• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

وإذ فجأة يا مؤمن، تنبعث رائحة نفاذة من "التابوت"، فيهرول الأثريون مفزوعين، ليتدخل رجال المهام الصعبة، وهم بطبيعة الحال ينتمون لخير أجناد الأرض، فيقتحمون الخندق ويخرجون "التابوت"؛ غير مبالين بالرائحة التي أزعجت السادة الأثريين، وقد تبين أنها مياه للصرف الصحي، كما قال كبير الأثريين في مؤتمر صحفي. فهل رائحة المجاري غريبة على الأثريين؟ أم لم يعد أحد في البلاد قادراً على اقتحام الصعاب، وعدم المبالاة بالروائح الكريهة سوى رجال القوات المسلحة؟!

"أصل الحكاية" أنه تم العثور على مقبرة، وهو حدث مثير في أي مجتمع، وعند الحفر شاهد الناس مياها تميل للون الأحمر، وقد تغير اللون بعد ذلك بعد انتقال حيازة الأثر إلى أصحاب "القسمة والنصيب". وقد جرت تصرفات دعت للريبة، منها فزع الأثريين وتركهم للموقع، ومنها حضور قوات من الجيش، ليس للحماية ولكن للتصرف، ومنها وضع ستارة تحول دون الجماهير و"التابوت". وقد ظهر بعد ذلك للعامة وقد تغير لونه، ثم اكتمل الأمر بالإعلان أن الشكوك تثور حول "الانتماء الوظيفي" لمن هم في "التابوت"، فقد قال كبيرهم إنهم على ما يبدو جنود من عصر البطالمة!

لم يتعرف الزعيم الأثري على الرتبة العسكرية للجثامين، وهل كانوا جنوداً مقاتلين على خط الجمبري، أم هم عساكر مراسلة؟ وهل هم ضباط نظاميون أم "ضباط مخلة"؟ ولماذا كان التسليم بحسب الوظيفة وليس بحسب الانتماء الأسري؟ وباعتبار أنهم من البطالمة، فلا بد أن يسلموا لأهلهم. صحيح أننا لا نعرف من ينتمون لهذه السلالة الآن، لكن من المؤكد أن البطالمة ليسوا عقيماً، حتى ينتهي ملكهم وتنتهي سلالتهم، فلا تجد وزارة الأثار أحداً تسلمه "التابوت"، ما دام يجوز التسليم، وهو إجراء غير مسبوق في تاريخ وزارة الآثار، ذلك بأن الأثر ملك للدولة، وليس للذرية، أو الاعتبار الوظيفي. وهل لو كان المرجح في حق سكان "التابوت" أنهم كانوا يعملون في الفلاحة، أن يتم تسليمهم لنقابة الفلاحين، أو للسيد وزير الزراعة؟!

كان كبيرهم يقف في المؤتمر الصحفي، وخلفه كتيبة من السادة ضباط الجيش، ولم أتعرف على وضعه الوظيفي، وهل هو وزير الآثار أم رئيس هيئة الأثار، لكن ما يعنيني أنه كان يهوّن من الأمر، كما لو كان من في "التابوت" ماتوا في السنة الماضية في حادث "توك توك"، وعلى أساس أن المرجح أن عمر التابوت هو ألف عام، مع أن القاعدة القانونية هي أن كل عقار مضى عليه مئة عام هو أثر، وعلى هذا الأساس تضع هيئة الآثار يدها على مبان تخص الحملة الفرنسية، ومنها قصر كان مملوكا لشامبليون في وسط القاهرة، ورفضت حتى بيعه للسفارة الفرنسية، فقد وافقت ثم تراجعت خوفاً من ردة فعل المصريين على عملية البيع والتفريط. كان هذا قبل الثورة، ولا أستبعد أن يتم بيعه الآن، ولو لمحمد بن زايد، بتزوير شهادة نسب له تفيد أن جده السابع هو شامبليون!

المسؤول الأثري كان منزعجاً، وهو يبرر تسليم التابوت للقوات المسلحة، فيكاد المريب أن يقول خذوني، ولم ينتبه إلى أن الجيش المصري جرى تمصيره، ولم تعد جذوره تمتد إلى الجند، سواء من المماليك أو البطالمة. وقد وفدوا إلى مصر وليسوا من أبنائها الأصلاء، لكن من الواضح أن كله يهن مقابل حيازة "التابوت"، وباعتبار أن السيسي هو أكثر قدرة على التعامل مع آثار العائلة!
الشاهد، أن مصر في مرحلة عبد الفتاح السيسي هي المرحلة الأكثر تهريباً للآثار، وباتت عملية انقطاع التيار الكهربائي بالمطار لافتة، فحدثت لأكثر من مرة، وأكثر من ساعة، وهو أمر لا يمكن أن يحدث في مطار صغير لدولة في مجاهل أفريقيا، وليس في مطار القاهرة الدولي.

لقد ضبطت سلطات مطار الكويت آثاراً مهربة، ولم يكن المهرب تمثالاً صغيراً، ولكنه "تابوت" فيه تمثال معتبر ينتمي للعصر الفرعوني. فكيف خرج من مطار القاهرة؟ ولماذا لم يتم التحقيق في الأمر، لا سيما وأن صاحب "التابوت" ذهب ليتسلمه من المطار بشكل رسمي، مما يسهل عملية التوصل إلى المتهمين، إن كانت هناك نية لذلك؟!

ولأول مرة يكون التهريب ليس بالقطعة، ولكن بالشُحنة. فشُحنة آثار خرجت من مصر بأمان إلى إيطاليا، وتمكنت السلطات هناك من ضبطها، فإذا بها - يا إلهي - تحتوي على أكثر من 21 ألف قطعة أثرية، وقد عادت إلى مصر، بدون تحقيق يمكن من خلاله التوصل إلى الجناة، فمن يا ترى هؤلاء الجناة؟!

وقد رأينا كيف أن إمارة أبو ظبي نظمت مؤتمراً للآثار يشتمل على آثار مهربة من مصر، فلا يثير هذا قلقاً على التراث المصري، ولا يسأل سائل من قام بالتهريب! فلا يمكن اعتبار أن عمليات التهريب التي يتم حمايتها من مجرد التحقيق والمساءلة، يقوم بها عوام المهربين، وصغار الأشقياء!


قبل أن أنتهي من كتابة هذه السطور، طالعتنا جريدة "الشروق" بتصريحات لمن قالت إنه"مسؤول بالفريق الأثري القائم بأعمال رفع "تابوت الإسكندرية" جاء فيها أن ملامح الجماجم يظهر عليها الحدة، والرجولة، والشهامة، الأمر الذي يرجح أنهم عسكريون!

ولولا أنني أطلعت على نص التصريح عبر الصحيفة المصرية، لقلت إنها محاولة من البعض للتلفيق وللانتقال بالأمر إلى مستوى المهزلة!

وكأن جماجم العسكريين ليست آثارا تابعة للدولة، ولكنها شأن خاص بالسيسي، الوريث الشرعي، والحفيد الوحيد للعسكر على مر التاريخ!

عندما ينقطع التيار الكهربائي في مطار القاهرة فاعلم أن "التابوت" غادر إلى مسقط رأس البطالمة الذين نزحوا إلى مصر من مقدونيا!

لقد تجاوزنا مرحلة "المصريين القدماء"، ونحن الآن نعيش مرحلة "العسكريين القدماء".. يا لها من مسخرة!

أضف تعليقك