بقلم: سليم عزوز
لا قيمة لاعتراف "خافيير سولانا" بعلمهم (الناتو) المسبق بالانقلاب في تركيا، وعدم مساعدة لأردوغان في مواجهة هذا الانقلاب العسكري! والذي يقال إنه لم يقل هذا الكلام، ولكن حسابه مخترق!
نسب لـ"سولانا" اعترافه في الوقت الضائع، وبعد أن غادر موقعه كأمين عام لحلف الناتو، وبعد عامين من الانقلاب، وجاء هذا الاعتراف في تدوينه له، فليس في اعتذاره يعبر عن المنظمة الدولية، ولكنه يتطهر بصفته الشخصية، ويبحث عن الخلاص الشخصي!
القيمة الوحيدة لهذا الاعتراف (إن صح) أنه يأتي كاشفاً عن الموقف الغربي، وليس منشئاً لهذا الموقف، فالغرب هو الراعي الرسمي للاستبداد، وهو المتآمر على شعوب المنطقة، والحيلولة دون حقها في تقرير مصيرها واختيار من يحكمها بإرادتها الحرة، وهو الحق المقرر للمواطن في الدول الغربية، التي لا تزال تتعامل معنا على أننا مجرد مستعمرات، وهي ذات النظرة القديمة للمستعمر!
عندما وقع الانقلاب في تركيا، كان واضحاً أن الدول الغربية متورطة فيه، وقد قال أردوغان في الساعات الأولى أن الولايات المتحدة الأمريكية ضالعة فيه، ولم ينف البيت الأبيض هذا الاتهام على خطورته، وهناك كلام عن بارجة أمريكية كانت في المياه التركية، وقد كلفت بأسر الرئيس التركي بعد خطفه، إذ قام المخطط الانقلابي على اختطافه، وبعد فشل الانقلاب تم تجاوز هذا الجانب، كما تم تجاوز ما نشر عن تورط إماراتي في الانقلاب، فإعلام القوم كان يتابع خط سير الانقلاب خطوة بخطوة، والبيانات التي نشرتها قناة "العربية" و"وسكاي نيوز عربية" باسم الجيش التركي، وقائد الانقلاب، لم يتم إلى الآن تقديم دليل على أنها صدرت فعلاً، فهى بيانات معدة سلفا، ولا تحتاج لمن يصدرها، فقد كان هذا دور الإعلام الإماراتي!
عندما وقع الانقلاب في تركيا، كان واضحاً أن الدول الغربية متورطة فيه، وقد قال أردوغان في الساعات الأولى أن الولايات المتحدة الأمريكية ضالعة فيه، ولم ينف البيت الأبيض هذا الاتهام على خطورته
وهذا الأمر يكشف أن الانقلاب أكبر من تمرد جرى في الجيش التركي، وأنه تم وفق مخطط دولي واقليمي، وقد تجاوزه الجانب التركي، لأسباب غير معلومة، فإن كان قد لخص كل مطالبه من الولايات المتحدة الأمريكية في تسليم "فتح الله غولن"، فإنه سكت تماماً على الدور الإماراتي، وهو ما أغرى الإماراتيين بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والإمارات ليست قوى عظمى ليعمل له أردوغان حساباً.
الدليل على المؤامرة الغربية، أن هذه الدول صمتت تماماً على محاولة الانقلاب، في انتظار نجاحها لتعلن تأييدها، وأعلن البيت الأبيض في البداية أنه يتابع الموقف عن كثب، وكأن هذا هو منتهى الدور الذي يقوم به الأمريكيون الذين يتعامل معهم البعض على أنهم "العالم الحر"، وهم ليسوا أكثر من قوى استعمارية، ترى في العسكر أنهم الأصلح للقيام بدور "وكيل الأعمال" في عالم ربما لم يعد يتقبل الاستعمار بشكله القديم، ولأن هذا الاستعمار فاتورته مكلفة!
