ليس لديه ما يقدمه، ضعف الطالب والمطلوب!
هذه خلاصة المؤتمر الدوري للشباب الذي انعقد على مدى يومين بجامعة القاهرة، وحضر عبد الفتاح السيسي جميع جلساته بدون كلل أو ملل!
لم يتم اختيار الشباب على أي قواعد موضوعية، ليشاركوا في هذه "الزفة"، فليسوا يمثلون شباب الأحزاب السياسية، أو أنهم قيادات العمل الطلابي بالجامعات المصرية، أو أنهم الطلاب الذي تفوقوا في مجالات التعليم المختلفة.
فما نعرفه أنهم اختيار الأجهزة الأمنية، ليكونوا جزءاً من ديكور لا قيمة له، فلم يخرج أحدهم عن المسار العام. فيضحكوا جميعاً، ويصفقوا جميعاً، وحتى عندما يقول السيسي مزاحاً ثقيلاً، لا ينتمي لجنس الفكاهة، فتضج القاعة بالضحك، فلا ترى من بينهم عابساً واحداً، لم يستوعب "النكتة"، أو لم يستسيغها!
الوزيرة "غادة والي"، اصطحبت معها ابنتيها، وتم تمكينهما من المنصة، ليحاورا السيسي، فيقوم بمنحهما الإشراف على السياحة بمحافظة الأقصر، وهذه وزيرة واحدة، والمعنى أن عبد الفتاح السيسي يخاطب أبناء العائلة، وهو اختيار لا يعطي احتمالاً لمندس قد يدخل في حوار جاد، مع رجل لم يكن جاداً منذ أن عرفناه!
وحتى عندما تقرر في المؤتمر السابق، القيام بمشهد تمثيلي ووقف أحد الشباب ليقول للسيسي أنه لم ينتخبه، فينفجر السيسي من الضحك، تعبيرا عن السماحة ورحابة الصدر، يتبين أنه مشهد هابط، وأن الفتى من الشباب الذين يحضرون مع السيسي الكثير من لقاءاته في الداخل والخارج!
لقد كان المؤتمر هو جلسات ترفيه، بدا أنه انعقد في جزيرة معزولة، بعيداً عن الوطن وأحزانه، ولم يكن لدى السيسي ما يقدمه إلا المزيد من الوعود، وبترحيل الأمر إلى ما يتصور أنه الأبعد، وطريقة جحا الذي دخل رهاناً على قدرته على تعليم "حمار العمدة" التحدث بالانجليزية.
وعندما سئل عن أسباب دخوله في تحدي خاسر، قال إنه عندما يأتي الموعد المضروب، فسوف يكون أحداً من الثلاثة قد مات: الحمار، أو العمدة، أو جحا نفسه، بيد أن صاحبنا "جحا" كان أكثر ذكاء، فكان الأمد المقطوع هو عشر سنوات، في رواية، وأكثر من هذا في رواية أخرى!
وعد السيسي بأن بتحقق الانجازات في سنة 2020، أي خلال عامين من الآن، لكنه أفسد الأمر عندما عدد الإنجازات التي سيحققها، فالانتهاء من المرحلة الأولى في بناء العاصمة الإدارية الجديدة، التي ستنتقل إليها حكومته لتزداد عزلة عن الناس، ثم أنه وعد بالانتهاء من مراحل أخرى من بناء الشقق، التي تفوق أسعارها قدرة أي شاب، وإذا كان قد وعد بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز، فإنه لم يعلن أن هذا من شأنه أن يتم التراجع عن ارتفاع سعره الذي تقرر في عهده لأربع مرات.. فهل كان في هذه الوعود أكثر ذكاء من جحا، باعتباره وعد ثم قام بعملية "لحس" وعوده؟!
لقد تحدث عن وعده السابق بتحقيق كل الأمال بعد سنتين، وبدا أن لسانه استدرجه إلى هذا، لكن سرعان ما هرب إلى وعده الجديد، قبل أن "يلحسه" بالحديث عن المرحلة الأولى من العاصمة الإدارية الجديدة، التي قال لم يتم انفاق جنيهاً واحداً عليها من ميزانية الدولة، وهى جريمة، لأن الأصل في إدارة الدول أن تصب الإيرادات جميعها في الموازنة العامة، لتخرج منها على هيئة مصروفات تدون كذلك جميعها، فما معنى أن تكون هذه المليارات من خارج الموازنة، وهل هى من ميراث الوالد؟.. فحتى التبرعات والمساعدات لابد من دخولها الموازنة قبل خروجها!
الحقيقة أن السيسي عندما وعد من قبل، كان مضطراً لذلك، فقد كان أكثر صدقاً في البداية عندما قال ن هناك جيلين سينتهيا تماماً قبل أن تقف مصر عل رجليها، في الوعد بوقوف مصر على رجليها هو هنا يعتصم بحكمة جحا، فأحد أطراف المعادلة سيكون قد واراه الثرى: هو، أو الشعب المصري!
