الدكتور فتحي يكن
رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حرص على تحقيق التوازن والاعتدال ومنع الغلو والتشنج والتطرف في كل شأن ولو كان عباديًّا .. وفيما يلي مجموعة من الشواهد تؤكد نهج الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ المتوازن:
ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل عليها وعندها امرأة، قال : (من هذه ؟) ، قالت : هذه فلانة تذكر من صلاتها، قال: (مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا).
ـ وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (هلك المتنطعون ..) قالها ثلاثًا ، ( رواه مسلم ) .
ـ وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ..) رواه البخاري.
ـ وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، يسألون عن عبادة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، وقالوا : أين نحن من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ..
قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدًا ..
وقال آخر: وأنا أصوم الدهر أبدًا ولا أفطر ..
وقال الآخر: وأنا اعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا ..
فجاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : (أنتم الذين قلتم: كذا وكذا؟ أما والله إني أخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) .
ـ وعن ابن ربعي حنظلة بن الربيع الأسيدي ـ أحد كتاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: لقيني أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ فقال : كيف أنت يا حنظلة ؟
قلت: نافق حنظلة ..
قال: سبحان الله، ما تقول ؟
قلت: نكون عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يذكرنا بالجنة والنار كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا ..
فقال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ : فوالله إنا لنلقى مثل هذا .. فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله ..
فقلت : نافق حنظلة يا رسول الله ..
فقال : (وما ذاك ؟) ..
قلت : يا رسول الله ، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين ، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا..
فقال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (والذي نفسي بيده ، أن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة) .
ـ وعن أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال: أُخبِر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أني أقول : والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت ..
فقال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أنت الذي تقول كذا ؟
فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي يا رسول الله ..
قال: ( فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، ونم وقم، وصم من الشهر ثلاثة أيام ، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر) ..
قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك ..
قال: (فصم يومًا وأفطر يومين)..
قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك..
قال: (فصم يومًا وأفطر يومًا، وذلك صيام داود ـ عليه السلام ـ، وهو أعدل الصيام) ..
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (واقرأ القرآن في كل شهر)..
قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك..
قال: ( فاقرأه في كل عشرين ) ..
قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك ..
قال: ( فاقرأه في كل سبع ، ولا تزد على ذلك ) ..
فشددت فشدد عليّ، وقال لي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إنك لا تدري لعلك يطول بك عمر) .
قال: فصرت إلى الذي قال لي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فلما كبرت وددت أني كنت قبلت رخصة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ . ( رياض الصالحين ، باب الاقتصاد في الطاعة) .
أضف تعليقك