بعد انتصار إرادة الشعب التركي على العسكر، أعلنت عواصم غربية اعترافها بالحكومة المنتخبة في تركيا، ومن ألمانيا إلى واشنطن، وكذلك فعل حلف الناتو!
الموقف الأمريكي يشبه نفس الموقف من الثورة المصرية، فواشنطن أعلنت في نهاية اليوم الأول أن مبارك باق، ثم بعد ذلك كان الموقف يتراوح بين الانحياز للثورة والانحياز لمبارك
والموقف الأمريكي يشبه نفس الموقف من الثورة المصرية، فواشنطن أعلنت في نهاية اليوم الأول أن مبارك باق، ثم بعد ذلك كان الموقف يتراوح بين الانحياز للثورة والانحياز لمبارك، وفق سياسة توزيع الأدوار بين "أوباما" ووزير خارجيته "هيلاري كلينتون".. تبدو الثورة قوية فيخرج "أوباما"، وتبدو السلطة أقوى من أن تهزم فتتصدر "كلينتون" المشهد. وفي الانقلاب ظهر وزير الدفاع الأمريكي مؤيدا، وسكت الرئيس الأمريكي خوفا من نجاح الشعب المصري في هزيمة الانقلاب! بيد أن هذا الشعب كان يلعب في الحدود التي رسمها له "التنظيم" والتنظيم كانت عينه في أدائه على البيت الأبيض، فلا يريد أن يتنفس الثوار نفساً مختلفاً فتخسر الشرعية تأييد البيت الأبيض!
ولا شك أن الدرس التركي قد كشف عن أن الشعوب وحدها هي القادرة على فرض إرادتها، وتقرير مصيرها، ليصبح الموقف الغربي بعد ذلك هو تحصيل حاصل، كما حدث بعد اعلان دوائر غربية انحيازها للحكومة الشرعية في أنقرة، ولكن بعد أن دحر الشعب التركي الانقلاب، وقام بالالتفاف حول قائده وحول تجربته الديمقراطية الوليدة.
ولا يمكن اعتبار الانحياز الأمريكي للانقلابات العسكرية، سواء في مصر أو في تركيا، على أنه مرتبط بكرهها للإسلاميين. فواشنطن خططت مع الخونة من العسكر في فنزويلا، فهوجو شافيز فاز بإرادة الشعب، لتخطفه عصابة الجيش، لكن الشعب أخرجه من سجنه، وأعاده لكرسي الحكم، وأحبط مؤامرة العسكر الموالين للبيت الأبيض!
فواشنطن، ومعها الدول الغربية، هي معادية لإرادة الشعوب، وضد أي حاكم وطني، ليس تابعاً ويعمل لمصلحة بلاده، ولم تكن الديمقراطية هي قضيتها في يوم من الأيام؛ لأنها الراعي الرسمي للاستبداد في المنطقة، ولا تجد استمراراً لبقاء المستعمرات القديمة على حالها إلا في وجود حكم العسكر في الحكم!
ومهما يكن، فإن "خافيير سولانا" هو الأفضل إذا ما قورن بـ"كاثرين آشتون"، المبعوثة الأوروبية لتفكيك الأزمة المصرية، والتي لم نسمع لها صوتا بعد انتهاء مهمتها في تعزيز حكم العسكر لتغادر القاهرة بعد ذلك وهي مطمئنة على نجاح الانقلاب.
هل يعقل أن وسيلة إعلامية لم تحاول أن تلتقي المذكورة وهى تحتفظ بأسرار ربما لا يعرفها غيرها؟
إن صمتها كاشف عن أنها كانت جزءاً من المؤامرة، ولا تملك الحد الأدنى من الاستقامة النفسية فتسعى للخلاص الخاص كما فعل "خافيير سولانا"!
لقد انتصر الشعب التركي على المؤامرة التي لم يكن الجيش فيها سوى منفذ للأوامر!
أضف تعليقك