هو يعدهم ويمنيهم، وما يعدهم إلا غرورا.. لقد قال إنه "عذاب" و "معاناة"، وكان لسان حال البعض هو مقطع الأغنية الشهيرة: "إن كنت نار أنا ميه.. إن كنت قسوة أنا حنيه"، لكن شهر العسل انتهى سريعا، والرومانسية لا تفتح بيتاً ولا تسدد أقساطا، فاضطر لوعده بأن مصر ستكون "أد الدنيا" خلال عامين باعتبارها أم الدنيا!، لكن وعوده كانت كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، فاتسعت دائرة معارضيه لتشمل كل قطاعات الشعب المصري، حتى أولئك الذين ظنوا أن على النار هدي، ولم يعد له من مؤيدين سوى مثلث حكمه: القضاة، والجيش، والشرطة، بجانب عناصر السلطة، التنفيذية والتشريعية.
لست متأكداً تماماً أن كل ما في هذا المثلث يؤيدونه، فقد يرفضون الحكم الاخواني (في مجملهم) وقد يرفضون الثورة ودعواتها بالمساواة وبالعدالة الاجتماعية وبحكم القانون، لكن استمرار السيسي قد يدفع إلى ثورة لا تبقي ولا تذر، ومن حقهم الخوف على مصالحهم التي يمكن أن تستمر بانتقال سلسل للسلطة في دائرة الدولة القائمة!
السيسي جاء إلى هذا اللقاء، وهو يعلم أن رصيده نفذ تماماً، فلم يعد لديه حتى رصيداً من مخزون "العواطف الجياشة"، وإن لم يكن يخسر رهانه على الاستمرار بها، فبدا عاتباً، لأنه في الوقت الذي ينتشل فيه مصر من "العوز" يصدر هاشتاج "ارحل يا سيسي"، معبراً عن أن من حقه أن "يزعل" لذلك.
وكأن من يقفون وراء "الهاشتاج" هم الذين يجلسون في حضرته، من أبناء الوزراء واختيار الأجهزة الأمنية، وليس خصومه الذين اتسعت دائرتهم لتشمل كثيراً ممن كانوا يرون في عبد الفتاح السيسي أنه الأمل والمنى!
لقد كان في العودة لحديث العواطف، يسحب "على الناشف"، فقد توقف البنكرياس تماماً، ولم تعد هناك حيلة على تنشيطه فيعود من جديد لضخ الأنسولين، لكن هذه هى ورقته الأخيرة، وهو يقول إنه لم يعد بشئ، ولكنه كان صريحاً ومع ذلك فإن الشعب وافق على أن يقف معه، ولا نعرف في أي ركن من أركان الوطن استمع لصوت الشعب وهو يقول إنه معه؟.. هل كذب حتى صدق نفسه؟ لا أظن.
فلو كان الأمر كذلك، ما قام بسجن سامي عنان، وترحيل أحمد شفيق وأخذ بناته رهائن في إمارة أبو ظبي، وسجن العقيد قنصوة، لأنهم قرروا خوض الانتخابات ضده، فهو يدرك أنه يفتقد للظهير الشعبي، وليس هو معبود الجماهير، كما رددت الدعاية في بداية الانقلاب!
وإزاء العجز الكامل عن تقديم شئ للمصريين، كان التفتيش في الدفاتر القديمة واستدعاء اعتصام "رابعة" و"المنصة"، وعلى أساس أن القضاء على هذه الاعتصامات هو الانجاز الذي يكفيه ويزيد، فهل كانت هذه الاعصامات هى الأزمة؟.. فلولا انقلابه ما كانت الاعتصامات أو المظاهرات، ثم ما هي مصالح المصريين التي تضررت من جراء هذه الاعتصامات؟، وهم الذين أضيروا فعلاً بفضها، فصار السيسي لا بديل أمامه سوى الاستمرار في السلطة، لحماية نفسه من أن يقدم يوماً للعدالة الدولية، على جرائم الحرب التي ارتكبها والتي لا تسقط بالتقادم!
قالوا إن الاعتصامات تعطل عجلة الانتاج، فهل تحركة عجلته الآن؟..وقالوا إنها تمنع عودة السياحة، فهل عادت؟.. وادعو أن المستثمرين الأجانب على أبواب القاهرة ويخشون من الاعتصامات، فأين هم؟!
ما الذي يريده السيسي ويدفعه إلى العودة إلى الحديث العاطفي، بعد أن تجاوزه بالكلام الخشن عندما زمجر وهدد بمسح كل من يقترب من كرسي الحكم من على ظهر الأمر، و"أنتم متعرفونيش" و"انتم مين؟!".. إنه يريد أن يعدل الدستور بما يسمح له بالاستمرار، وليس لديه انجاز واحد يستطيع أن يقول به أنه يطلب هذا الطلب، وقد تم التراجع للمرة الثالثة عن الإقدام على هذه الخطوة، والتأجيل، ربما لأن موافقة أمريكية لم تصدر بعد، وحتى بعد صدورها فحالة الاحتقان لن تجعل من تمرير التعديلات أمراً سهلاً!
إن الغريق يتعلق في "قشاية"، وكانت القشة هنا هى حديث العواطف، مع أن "عواطف" نفسها ماتت
أضف تعليقك