بقلم: جمال نصار
من أبرز الذين تحدثوا عن طبيعة وشخصية المصريين هو العالم والمفكر الدكتور جمال حمدان في موسوعته الفذة المعروفة (شخصية مصر)، وقد تحدّث بشكل مباشر عن النفسية المصرية، وأنها تحتاج إلى ثورة قبل كل شيء.
يقول، "إن ما تحتاجه مصر أساسا إنما هي ثورة نفسية، بمعنى ثورة على نفسها أولا، وعلى نفسيتها ثانيا، أي تغيير جذري في العقلية والمُثل وأيدلوجية الحياة قبل أي تغيير حقيقي في حياتها وكيانها ومصيرها، ثورة في الشخصية المصرية وعلى الشخصية المصرية، ذلك هو الشرط المسبق لتغيير شخصية وكيان ومستقبل مصر".
لماذا هذه الثورة الداخلية على النفس قبل الثورة على النظم الظالمة، أو القيادة المتجبِّرة، لأن هذه النظم، والقيادات الفارغة تحاول بكل السبل التأثير على الأتباع وجعلهم في قالب واحد يسير على خطى الزعيم، وينهل من علمه وفكره، ومن أبرز الأمثلة على ذلك نموذج (سيسي مصر)، الذي انقلب على المسار الديمقراطي لأهم تجربة حقيقية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، فهو الذي قال في أثناء زيارة له لألمانيا في فترة سابقة، إن "ربنا خلقني طبيب أوصف الحالة، هو خلقني كده، أبقى عارف الحقيقة وأشوفها، ودي نعمة من ربنا، اسمعوها مني، وزعماء كل الدنيا خبراء المخابرات والسياسيين والإعلاميين، وكبار الفلاسفة، قالوا للناس اسمعوا كلام الراجل ده".
أريدك، أيها القارئ الكريم، أن تتخيل معي كيف أن هذا الرجل الذي لا يحمل أي مؤهلات، إلا أنه رجل عسكري محدود التفكير، يريد للجنود أن يسيروا حوله وخلفه، ويصنع منهم مجموعة من التابعين الذين يأتمرون بأمره ويسيرون على نهجه، (وبالمناسبة هذه طبيعة العسكر في معظم حالاتها ونماذجها عبر التاريخ)، يريد أن يجعل كل مصر، لا بل العالم كله أن يستمع إليه ويأخذ الحكمة منه، لأنه طبيب الفلاسفة!
ولن أبتعد كثيرا عن حالة (سيسي مصر) لأنه نموذج فجّ لفكرة صناعة القطيع، الذي يزعجه هشتاج يطالبه بالرحيل، حيث قال في مؤتمر للشباب افتُتح يوم السبت الموافق (2018-7-28) بجامعة القاهرة: "إحنا دخلونا في أمة ذات عوز، عارفين ماذا تعني أمة العوز؟ أمة الفقر، وأما آجي أخرج بيكم منها يقول لك هاشتاج #ارحل_ياسيسى، وتساءل "عايز أخرجكم من العوز وأخليكم أمة ذات شأن تعملوا هاشتاج #ارحل_ياسيسي؟ أزعل ولا مزعلش؟" وأضاف "في الحالة دي أزعل".
أقول لك يا سيسي: طالما أنك تدّعي بأنك تريد للأمة المصرية أن تكون ذات شأن، وتترك الفقر والعوز إلى التقدم والرفاهية، ما هي العلامات والنتائج التي تشير إلى ذلك:
-هل قهر الشعب المصري واستعباده، وتأخره في جميع الميادين الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية، سيكون سببا في تقدمه؟!
-هل سحق الشباب المخالف لك بالسجن والقتل والإبعاد والإخفاء القسري، وعمل بروباجندا بمؤتمر للشاب، يشير إلى التقدم في مؤشر التنمية البشرية؟!
-هل استخدام العبارات الغريبة مثل: "والله العظيم أنا لو ينفع أتباع... أتباع... علشان مصر"، و"الشعب يجوع عشان نبني البلد" و"لدينا إنجازات كثيرة.. لكننا نخفيها عن الأشرار" يزيد من وعي الشعب أم تجهيله؟!
-هل بيع أصول مصر مثل: تيران وصنافير للسعودية، وحقول النفط في مياه البحر المتوسط لقبرص واليونان، يزيد من ثراء مصر؟!
-هل زيادة الأسعار الجنونية التي تحرق قلوب المصريين، قبل أن تحرق جيوبهم، وفرض أتاوات على كل شيء، تجعلهم سعداء؟!
