الأخوة فى الله نعمة كبرى وزاد وافر متجدد على الطريق وقد منَّ الله على المؤمنين بهذه النعمة وهو يدعوهم الى الوحدة وعدم التفرق فى قوله تعالى :{ واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون } .
وهى نعمة لا تشترى بالمال أو الأعراض الدنيوية ولكنها تتم بفضل الله وقدرته :{ وألف بين قلوبكم لو أنفقت ما فى الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم } .
إن رابطة العقيدة الإسلامية هى أقوى الروابط على الإطلاق .
إن الذين يعيشون فى ظل الحب و الأخوة فى الله يحسون بسعادة وراحة نفسية لايحظى بمثلها من يجتمعون على عرض من أعراض الدنيا فى تجارة أو لهو أو متاع دنيوى ، وقد تذوق الإخوان هذه السعادة ... لذلك نجد الأخ يشعر بوحشة إذا غاب عن إخوانه أو إذا اضطرته الظروف أن يكون بعيداً عنهم ويضرب بعضهم المثل : إن الجو الإخوانى بالنسبة للأخ كالماء بالنسبة للسمك .
ولأهمية الأخوة فى الله على طريق الدعوة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار الذين ضربوا المثل العليا فى الحب والإيثار .
إن المهمة الكبرى التى كان يهيىء رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين للقيام بها وهى التمكين لعقيدة التوحيد وإقامة دولة الإسلام تستلزم قو التلاحم و الترابط بين أفراد هذه الجماعة التى باعت نفسها لله وتعاهدت على نصرة شريعته ليكونوا صفاً متلاحماً كالبنيان المرصوص .
وبعد أن بينا فضل الصحبة الصالحة وأهميتها ... نحاول أن نوضح كيف أنها عون وزاد على الطريق :
- الفرد المسلم لا يسير فى طريق آمن ولكنه يسير فى طريق محفوف بالمكاره و المزالق و العقبات و الفتن وشياطين الإنس و الجن له بالمرصاد فهو أحوج فى مثل هذه الطريق الى من يأخذ بيده ويرشده ويبصره ويذكره إذا نسى ويعينه إذا ذكر وصدق الله العظيم :{ و العصر إن الإنسان لفى خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } .
- تأتى على الفرد المسلم فرا فتور أو غفلة أو نسيان أو استجابة لوسوسة الشيطان فلو كان وحده لتمادى واستمرأ تلك الحالة ولتعرض الى الضياع و الهلاك :( إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ) ، أما إذا كانت له صحبة صالحة فلن يتركوه الى نفسه وشيطانه إذا افتقدوه فى مجالات العمل الصالح سيبحثون عنه ليدعوه ويذكروه ويعاونوه على نفسه وشيطانه وفى ذلك عون وزاد على الطريق .
- إن الصاحب الصالح بمجرد رؤيتك له تذكرك بالله وبطاعة الله ، أما رفيق السوء فرؤيته تذكر بالمعاصى والآثام وفعل المنكرات ، فشتان بين الفريقين ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم :( مثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك إن لم يصبك منه شىء أصابك من ريحه ، ومثل الجليس السوء كمثل صاحب الكير إن لم يصبك شرره أصابك من دخانه ) رواه أبو داود .
- المرء كثير بإخوانه ... يشعر أنه وحده شىء لا يذكر ولكنه ذو شأن بارتباطه بإخوانه .
وإذا كان أهل الشر الذين يعتدون على أموال الناس وحرماتهم يتجمعون ليساند بعضهم بعضاً وكثيراً ما ينصبون عليهم رئيساً ويلتزمون بطاعته ، فأولى بأهل الحق و العاملين لنصرة دين الله أن يرتبطوا ويتحدوا و المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً كما قال رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم ولا يمكن أن تكون هناك جماعة تنجز أعمالاً وتحقق أهدافاً وليس بين أفرادها رباط محبة وأخوة .
- المؤمن مرآة أخيه ... ما من فرد إلا وفيه عيوب وقصور وكثيراً ما يغفل عنها ولا ينتبه لها ، فهو أحوج ما يكون الى من يبصره ويعينه على إصلاحها و التخلص منها ولا يقدر على ذلك إلا أخ محب مخلص دائم الصلة رقيق المعاملة حكيم فى نصحه وتبصيره ، وهذا خير عون وزاد على الطريق ز
- وفى مجال النصيحة يجمل أن نشير الى أى شىء من آدابها وكيف تؤدى بالحكمة و الموعظة الحسنة و الجدال بالتى هى أحسن امتثالاً لقوله تعالى :{ ادع الى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسن وجادلهم بالتى هى أحسن } ، وكذا قول بعض السلف الصالح :( أد النصيحة على أكمل وجه واقبلها على أى وجه ، ومن وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه ، ومن وعظ أخاه علانية فقد فضحه وشانه ) .
- الصحبة الصالحة تضاعف من قدرات الفرد وطاقاته ، فحينما يفكر فى أمر فكأنما يفكر بعقول إخوانه جميعاً لأنه يسترشد بآرائهم ، وحينما يقوم بعمل فهم جميعاً عون له بطاقاتهم ويفيدونه بخبراتهم .
- الصحبة الصالحة تضاعف سعادة الفرد بمشاركته فى مسراته وتخفف عنه متاعبه وآلامه إذا أصابه ضرر أو مصيبة ، يعينونه بأموالهم وجهدهم ويذكرونه بالله و الصبر على البلاء وعدم الاستسلام للحزن أو الانطواء ....وفى ذلك عون كثير .
