{ الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله } .
زاد الحج زاد مكثف وفير يكرم الله به زوار بيته الحرام ، فالفيوضات الربانية أثناء فترة الحج وفى الأماكن المقدسة وعند أداء هذه الشعائر فيوضات غامرة من النور و الهداية و التقوى و الرحمة و السكينة ، خاصة إذا كان جهاز الاستقبال وهو قلب الحاج سليماً نقياً نظيفاًَ مخلصاً الوجهة لله ، فالمشاعر الوجدانية التى تتملك الحاج قبل سفره من رغبة ملحة وشوق كبير لأداء فريضة الحج وزيارة بيت الله الحرام وقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم و التى تزداد أثناء السفر ، ثم اللحظات التى يقع فيها البصر لأول مرة على الكعبة المشرفة ، ما أعظمها وأروعها من لحظات فكأن شحنة روحية تدفقت على القلب الحاج فملأته خشية وخشوعاً لله وتعظيماً ومهابة لبيت الله الحرام ، وعند استلام الحجر الأسعد يمين الله فى الأرض ، وعند الوقوف بأعتاب الكعبة عند الملتزم حيث تسيل العبرات وتذرف دموع الخشية و الضراعة و التوبة و الندم ، وهناك أيضاً على عرفات الله وعلى جبل الرحمة فيض غامر ، الجميع فى صعيد واحد يجأرون إلى الله بالدعاء وقد أتوا من كل فجٍ عميق ، والحج عرفة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيكون إكرام الله لزوار بيته فلا يردهم خائبين ، فيقبل توبة التائبين واستغفار المستغفرين ودعاء الداعين وتتنزل عليهم السكينة وتغشاهم الرحمة وتغمر قلوبهم بنور الله وتقوى الله وتكون السعادة الحقة التى تذكر بسعادة أهل الجنة .
زاد الصلاة و الصوم و الزكاة يتجدد ويتكرر لأن هذه العبادات تتكرر مع الأيام و الأشهر و الأعوام ، ولكن لما كانت فريضة الحج هى فريضة العمر تسقط بأدائها مرة فكأن الله سبحانه وتعالى كرماً منه وفضلاً قد خصها بهذا الفيض الغامر و الزاد الوفير الذى يفيد صاحبه بقية حياته ويجعله يعود نقياً كيوم ولدته أمه وكأنه حط عن كاهله أحمالاً وأوزاراً ثقيلة .
-إن الحاج من وقت خروجه من منزله لأداء فريضة الحج يعيش فترة خالصة لله خالية من مشاغل الدنيا يعيشها بوجدانه ومشاعره وكيانه كله بقلبه وعقله وجسده وجوارحه وحواسه ونفسه وخلجات قلبه ويبذل فيها وقته وجهده وماله وكل ما يملك ، وهكذا يطوع كل هذه النعم لله ولطاعة الله بعيداً عن معصية الله وفى هذا التطويع زاد كبير وتربية وتهذيب يمتد أثرها فى حياته بعد ذلك .
إن توقف وجوب فريضة الحج على شروط توافر الاستطاعة له تأثير غير مباشر على المسلم الصادق أن يجعله يراقب حاله دائماً ويراقب الله فى تحديد وقت توافر هذا الشرط فلا يتراخى ولا يتردد فى السعى لأداء الفريضة بمجرد توافر الاستطاعة لأنه لا يضمن امتداد أجله ، وإلا لتعرض لعذاب الله ويكون مثله كمن ترك الصلاة تراخياً أو حلَّ عليه شهر رمضان ولم يصم أو وجبت عليه الزكاة ولم يؤدها .
- إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً فمن ينوى أداء فريضة الحج لابد وأن يتحرى فى كسبه الحلال الطيب بعيداً عن الحرام أو ما فيه شبهة وفى هذا أيضاً جانب تربوى هام فى حياة المسلم .
- ما أشبه الحاج الذى يخرج من بيته وقد اغتسل ولبس ملابس الإحرام وخرج من مشاغل الدنيا ليخلص بقلبه لله وترك الأهل و المال و الولد خلفه ، ما أشبهه بمن يخرج من الدنيا عند لقاء الله ، فالاغتسال يقابله التغسيل وملابس الإحرام تقابل ملابس التكفين والخروج من مشاغل الدنيا يقابله الخروج الجسدى من الدنيا ، وتوديع الأهل وترك المال و الولد أمر مشترك فى الحالين ، فما أجمل أن يتذكر الحاج هذا المعنى ويأخذ العبرة و العظة ، ويستعد للقاء الله على طهر ونقاء ، فيرد المظالم ويقضى الديون ويطلب الصفح ممن أساء إليه ويتوب الى الله فربما لقى الله فى سفره هذا ، وبهذا يبدأ رحلته بدءاً طيباً كريماً .
