• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم: الأستاذ محمد مهدي عاكف- المرشد العام السابع للإخوان المسلمين

 

بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ- صلى الله عليه وسلم- ومن والاه، وبعد..

فإن المُتأمِّلَ في الشعائر التعبُّدية يجد أنها تُطهِّر المسلم؛ فالوضوء والصلوات الخمس والجمعة ورمضان، تكفِّر الذنوب إذا اجْتُنِبَت الكبائر، ثم يأتي الحج ليغسِلَه من كل ذنوبه، وكأنه وُلِدَ من جديد، ومن ثَمَّ يفرح الحاجّ: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ (يونس: من الآية 58).

وإذا كان الحاجُّ يفرح فإن الشيطان يحزن حين يرى رحماتِ الله المُنزَّلة على أهل عرفة؛ قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما رُئِيَ الشيطانُ يومًا هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة؛ وما ذاك إلا لما يرى من تنزُّل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام" (رواه مالك: الموطأ).

الحج طريقٌ لميلاد الأمة

إنَّ بعْثَ المسلمين من الرقاد، وتحرُّرَهم من كل سلطانٍ أجنبيٍّ، لا يتحقق إلا بإصلاح أنظمة الحكم الديكتاتورية الجاثمة على صدروهم، وهذا لا يتحقق إلا بالاعتزاز بعقيدتهم وشريعتهم وأخلاقهم، كأمةٍ فاضلةٍ مجيدةٍ، لها مزاياها وتاريخها، وذلك يتمثَّل في الحج الذي يذكِّرنا بأننا أمةٌ موصولةٌ بإبراهيم وإسماعيل والرسول الخاتم، عليهم الصلاة والسلام، قال الله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ (البقرة: من الآية 128)، وأمةٌ هذا شأنُها لهي أجدرُ الأمم بافتداء عزَّتها الربانية بالدنيا وما فيها.

ولا بد للأمة من الأمل الواسع الذي ينزع عنها اليأس والإحباط، ويدفع بها إلى العمل و الجهاد والتضحية، والحجُّ يجعل من الأمة الميتة أمةً كلها حياةٌ وهِمةٌ وأملٌ وعزمٌ، وحسبُك من هاجر وابنها إسماعيل أن أقامت أمةً في صحراء لا زرعَ فيها ولا ماء.. ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾ (إبراهيم: من الآية 37).

والطاعة والطهارة تمنح المؤمن قوةً، وتزيد الشيطان ضعفًا، ومن ثم يتجه الحجيج من عرفات لرجمه مرةً ومرةً، فتتحقَّق عبوديتهم الكاملة لله، وبذلك يتخلصون من سلطان الأبالسة..﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ (النحل: 99، 100).

وهذا ما يجب علينا في مواجهتنا لأعدائنا؛ بأن نجدد إيماننا، ونتطَّهر من ذنوبنا، ونُقبل على طاعة ربنا، ونتوكَّل على الله وحده، ونخشاه ولا نخشى أحدًا سواه.. ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ (آل عمران: 173).

الوحدة سر القوة في مواجهة الأعداء

يا مسلمي العالم.. تعالَوْا نتَّحِدْ في مواجهة الأعداء المختلفين فيما بينهم ولم يتَّحِدوا إلا على حربِنا، ولنا في حركة الحجيج درسٌ وعبرةٌ.. يتجهون في أمواجٍ متحدةٍ إلى عرفات، يستمطرون الرحمة، وينزلون منها في قوة الطهارة ووحدة الجمع إلى رجْم العدو الرجيم، وإن عدوَّنا ليُدْرِكُ خطر اتحادنا، فيمكر ليلَ نهارَ بما يفرقنا، وشعارهم: "فَرِّقْ تَسُدْ"، وقد حذَّرنا الله من ذلك، فقال: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (الأنفال: 46).

بالتضحية تنهض الأمة

و الجهاد والتضحية أساس قيام أي أمةٍ، ولا حياةَ لأمةٍ بدون الجهاد، ولا جهادَ بدون تضحيةٍ، ولنا الأسوة في إبراهيم في قوله تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾ (الصافات: من الآية 102).. أبٌ يضع السكين على رقبة ابنه، وابنٌ يسلم نفسه لربه ولأبيه والسكين، وأمٌّ وزوجةٌ تستسلم لأمر الله، ولسان حالهم يقول: "أسلمت لله رب العالمين".

وإن هذا ليذكِّرُنا بمسلمين ومسلماتٍ في فلسطين، يُحيون هذه السُنَّة حين يُقدِّم الآباء والأمهات أبناءهم للشهادة.. لله دَرُّهم!! فما أعظم أجرهم وأجزل ثوابهم!!.

عدوُّنا لن يُخلِص النصح لنا

جبل عرفات

ولكي تحافظ الأمة على استقلالها يجب أن تعرف أعداءها، كما عرفت الشيطان فرجمته، وأن تستيقن أن عدوَّها لن يُخلِص النصح لها، ولن يأمرَها إلا بكل ما يبعدها عن الدين، مصدر قوتها، وسبيل حريتها واستقلالها، كما ينزغ الشيطان للمسلم بكل ما يُردِيه في النيران، ويحرمه من الجنان، وهذا ما يعملون له من عشرات السنين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾ (آل عمران: 100).

