بقلم: قطب العربي
هل كان مراسل ومدير مكتب النيويورك تايمز في القاهرة بحاجة إلى هذه السنوات ليفرج عما لديه من أسرار تتعلق بانقلاب العسكر على الرئيس المدني المنتخب في مصر الدكتور محمد مرسي في الثالث من يوليو 2013؟ وهل لا يزال لديه المزيد من الأسرار التي لم يطلقها بعد؟ وهل لدى غيره من مراسلي الصحف ووسائل الإعلام الأمريكية والغربية أسرارا جديدة بحكم اقترابهم من دوائر صنع القرار في بلدانهم وسفاراتها في القاهرة؟ وهل مثل هذه المعلومات تمثل الصورة الكلية لما حدث أم أنها مجرد جزء منها؟ بينما لا يزال لدى أطراف أخرى جوانب متعددة من الصورة ومن هذه الأطراف بطبيعة الحال بل في مقدمتها الرئيس مرسي نفسه الذي لم يقل شيئا حتى الآن عن كواليس الأيام الأخيرة رغم ما رشح من بعض الموظفين في القصر الرئاسي والذي بدا مقتضبا ومفككا؟.
سيقول البعض أنهم كانوا واثقين من حدوث انقلاب، وأن مرسي وجماعته فقط هم الوحيدون الذين كانوا ينكرون شواهد وإرهاصات ذلك الإنقلاب، وسيرد بعض أنصار الرئيس والمنتمين لجماعة الإخوان ولحزب الحرية والعدالة أنهم كانوا ضحية معلومات متناقضة بعضها يشي بوقوع انقلاب وبعضها ينفي ذلك ما ظهر لاحقا أنه محض خديعة كبرى مارسها السيسي عليهم، ومارس مثلها وأكبر منها لاحقا بحق خصومهم السياسيين من القوى الليبرالية واليسارية التي وقعت في شراكه كما وقع الإخوان من قبل.
من الصعب القول أن السيسي مارس لعبة الخداع ذاتها على المسؤولين الأمريكيين الذين تحمسوا له، وسعوا لإقناع غيرهم في الإدارة الأمريكية به، فليس الرجل بهذا المستوى من الذكاء الذي يخدع أكبر مؤسسات الحكم الغربية، وليس الأمريكان قليلي الخبرة السياسية مثل الإخوان والقوى الليبرالية الأخرى التي وقعت ضحية لخداع السيسي، ولكن المسالة تكمن في وجود حماس عقدي ( أيديولوجي) لدى بعض النافذين في السياسة الأمريكية لعرقلة مشروع الإخوان المسلمين في المنطقة عموما حيث تعتبرها إسرائيل الخطر الأكبر عليها، وحيث لا يخفي هؤلاء المسؤولون عداءهم للإسلام عموما ولأي مشروع سياسي منبثق عنه، ومن ذلك مشروع الإخوان.
في مقاله الأخير بصحيفة نيويورك تايمز يفاجئنا مدير مكتبها في القاهرة إبان فترة الإنقلاب دافيد دي كيركباتريك بكم من المعلومات الجديدة التي استقاها مباشرة من مسؤولين أمريكيين في القاهرة وواشنطن شاركوا في صياغة الموقف الرسمي الأمريكي من التحضير للإنقلاب ثم دعمه لاحقا، وهي معلومات تبدد قناعات الكثيرين الذين كانوا يجادلون أن إدارة أوباما لم تكن راعية للإنقلاب، بل أنها كانت ضده في أيامه الأولى قبل أن تغير موقفها لاحقا، فما ظهر هو أن الرئيس باراك أوباما فقط وأشخاص قليلين من حوله لم يكونوا متحمسين للإنقلاب العسكري على الخيار الديمقراطي، بينما كان هناك مسؤولون نافذون آخرون في الإدارة اكثر حماسا لإنهاء حكم مرسي حتى إن وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيجل الذي أرسله أوباما برسالة لقادة المجلس العسكري تحثهم على احترام الديمقراطية، وتحذرهم من عقوبات أمريكية ضد أي إنقلاب نقل رسالة معاكسة تماما لذلك مفادها أن الإدارة الأمريكية جاهزة للتعاون معكم، وأنكم الأدرى بمصلحة بلدكم.
