ودع العالم واحدًا من أبرز مؤرخي الحضارة الإسلامية، وهو المؤرخ التركي الشهير، البروفيسور فؤاد سزكين، الذي توفي السبت (30 يونيو) عن عمر ناهز الـ94 عاما.
ونعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، المؤرخ سزكين، في تغريدة له على "تويتر" أكد فيها أن الراحل كان عالمًا كبيرًا، واستطاع إحياء الحضارة الإسلامية مجددًا، من خلال الأبحاث والدراسات التي أجراها في مجال تاريخ العلوم الإسلامية.
ولد فؤاد سزكين بولاية "بتليس" جنوب شرقي تركيا، في 24 أكتوبر 1924، وهو أحد أبرز المتضلعين في التراث العربي والإسلامي، على مستوى العالم.
ويعد الراحل أحد طلاب المستشرق الألماني هلموت ريتر، الذي أقنعه بدراسة التاريخ الإسلامي، حيث بدأ بتعلم اللغة العربية، وحصل على الدكتوراه في 1954 بأطروحة "مصادر البخاري".
شغل الراحل منصب المدير الفخري لمعهد دراسات التاريخ والعلوم الإسلامية والعربية فى ألمانيا، والذي كان أحد مؤسسيه، ومن أهم مؤلفاته: تاريخ التراث العربي الإسلامي باللغة الألمانية، الذي بدأ بجمع مواده سنة 1947 ميلادية، وموسوعة تاريخ الأدب العربي في 12 جزءاً بداية من عام 1967 حتى عام 2007.
وأصبح سزكين أستاذاً في جامعة إسطنبول عام 1954، ونُشرت له رسالة الدكتوراه تحت عنوان "دراسات حول مصادر البخاري" سنة 1956،
غادر سزكين تركيا إلى ألمانيا بعد أن منعته حكومة الانقلاب العسكري عام 1960، مع 146 أكاديمياً تركياً، من الاستمرار في جامعات البلاد، ليواصل دراساته في جامعة فرانكفورت.
وفي العام 1965، قدّم سزكين أطروحة دكتوراه ثانية عن عالم الكيمياء العربي، جابر بن حيان، وحصل على لقب البروفيسور بعد عام على طرحها، وتزوج بعد فترة وجيزة المستشرقة أورسولا سزكين.
وقبل وفاته، كان يواصل كتابة المجلد الـ18 من "تاريخ التراث العربي" الذي صدرت أولى مجلداته في 1967، ويعد أوسع مؤلف يتناول تاريخ البشر.
أتقن المؤرخ التركي الراحل 27 لغة، من بينها السريانية والعبرية واللاتينية والعربية والألمانية، وكتب 18 مجلداً عن التراث العربي، كما أنشأ في 2010، وقف أبحاث تاريخ العلوم الإسلامية بهدف دعم أنشطة متحف العلوم والتكنولوجيا الإسلامية في إسطنبول.
وحصل على جوائز وأوسمة دولية عديدة طيلة حياته، من مؤسسات مختلفة مثل مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ومجمع اللغة العربية بدمشق، ومجمع اللغة العربية في بغداد، وأكاديمية العلوم في تركيا.
وتوّج بالدكتوراه الفخرية من قبل جامعات عديدة، مثل "أتاتورك" في ولاية أرضروم التركية، و"سليمان ديميرال" في ولاية إسبارطة، وجامعة إسطنبول، فضلاً عن درع تكريم جامعة جوته الألمانية له، وميدالية الخدمة الاتحادية للدرجة الأولى بألمانيا، والجائزة الرئاسية الكبرى للثقافة والفنون بتركيا.
وللمؤرخ الراحل عدد من المؤلفات الأخرى كالعلم والتكنولوجيا في الإسلام، واكتشاف المسلمينَ للقارة الأمريكية قبلَ كريستوفر كولومبوس، وقد كُتب عنه كتاب بعنوان: (مكتشف الكنز المفقود فؤاد سزكين).
ويحكى أنه أمضى شهور حياته الأخيرة وهو يجول في مكتبات إسطنبول وهو في التسعين من عمره، منهمكاً بشراء بعض الكتب والمراجع، فسأله أحدهم عن ذلك، فعلم منه أنه بدأ بجمع مكتبة علمية جديدة، بعد أن قررت الحكومة الألمانية وضعَ يدها على مكتبته الضخمة، التي تحوي جمعاً هائلاً من الوثائق والمخطوطات بكثيرٍ من اللغات؛ لأنها صنَّفتْ هذه المكتبة ضمن التراث الألماني القومي، وذلك بعد أن قدموا له تكريماً وتعويضاً، وأَعطوه ما يريد من ثمنها.
ومن كلماته الشهيرة التي تعكس واقع المسلمين بشكل عام: "أن تجعل المسلمين يفهمون عظمة الحضارة الإسلامية أصعب من أنْ تجعل الغرب يفهمها".
أضف تعليقك