-كأنى بالأخ المسلم على طريق الدعوة لا يتحرك بزاد قلبه وحده ولكن بزاد قلوب إخوانه جميعاً ، فكل أخ لا يبخل على إخوانه بما فتح الله عليه من زاد روحى يعين على معرفة الطريق وعلى الطاعة و الثبات وتخطى العقبات ، وليس فى ذلك زاد فقط بل زاد مضاعف .
- الله سبحانه وتعالى يدعونا الى التعاون على البر و التقوى فيقول :{ وتعاونوا على البر و التقوى ولا تعاونوا على الإثم و العدوان } وهو توجيه الى جمع وليس أفراد متفرقين ، فالصحبة الصالحة واجبة ولازمة لتحقيق ذلك ، ما أجمل الأخوة فى الحى الواحد أو القرية الواحدة حينما يتعاونون فى مجالات الخير و الطاعات خاصة تلك التى غفل عنها وقصر فيها كثير من المسلمين كقيام الليل وصلاة الجماعة فى المساجد وخاصة صلاة الفجر و العشاء وحضور موائد القرآن و العلم والذكر وقوافل الدعوة الى الله ومعاونة الفقراء وذوى الحاجة .
- ما أعظم فائدة الصحبة الصالحة وقت الشدائد و المحن حينما يتعرض الفرد المسلم الى ضغوط شديد لتصرفه عن العمل لعدو الله أو لتحرفه عن الطريق الصحيح المستقيم مع أمر الله ، هنا تظهر أهمي الصحب الصالح التى تحافظ عليه وتعمل على حمايته من التفلت أو القعود أو الانحراف أو التأثر بوعد أو وعيد أعداء الله ومحاولاتهم الشيطاني لتخلى العاملين للإسلام عن مواقعهم فى الصف ، وقد لمسنا أثر ذلك واضحاً خلال المحن التى مرت بالإخوان وهذا بعض خير وبركة الجماعة والأخوة الصادقة فى الله .
- ما أعظم الزاد الذى يحظى به الفرد فى الصحبة الصالحة حينما يدعو له إخوانه بظهر الغيب بدعوات صالحات وهى دعوات مستجابة كما أخبرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم .
- ما أعظم الزاد يناله الفرد فى الصحبة الصالحة المتحابة فى الله حيث يفوز بحب الله ومغفرته وحسن مثوبته له بما يتم بينه وبين إخوانه من نظرة حب فى الله يتبادلونها ومن مصافحة ومن تبسم فى وجوه بعضهم البعض ، ومن تزاور وتجالس بينهم ومن تواصى وتذكير بالحق بينهم ، والأحاديث فى هذا الباب كثيرة ومنها حديث السبعة الذين يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله فمنهم رجلان تحابا فى الله اجتمعا عليه وافترقا عليه . وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أن رجلاً زار أخ له فى قرية فأرصد الله على مدرجته ملكاً فلما أتى عليه قال : أين تريد ؟ قال : أريد أخ لى فى هذه القرية ، قال : هل لك عليه من نعمة تربها ؟ قال : لا ... غير أنى أحببته فى الله ، قال فإنى رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه ) رواه مسلم . تربها : أى ترعاها .
وروى مسلم فى كتاب الذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال : ما أجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا ، قال : آلله ما أجلسكم إلا ذلك ؟ قالوا : والله ما أجلسنا إلا ذلك ، قال : أما إنى لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتانى جبريل فأخبرنى أن الله يباهى بكم الملائكة .
- ولأهمية الصحبة الصالحة وما يترتب عليها من خير للإسلام و المسلمين نجد الإسلام و شريعة الإسلام تحافظ عليها وترعاها من كل ما ينال وحدتها وتآلفها وتحرم ما من شأنه أن ينال منها ويوقع الشحناء و البغضاء بين المسلمين كالغش و الخيانة وبيع الغرر و الربا و الخمر و الميسر وغير ذلك كالتحاسد و التباغض والسخرية وسوء الظن و التجسس و التقاطع و التدابر ، وهذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى رواه أنس رضى الله عنه :( لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ) رواه الشيخان .
والله سبحانه وتعالى يرسم لنا فى سورة الحجرات مع ما سبق كيف يزال الخلاف بين المؤمنين إذا حدث من أقرب الطرق ، وواجب المؤمنين بالتدخل للصلح بين المتخاصمين من المؤمنين :{ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ... } ، { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلمكم ترحمون } .
وبقدر ما تحقق الأخوة والصحبة الصالحة من وحدة وقوة وخير للإسلام و المسلمين بقدر ما تحقق الفرقة و الخلاف من فشل وضعف وضرر و الله تعالى يقول :{ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين } .
- الشيطان وأعداء الله يغيظهم وحدة المسلمين وعاونهم ويبذلون الجهد فى إيجاد الفرقة ، فما أحوجنا الى الانتباه الى ذلك وعدم إعطاء الفرصة لتحقيق ذلك ، فلا نغضب لأنفسنا ولا نقول ما يسىء لإخواننا استجابة لتوحيد الله لنا :{ وقل لعبادى يقولوا التى هى أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً } - ما أسعدنا بنعمة الإسلام وبنعمة الأخوة فى الله وما أجدرنا بالمحافظة على هذه النعم بكل ما نستطيع وما نملك من وسائل .
فعليك يا أخى بالصحبة الصالحة فهى عون وزاد لك على الطريق .
أضف تعليقك