- صلى عليك الله ياسيدى يارسول الله علمتنا دعاء نقوله عند السفر لو عشنا ما يتضمنه من معان بحق لخرجنا بزاد تربوى كبير :( اللهم إنا نسألك فى سفرنا هذا البر و التقوى ومن العمل ما ترضى ) توجيه النية و القصد الى البر و التقوى و العمل الصالح وأن الهدف هو رضوان الله وسؤال ذلك من الله فيه شعور وإقرار أن هذا لا يتحقق إلا بتوفيق الله وإرادته ، والفقرة التالي من الدعاء :( اللهم أنت الصاحب فى السفر و الخليفة فى الأهل و المال و الولد ) ما أعظم أثر هذا الدعاء فى نفس المؤمن يشعر بصحبة الله ومعيته فى السفر ، فهو فى حفظ الله ورعاية الله وضمان الله ، ثم الاطمئنان أن الله هو الخليفة فى الأهل و المال و الولد فلا قلق ولا انشغال على شىء من ذلك .
هكذا يتحقق التفويض لله وجميل التوكل عليه بصورة عملية واقعية ، ثم الفقرة التالية :( اللهم هون علينا سفرنا هذا واطوى عنا بعده ) لجوء الى الله فى تيسير السفر وتخفيف مشاقه ، فالأمر كله لله ولا يظن أحد أن هذا التيسير كامن فيما أخذ من أسباب كطائرة أو سيارة ولكن لاسهل إلا ما جعله الله سهلاً ، فقد تصير السيارة سبب مشقة لا سبب راحة إن أمسك الله رحمته ووكلنا لأنفسنا ، ثم الفقرة التالية :( اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب فى الأهل و المال ) شعور بالعجز ولجوء الى الله واستعاذة به مما يتعرض له المسافرون أحياناً من متاعب وأخطار فى السفر أو فى أهلهم وأموالهم عند عودتهم إليها .
- ليستشعر الحاج عند بدء السفر أنه يبدأ رحلة فى ضيافة الرحمن وأن من معه من ركب كلهم ضيوف الرحمن وزوار بيته الحرام فيطمئن أنه فى حفظ الله ورعايته ويتعامل مع ضيوف الرحمن بكل رفق ولين وتسامح وحب وتعاون ، يعين الضعيف و المريض ويقضى حاجة المحتاج :{ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج } وترويض النفس على ذلك طوال الرحلة زاد تربوى ضرورى للمسلم فى حياته ولازم للدعاة الى الله على وجه الخصوص .
- و الدعاء المتبادل عند توديع الأهل والأصحاب عند السفر الذى أرشدنا إليه رسولنا الكريم فيه خير كبير ومعان تربوية هامة :( استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ) هكذا يقول المقيم للمسافر ، ويقول أيضاً :( زودك الله بالتقوى ) ويقول أيضاً :( لاتنسانا يا أخى من دعائك ) قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضى الله عنه عند سفره ... ويقول المسافر للمقيمين :( أستودعكم الله الذى لاتضيع ودائعه ) موقف كله ذكر لله وافتراق على الله وفيه التواصى بالحق و الثبات على الأمر و الحرص على حسن الخاتمة ، عاطفة وحب للخير متبادل لانجده إلا بين المسلمين .
- اختيار أمير للركب فيه امتثال لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحقيق لمعنى الوحدة و النظام واجتماع الكلمة وحفظ من الشيطان ببركة الجماعة ، وهذا جانب تربوى هام خاصة لأصحاب الدعوات السائرين على طريق الدعوة .
- وهذا الدعاء عند ركوب الدابة أو وسيلة السفر إذ يسمى الله أزلاً وعندما يركب يقول الحمد لله ويكبر ثلاثاً وإذا استوى يقول :( سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا الى ربنا لمنقلبون ) وفى ذلك تذكر لفضل الله فى تسخير هذه الوسيلة ولا يرجع الفضل لصانعى الطائرة أو السيارة وحدهم فالفضل أولاً وأخيراً لله هو الذى سخر لهم المواد لصنعها ورزقهم العقل الذى يفكرون به .
- التلبية وما تحمل ألفاظها من معانى الاستجابة لداعى الله وما فيها من تنزيه عن الشرك وأن الحمد له وحده و النعمة و الملك له وحده ، ثم إن تكرارها باللسان وانشغال القلب بها فى تأكيد وتثبيت لمعانى الإيمان و التوحيد و الشعور بفضل الله وفقرنا إليه :( لبيك اللهم لبيك ... لبيك لاشريك لك لبيك ... إن الحمد و النعمة لك و الملك ... لا شريك لك ) .
واستبدالها بالسلام عند لقاء الحجيج بعضهم البعض فيه تذكير وتأكيد للاجتماع على عقيدة التوحيد و الشعور بالمشاركة فى هذه العبادة الجماعية .
- كلما سما الحجاج بأرواحهم ... قلَّ شعورهم بالتعب الجسمانى بل تذوقوا لهذا التعب طعماً آخر غير التعب إذ يكون مصدراً لثواب الله ورحمته .
- كلما اقترب الحجاج من بيت الله الحرام ... ازداد شوقهم وتعلقهم به كِتأثير المغناطيس يشتد جذبه بالاقتراب منه وهذا أمر أودعه الله قلوب عباده المخلصين ، وفى ذلك دلالة على حب الله لهؤلاء العباد الذين حبب إليهم زيارة بيته الحرام إن شاء الله .
