة الماضية.

يمن السيسي ونظامه على الشعب ببقاء بعض الدعم ( سيتم إلغاؤه لاحقا)، ويتجاهل أن الشعب هو صاحب الثروات والموارد التي تشكل الميزانية العامة للدولة، سواء إيرادات صناعية أو تجارية أو زراعية، أو تعدينية، أو دخل قناة السويس أو السياحة، أو تحويلات المصريين في الخارج، أو الضرائب والرسوم التي يدفعها المواطن، وكل هذه الإيرادات ينبغي توجيهها بشكل صحيح لخدمة المواطن، وتقديم الدعم المطلوب له، بينما يمكن تحسين الأداء الاقتصادي في ظل حكم مدني رشيد يخضع للمساءلة والرقابة الشعبية، ومواجهة الفساد الذي بلغت تكلفته خلال سنوات الانقلاب أكثر من 600 مليار جنيه وفقا لتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، والتي تتزايد يوما بعد يوم.

أضف تعليقك