-هل تقييدك لحرية الرأي والتعبير، وغلق مئات المواقع ومحاولتك الدؤوبة لتأميم الإعلام والسيطرة عليه، يجعل مصر متقدمة في الحريات العامة؟!
-هل تدمير سيناء بهذه الطريقة، وتهجير أهلها لصالح عدو لدود لكل العالم العربي والإسلامي بحجة مواجهة الإرهاب، سيزيد من استقرار الأوضاع؟!
-هل حالة القضاء المصري الذي جعلته في المرتبة 110 من 113 في النزاهة والشفافية، يجعل الشعب يثق في مثل هذا القضاء الذي يحكم على المئات بالإعدام دون أي جريرة؟!
-هل توجيه الأموال الضخمة وصرفها في مشاريع كبيرة، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، وتفريعة قناة السويس؛ تعود بالنفع على الرجل البسيط في مصر؟!
-هل عسكرة كل مؤسسات الدولة، والهيمنة على كل المشاريع الأساسية، وتكليف القوات المسلحة بالأمر المباشر للقيام بتنفيذها، يزيد من الاستقرار الاقتصادي؟!
-هل الانسياق وراء الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وهما من أشدّ المعادين لحرية الشعوب، يزيد من رفع مكانة مصر على المستوى الإقليمي؟!
ماذا يريد السيسي لمصر؟
أتصور أن السيسي في نهاية المطاف لا يريد إنجازا حقيقيا لشعب مصر في تخريج نماذج ذات شأن في الميادين المختلفة، بل الواضح أن كل الكفاءات المهمة والمتميزة؛ تركت البلد وذهبت بلا رجعة، لأنها لا تريد أن تسير في فلك القطيع الذي يريده السيسي، ومن ثمَّ نجد أن كل شيء في الدولة تحت هيمنة وسيطرة السيسي، بحجة أنه الذي يعرف كل شيء ويفهم في أي شيء، وعلى الجميع أن يسير خلفه!
هذه العقلية التي تسير على سياسة صناعة الوهم، والترويج له عبر وسائل إعلام مشوهة، أفقدت الكثيرين التفكير بعقلانية في مستقبل واعد للمصريين، لأنها في النهاية محكومة بشخصية محدودة التفكير، مُنعدمة الرؤية الحقيقية لبناء الدولة، وما يشغلها أن تجعل الجميع يسير في فلك القطيع، ومن يخرج على ذلك فهو يضرُّ بالأمن القومي للدولة ومن أهل الشر، ويتآمر على مصر وعدو لها، ومن ثمَّ يجب محاربته، وتشويه سمعته، ومطاردته، ووصمه بالإرهاب إن تطلَّب الأمر ذلك!
والنتيجة التي يريد السيسي أن يكون عليها مُجمل الشعب المصري، في فترة وجيزة وبسرعة خارقة، وبدعم إقليمي ودولي للأسف، هي:
•تغييب وعي الشعب المصري، وتجهيله في ميادين المعرفة الحقيقية، باستخدام آلة الإعلام الجهنمية.
•وإبعاده عن الدين بحجة تطوير الخطاب الديني، وإبراز شخصيات مهترئة في هذا المجال، وتغييب العلماء الذين يعترضون على طريقته.
•وصناعة إنجازات وهمية لا طائل منها، وتضخيمها للتغطية على فشله الذريع في شتى الميادين.
•وابتزاز الشعب المصري بحجة الحرص على أمنه من أهل الشر، والإرهاب.
•وصناعة عدو وهمي طوال الوقت، والتأكيد أنه السبب الحقيقي في المشاكل التي تعاني منها الدولة.
أقول إن المواجهة الحقيقية لما يقوم به السيسي من تدمير للدولة المصرية في ميادينها المختلفة، لا بد أن تقوم على دعامتين أساسيتين:
الأول: زراعة الوعي في الكتلة الصُلبة من الشعب المصري، بتبيين الحقائق والمخاطر التي يريدها السيسي لطمس مستقبل ومكانة مصر، مع إيجاد البدائل والحلول المناسبة لمواجهة المشاكل التي تعاني منها الدولة على جميع المستويات.
الثاني: عدم تكرار لما يقوم به السيسي من صناعة قطيع بشكل وأسلوب آخر، بإبعاد أصحاب الكفاءات والإمكانيات التي ترغب في التطوير والتغيير في التكتلات البشرية والجماعات المختلفة التي تحمل لواء إنقاذ مصر من السيسي.
أضف تعليقك