 

يعطون سمعهم لأعدائهم، ويصمُّون الآذان عن نُصح الصادقين من بني جلدتهم، الذين يدعونهم لعزِّهم وحريتهم في الدنيا والفوز والنعيم في الآخرة، وماذا بعد دعوة الدول العربية إلى المصالحة والتطبيع مع العدو الصهيوني، وهو يقتل ويحاصر ويسجن ويقيم المغتصبات والجدار العازل، وحكَّامنا يلوذون بالصمت؟! مما شجَّع الصهاينة على أن يلجُّوا في طغيانهم، بأن يقترحوا على الدول العربية المشارِكة في "أنابوليس" تعزيزَ الشراكة الأمنية العربية الصهيونية في مجال مكافحة الإرهاب!! وما أسمته بـ"الأعداء المشتركين"، مثل "الإخوان المسلمين"، وحركتَي "حماس و الجهاد"، ومحاولة وضعهم في سلةٍ واحدةٍ مع تنظيم "القاعدة"!! وهل يريدون من وراء ذلك إلا أن يُشعِلوا نارَ الحروب بين المسلمين؟!

وأَلاَ تعجب ممن جعلوا من إيران الشبح المخيف، وإسرائيل الحمل الوديع؟! وغدا الكثيرُ يقول: "لا خوف من المفاعل النووي في إسرائيل؛ لأنها لا تهدِّد جيرانها، بينما الخطر في إيران"!!

من أجل ذلك يفرضون علينا عقدَ صفقات أسلحةٍ بمليارات الدولارات لا مبرر لها، مع وجود قواعدهم على أرضنا، ولو أنهم رحلوا عن أرضنا لكان في شراء هذه الأسلحة تحصينٌ لنا!.

وأليس المسلمون أولى وأحقَّ بهذا الأموال لإزاحة الفقر والجهل والمرض؟! وقليلٌ من هذه الأموال يَهَبُ الحياة لإخواننا المحاصَرين في فلسطين، ويضيّق عليهم الخناق، ويلفظون أرواحهم على مشهد ومرأى من حكام العرب والمسلمين والعالم أجمع.

وليتهم يعلمون أن استرضاء الأعداء لن يحقِّق لهم نصرًا، وعاقبتهم الخسران: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ* بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ﴾ (آل عمران: 149، 150).

صبرًا أيها الأحرار.. فساعة الخلاص اقتربت

وبكل إجلالٍ وتقديرٍ نشدُّ على أيدي إخواننا القابعين في السجون، ويتعرَّض نخبةٌ منهم لمحاكماتٍ عسكريةٍ ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وليست إلا مسرحياتٍ هزليةً لمواطنين أبرارٍ أطهارٍ كماء السحاب، وما ينقمون منا ومنهم إلا قولنا ربنا الله، ولا ذنب لهم إلا أنهم يسعَون لخير البلاد والعباد، ويسعون لاجتثاث جذور الشر والفساد المتمثِّل في عصاباتٍ متخصِّصةٍ في بيع البلد ونهب خيراتها ومنحِه هديةً للأجانب على طبقٍ من فضة.

لإخواننا هؤلاء نقول: صبرًا.. فأنتم الأمل الباسم في هذه الأمة، والخير المرتجَى، ورجال الإنقاذ الذين تتطلَّع إليهم العيون في العالم كله.. لإخواننا هؤلاء نقول: "قَدَرنُا أننا ابتُلينا بقلوب قاسية، قلوبٍ لو أن فيها بقيةً إنسانيةً، أو ذرَّةً من رحمةٍ، لرقَّت وترقرق دمعُها حين ترى أطفالكم المحرومين منكم، وزوجاتكم اللائي يكابدْن الليل والنهار بعد اعتقال العائل، ومصادرة الأموال، وإغلاق المؤسسات والشركات التي لم تضرَّ بكم وحدَكم، وإنما كان يرتزق منها الآلاف من أبناء هذا الشعب الكادح"!!.

وأما إخواننا في فلسطين في سجون الاحتلال وفي سجن غزة الكبير، القابضين على الجمر، فنُرسل إليهم بتحية فخرٍ واعتزازٍ بعد أن قلَبوا الطاولةَ على رءوس المفاوضين، وقذَفوا بالرعب في قلوب الأعداء بصبرهم وجهادهم، وتضحياتهم وشهدائهم.

ولكل السجناء في أنحاء العالم: في العراق.. تونس.. أفغانستان.. باكستان و"جوانتانامو" وغيرها.. لكل هؤلاء نقول: "إن ساعة الخلاص اقتربت، وزوال دولة الظالمين قد آن، ونصر الله آتٍ"، ويقولون ﴿مَتَى نَصْرُ اللَّهِ؟! أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ (البقرة: من الآية 214).

فرحتنا في التخلص من وصاية الأجانب وطغيان واستبداد الأقارب

ونحن إذ نهنِّئ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بعيد الأضحى المبارك، سائلين المولى أن يعيده الله عليهم وقد عاد الأمن والإيمان إلى ربوع أوطانهم، وعمَّت السعادةُ كلَّ بيت.. نُعلن أن فرحتَنا لن تتم إلا حين نتحرَّر من أعدائنا الذين جعلوا من أنفسهم أوصياءَ على المسلمين وحكامهم، وحين نتخلَّص من طغاة الحكام المتسلِّطين، الذين طغَوا في البلاد، وأكثَروا فيها الفساد، وأذلُّوا العباد، ووضعوا الأحرارَ في الأصفاد، ولن يكتملَ سرورُنا إلا بإطلاق سراح الأحرار.

ولن تكون فرحتُنا تامَّةً غامرةً إلا بميلاد الأمة المسلمة الجديرة بأستاذية العالم، وحينئذٍ ترفع الضيم والظلم، وتبسط العدل والمساواة، وتنشر الرحمة على الناس أجمعين دون تفرقةٍ بلونٍ أو جنسٍ أو عقيدةٍ.. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ* وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (الروم: 4: 6).

وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك