• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم..رمضان أحمد بريمة

الانتخابات التركية التي جرت في 24 يونيو 2018 تجلى فيها أعلى مستوى من التعاطف والتضامن الجماهير على امتداد العالم الإسلامي، وبنفس القدر تجلى فيها مدى كراهية الدوائر السياسية الغربية للنموذج التركي الذي هو المثال الثاني لدولة مسلمة تحقق تنمية حقيقية بعد ماليزيا. وليس أدل على ذلك من ضخامة حجم المتابعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومختلف وسائل الإعلام. وبقدر ما كان فوز رجب طيب أردوغان مصدر ابتهاج للشعوب الحرة التواقة إلى الانعتاق والتحرر من الاستبداد وحكم الفرد، فإنه كان أيضاً يوماً أسوداً للنظام العربي القديم الموكل بتعطيل التطور والتقدم في العالم العربي. وكذا كان الحال بالنسبة للدوائر الغربية التي ترمق تركيا الأردوغانية وكابوس الإمبراطورية العثمانية يقض مضاجعها.

لا شك أن في ملحمة الانتخابات التركية عبر ودروس غاية في الأهمية لأنها ترسم معالم خارطة المستقبل للشعوب المسلمة في ظل خيبة الأمل الراهنة التي تهيمن على كل الأصعدة، بعد الضربات الموجعة التي سددتها الدولة العميقة في وجه الربيع العربي وشعور الناس أن الأمل في حياة كريمة قد تلاشى، فضلاً عن حماقات هذه الدولة العميقة واستفزازها لمشاعر الأمة المسلمة. لعل الله قد استجاب لدعاء الصالحين في هذا الشهر المبارك ليحدث هذا النصر المدوي.

الدرس الأول: هو أن الحدود الجغرافية قد تلاشت. وقد رأينا ذلك كيف كان الناس يتفاعلون مع الحدث على امتداد العالم الإسلامي من جاكرتا إلى طنجة. وكان لي أصحاب من جنوب أفريقيا من أهل البلد يعلقون لحظة بلحظة على أغلب المنشورات التي كنت أنشرها بشأن تطورات الحدث. لم يعد العالم الإسلامي جزر معزولة يفتك بها الطغاة إنابة عن أسيادهم. لقد انتهى ذلك الزمان بلا رجعة على الرغم من أن بعض الطغاة لا يزالون يعيشون في الماضي ويتصرفون على هذا الأساس. فأصبح سلوكهم مستهجناً، وشأنهم كشأن الأعمى الذي يتعرى أمام الناس بحسبانهم عمي أيضاً!

هذا فضلاً عن أن الناس على امتداد العالم الإسلامي كان شعورهم كما لو أن أردوغان هو مرشحهم الرئاسي لرئاسة بلدانهم وليس لرئاسة تركيا التي تبعد عنهم آلاف الأميال، مما يدل على أن التماهي الوجداني لا يعترف بالحدود الجغرافية الوهمية التي رسمها المستعمر. وأكاد أجزم أن تفاعل الناس مع الحدث تجاوز بمئات المرات تفاعلهم مع الأحداث المماثلة التي جرت وتجري في بلادهم التي يفوز فيها الرئيس بنسبة 99%.

الدرس الثاني: أن الدولة العميقة انتهت، وانتعشت بذلك آمال الربيع العربي. فوز أردوغان بدد أحلام الدولة العميقة وأسيادها الذين كانوا يتحينون فرصة إعلان خسارة أردوغان لتشييع حلم الشعوب المسلمة وتطلعهم إلى مستقبل يرون فيه الرئيس خادماً للشعب يحقق أحلامه ويرتقي بإنسانيته وليس سيداً يحتقره ويدوس على كرامته. اطلعت على تغطية بعض فضائيات الدولة العربية العميقة وعلى بعض الفضائيات الغربية فلاحظت أن التغطية كانت منحازة ضد أردوغان انحيازاً لا يصدق، وبمجرد ما ظهرت النتيجة اختفت الانتخابات التركية من الشاشات تماماً! يجب على الدولة العميقة رفع الراية البيضاء من الآن حفاظاً على الحد الأدنى من الكرامة -إن كان لها كرامة أصلاً- وكذلك توفيراً للجهود من أجل البناء والتطوير بدلاً من هدرها في المماحكات والحماقات التي لن تجني إلا مزيداً من الذل والهوان أمام الشعوب. آن لشباب الربيع العربي أن يرفعوا رؤوسهم عالية ويستأنفوا العمل من أجل مستقبل أفضل.

الدرس الثالث: أن التغيير قادم لا محالة ويتعين على الشعوب العربية التهيؤ للتغيير بإزالة ثقافة الاستبداد. من تجليات ثقافة الاستبداد الاستقطاب السياسي والعرقي والجهوي، فضلاً عن انتشار الكراهية والحقد والرغبة في التشفي والانتقام. وإذا كان للشعوب المسلمة أن تتقدم وتخطو الخطى نحو مستقبل واعد ملؤه الأمل، لابد من محاربة آثار الاستبداد السياسي بكل تجلياتها. وبالمقابل لابد من تعزيز ثقافة السلام والمحبة لأن الجميع لهم مصير مشترك يتطلب التفاني من أجله ونكران الذات. ذلك لأن معركة التعمير أشد وأصعب من معركة التدمير. ومن لا يتحرر من الحقد والكراهية لا يستطيع أن يتقدم خطوة إلى الأمام لأن الذي يعيش في الماضي لا يمكن أن يستوعب الحاضر فضلاً عن صناعة المستقبل. والكراهية من شأنها أن تُلبس صاحبها نظارة سوداء فلا يرى إلا السواد، وبالتالي يمكن أن تفوت عليه الكثير من الفرص التي ربما غيرت حياته إلى الأفضل وإلى الأبد.

إذن، ونحن نتهيأ لهذا التغيير القادم لابد من تصحيح مفاهيمنا لنكون أكثر تحضراً وأكثر تضامناً وتعاوناً. فالأوطان التي تضمنا هي أوطاننا ونهضتها وتطورها مفيد لنا جميعاً. ومن هذا المنطلق يصبح المواطن أياً كان قيمة في حد ذاته، وتزداد هذه القيمة بقدر المهارات والقدرات التي يكتسبها هذا المواطن للمساهمة في نهضة الأمة، بعيداً عن انتمائه العرقي أو الديني أو المذهبي أو المناطقي وهكذا. التحية والتجلة للشعب التركي الأبي الذي شق طريقه بلا رجعة، والعاقبة للشعوب التي لا تزال ترزح تحت الاستبداد والفقر والعوز. 

أضف تعليقك