بقلم: الدكتور فتحي يكن
الإسلام دعوة جهادية
تبعًا لبروز ظاهرة ( التعددية ) على الساحة الإسلامية ، برزت تصورات شتى حول ( التربية الجهادية ) واعتماد ( الخط الجهادي ) في العمل الإسلامي .
فهنالك اتجاهات إسلامية تتبنى ( الخط الجهادي ) سواء في تربية أفرادها ، أو في أسلوب عملها وتعاملها مع المجتمعات التي تعيش فيها ، ومع الأنظمة التي تحكم هذه المجتمعات .
وهنالك اتجاهات أخرى ترفض ( الخط الجهادي ) جملة وتفصيلاً ، مكتفية بما هو دون الجهاد الحسي من ( توجهات جهادية ) كمجاهدة النفس وتزكيتها ، ومجاهدة الناس بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة ، ومجاهدة الحكام بالتذكير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، دون أن يدخل في حسابها من قريب أو بعيد ، تبنيها للقوة أو للجهاد الحسي في تغيير المجتمعات ، وتحقيق الانقلاب الإسلامي .
وهنالك اتجاهات إسلامية كذلك لا ترفض الخط الجهادي ، ولكنها ترفض ممارسته ذاتيًّا وفي إطار التنظيم ، وترى أن الوسائل الجهادية وأسباب التغيير الحسية يمكن الاستحواذ عليها عبر مؤسسات الدولة نفسها ، أو من خلال طلب النصرة ، دونما حاجة إلى تكوينها وامتلاكها ، لما في ذلك من محاذير ، ولما يتطلبه من جهود ، وهي لذلك لا تكلف نفسها مسئولية ما ، سواء ( على مستوى تكوين الشخصية ) أو في ( إطار العمل الحركي ) تتصل بجانب الإعداد الجهادي .
هذه المفارقات والإشكالات التي أفرزها تعدد التصور الحركي للعمل الإسلامي ، ولطبيعته وسماته وقسماته ، جعل الساحة الإسلامية على مدار سنوات طويلة ، شبه خالية من ( المجاهدين ) بالرغم من ازدحامها بالعاملين والوعاظ والمرشدين والفلاسفة والمؤلفين والمنظرين .
وهنا يكمن سر سقوط أقطار العالم الإسلامي بأيدي أعداء الإسلام قطرًا قطرًا ، وذلك لخلو هذه الأقطار من حركات ( جهادية ) تقف في مواجهة التحدي والتصدي لأية محاولة تستهدف ضرب الإسلام واستئصال وجوده الحركي ، ومن ثم التحكم بمقدراته وسياسته ومصيره .
الإسلام دعوة جهادية :
من صفات الإسلام الرئيسية أنه دعوة جهادية ماضية في مواجهة الباطل وإحقاق الحق إلى أن تقوم الساعة ، وصدق الله ـ تعالى ـ حيث يقول : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث يقول : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحقها ، وحسابهم على الله ) رواه الشيخان .
فمن طبيعته عدم مهادنة الجاهلية أو التعايش معها أو مساومتها أو تقديم تنازلات لها :
{ فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين وأنذر عشيرتك الأقربين } ( الشعراء : 214 )
{ قل يا أيها الكافرون ، لا أعبد ما تعبدون ، ولا أنتم عابدون ما أعبد ، ولا أنا عابد ما عبدتم ، ولا أنتم عابدون ما أعبد ، لكم دينكم ولي دين } ( سورة الكافرون ) .
{ فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم } ( الشورى : 15 ) .
ومن طبيعته أنه يرفض كل الحلول المطروحة ويعتبرها مشكلات وليست بحلول ، فهو لا يقبل مع الإسلام منهجًا غير منهجه ، ولا دينًا غير دينه ، ولا شرعة غير شرعته :
{ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا } ( المائدة 3 ) .
{ إن الدين عند الله الإسلام } .
{ ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } ( آل عمران : 19 ) .
ومن طبيعته أنه يجعل التشريع حق الله وحده ، ولا يقبل بالاحتكام لغير شرع الله ، ولهذا فهو يرفض التشريعات الوضعية جميعًا ، سواء كانت أجنبية أم عربية ، شرقية أم غربية :
{ وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ، فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ، وإن كثيرًا من الناس لفاسقون ، أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون } ( المائدة : 52 ) .
ومن طبيعته أنه لا يرضى لأتباعه الدنية في شيء ولا يقبل لهم الذل والهوان في أمر :
{ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } ( المنافقون : 8 ) .
{ يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم } ( المائدة 57 ) .
{ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ... } ( الفتح : 29 ) .
ثم إن الإسلام يعتبر الجهاد طريق المؤمنين إلى الجنة ، وسبيلهم إلى مرضاة الله ـ تعالى ـ ونعيم الآخرة ، وإن ترك الجهاد والتخلي عنه يورث الذل والخنوع والهوان ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( اعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ) رواه الشيخان وأبو داود .
الجماعة المسلمة حركة جهادية
والإسلام يعتبر الجماعة المسلمة في أي مكان قامت وفي أي زمان كانت حركة جهادية هدفها الأصيل تعبيد الناس لله ـ تعالى ـ وجعل الحاكمية والقوامة لتشريعه .
فكتاب الله ـ تعالى ـ يصف الجماعة المسلمة بقوله :
{ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، أولئك هم الصادقون } ( الحجرات : 15 ) .
{ ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم } ( محمد : 31 ) .
ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصف الجماعة المسلمة فيقول :
( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون ) رواه الشيخان .
( لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها ) رواه ابن ماجة .
( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ) للحاكم في المستدرك .
والمسلمون الأولون عرفوا أنهم أمة جهاد وحركة جهاد فعاشوا مجاهدين بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، يقولون الحق ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، ويقيمون العدل ، ولا يخشون في الله لومة لائم .
لم يكونوا ليرهبوا سطوة حاكم ، وسوط جلاد ، وحبل مشنقة ، بل إنهم ليستعذبونه في سبيل الله ، ولسان حالهم جميعًا ما نطق به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قلب المحنة : ( إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي .. ) .
لم تكن الجماعة المسلمة التي رباها محمد بن عبد الله على عين الإسلام ( مدرسة فكرية أو فلسفية ) هدفها نشر الفكر والفلسفة بين الناس قبلوها أو رفضوها ، أو حتى تخريج مفكرين وفلاسفة ليس إلا .
كما لم تكن تلك الجماعة ( فرقة صوفية ) تعيش معزولة عن دنيا الناس وصراعاتهم في أجواء الرياضة الروحية ، لا تدري ما يجري حولها من كيد للإسلام ، وتآمر عليه وتشويه لشخصيته ، واستئصال لوجوده ، حسبه منها صلاة وصوم وإنشاد .
ولهذا غضب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين جيء برجل أتى جبلاً يتعبد فيه ، وقال له : ( لا تفعل أنت ولا أحد منكم ، لصبر أحدكم في بعض مواطن الإسلام خير له من عبادة أحدكم وحده أربعين عامًا ) .
وفي رواية للترمذي ، قال : ( لا تفعل ، فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عامًا ، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة ، اغزوا في سبيل الله ، من قاتل في سبيل الله فوق ناقة وجبت له الجنة ) .
أضف تعليقك