وهو ما يفترض أنه يمثل خيانة للأمانة من قبل وزير الدفاع لرئيسه، وإذا كان هيجل قد رحل عن منصبه مع خروج أوباما إلا أن بقية المسؤولين الذين تمكنوا من فرض وجهة نظرهم بدعم الإنقلاب أصبحوا لاحقا هم أركان حكم الرئيس الحالي دونالد ترامب مثل مايكل فلين مستشار الأمن القومي السابق، وجيمس ماتيس وزير الدفاع، وأندرو ميلر المسئول السابق عن ملف مصر في مجلس الأمن القومي الأمريكي، والذي يعمل الآن في مشروع يتعلق بالديمقراطية في الشرق الأوسط!!.
من مفاجآت المقال تأكيد حدوث اتصالات مبكرة بين جنرالات أمريكيين مع نظرائهم المصريين منذ ربيع 2013، وفقا للشهادات التي نقلها باتريك عن قادة أمريكيين ذوي صلة بالأمربينهم مايكل فلين رئيس وكالة الاستخبارات العسكرية في ذلك الوقت والذي يحمل قناعة راسخة أن القاعدة والإخوان وجهان لعملة واحدة، وقد اعترف المشير عبد الفتاح السيسي في لقاء تليفزيوني في 9 مايو2014 بلقاءاته مع المسؤولين الأمريكيين ، حيث أكد زيارة "مسؤول أمريكي كبير جدا"(يقصد جون كيري وزير الخارجية) له في مارس 2013 في وزارة الدفاع طلب نصيحته فكان رد السيسي "الوقت انتهى"، ولا بد من التخلص من هذا الحكم، وقد أشارت شهادة كيركباتريك إلى هذه الزيارة الخاصة لكيري في مارس 2013 والذي التقى بالرئيس مرسي كما التقى بالسيسي منفردا، وفي حين سخر كيري من مرسي الذي كان يحمل ضده موقفا سلبيا مسبقا تساوقا مع رؤية أصدقائه الخليجيين الكارهين للإخوان، فإنه –حسب الشهادة- أبدى اعجابا بالسيسي الذي أخبره في ذلك اللقاء "أنا لن أسمح لبلدي بأن تنساب في المجاري." ونقل بارتيك عن كيري قوله إن "الطبخة قد أعدت لمرسي." وأنه شعر جزئياً بالارتياح لأن الجنرال السيسي على استعداد للتدخل.
من المعلومات المهة التي تستحق التوقف في مقالة باتريك، اتصال الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالرئيس مرسي يوم 1 يوليو 2013 وحثه على تسوية الأزمة عبر حكومة وحدة وطنية، ورد مرسي عليه بأنها نصيحة من مخلص ولكنها جاءت متأخرة جدا، وما يستوقفني هنا هو تاريخ الاتصال ورد مرسي، ففي اللحظة التي جرت فيها المكالمة كان مرسي عمليا خارج السلطة، إذ جرى نقله يومها إلى مقر للحرس الجمهوري، ولم تعد هناك قيمة لأي مبادرة يطرحها، فقد كان قرار الإنقلاب قد اتخذ لكنه أعلن بعد ذلك بيومين فقط، وما يجدر ذكره هنا أن الكثيرين انتقدوا الرئيس مرسي لعدم قبوله نصيحة الرئيس أوباما التي كان يمكن لها أن تفسد خطة الإنقلاب، وتشجع الإدارة المريكية على مناهضته، لكن هؤلاء الناقدين كانوا يبنون نقدهم على وصول النصيحة في وقت مبكر من أوباما وهو ما اتضح عدم صحته من خلال تقرير النيويورك تايمز.
يوما بعد يوم تتكشف المزيد من المعلومات والأسرار عن انقلاب الثالث من يوليو 2013 ودور الخارج خصوصا الولايات المتحدة فيه، وقد يفتح تقرير النيويورك تايمز شهية آخرين لإعلان ما لديهم من أسرار ومعلومات، كما يتوقع أن يظهر المزيد من المعلومات في كتاب سيصدر قريبا للكاتب كيركباتريك نفسه، وحتما ستأتي اللحظة التي يسمع فيها المصريون ما خفي من الرواية على لسان الرئيس مرسي وبقية مساعديه.
أضف تعليقك