- عندما يقع بصر الحاج أول مر على الكعبة المشرفة يتملكه شعور بالمهابة و التعظيم وروعة المشهد وحال من التأثير و الرهبة الممزوجة بالفرح و السرور و الوصف هنا لا يكفى ولكن من ذاق عرف ... ثم هذا الدعاء المأثور وما فيه من خير :( اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة ، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفاً وتكريماً وتعظيماً وبراً ) ( اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام ) .
- رحلة الحج ليست كغيرها من الرحلات إنها ليست رحلة بالأجساد الى مكة حيث الكعبة وجبل عرفات ، إنها رحلة ربانية ، رحلة نورانية ، رحلة قلوب وأرواح تسعى الى خالقها ، فتتصل بأصلها وتستمد القوة و الحياة و السعادة وتتزود بالتقوى خير زاد .
إن هذا البيت الحرام ليس كغيره من البيوت وإن كان من حجارة متشابهة إنه بيت اله الحرام ، وهذا الجبل ليس كغيره من الجبال ، وإن كان من نفس مكونات الجبال لقد خصهما الله بأسرار وفيوضات وتأثير وتجليات كما خص سبحانه القرآن كلامه العظيم بأسرار وإعجاز وتأثير ، وإن كان من ألفاظ وحروف مثل التى نتكلم بها ، وهذا فضل منه ورحمة بنا وتيسير ، فإننا لا نقوى على تحمل كلام الله على حقيقته مباشرة :{ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله } كما أننا لا نستطيع تحمل تجلى الله :{ فلما تجلى ربه للحبل جعله دكاً وخرَّ موسى صعقاً } فيسر الله لنا زيارته و القرب منه ومناجاته و النيل من فيوضاته بزيارة بيته الحرام الذى تجلى عليه وخصه بفيوضات وأنوار تنعكس علينا بالقدر الذى نتحمله .
وعلى قدر تهيؤ القلوب التى تخشى ربها على قدر استقبالها لهذه الأنوار و الفيوضات الربانية كما هو الحال مع كتاب الله :{ الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله } . فيا أخي عش رحلة الحج من خلال هذه النظرة الربانية كرحلة حياة للقلوب والأرواح ، لا من خلال النظرة الجسدية الحسية فينشغل القلب بالله والقلب منه التزود من فضله وإحسانه ورحمته فيتحقق لك الحج المبرور و الزاد الموفور و الذنب المغفور وتعود طاهراً نقياً كيوم ولدتك أمك .
- وبهذه النظرة تعرف سر تلك المشاعر والأحاسيس الغامرة التى هى مزيج من أحاسيس الخشية و المهابة و الفرح والسعادة عند وقوع بصرك على الكعبة المشرفة لأول مرة .
- و الطواف بالكعبة وهو تحية هذا المسجد تبدأ باستلام الحجر الأسود وتقبيله إذا تيسر لك ذلك متمثلاً الرسول صلى الله عليه وسلم فى هذا الاستلام وهذا التقبيل مصطحباً نية العهد مع الله على التزام صراطه المستقيم و القيام بواجبات الإسلام من جهاد وتضحية ، ونصرة لدينه فى عزم صادق على الوفاء بالعهد وإتمام البيع واستشعاره خطورة النكث فى العهد وما يترتب عليه من غضب الله وعذابه ، وفى إتمام هذا العهد بهذه الصورة زاد على طريق الدعوة .
- الطواف حول البيت صلاة فى صورة خطوات ودورات ودعوات فأده كأدائك للصلاة فى خشوع وحضور قلب وأدب ورفق بإخوانك أثناء الطواف واستشعر اطلاع الله عليك وأنت تؤدى هذه العباد حول بيته الحرام ، واعلم أن قلبك هو موضع نظر الله إليك فأخله من كل شىء إلا الله وحب الله ، الإخلاص لله حينئذٍ تسمو الروح وكأنها هى التى تطوف حول البيت وليست الأقدام ، ولتكثر من ذكر الله و الدعاء لك ولإخوانك ولدعوتك .
- وعند الملتزم بعد الطواف استشعر التصاقك بالبيت الرغبة الشديدة فى القرب من الله وبتعلقك بأستار الكعبة ، استشعر الفقر و الحاجة الى الله والى مغفرته ورضوانه ، وبوقوفك على أعتاب الكعبة استشعر وقوف العبد الفقير على باب الغنى الكريم ، وليطلع الله منك على صدق الإقبال عليه والإخلاص له والخوف منه و الرجاء فيه والندم و التوبة النصوح و الشعور أن لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه مع الشعور بالحب و الخضوع ولذة القرب و الطاعة وفى هذا مزيج من المشاعر الطيبة السامية ، أكثر الدعاء واسكب العبرات وجدد العزم والعهد مع الله وكأنك لا تريد أن تترك أعتاب بابه إلا لتتيح الفرصة لغيرك من ضيوف الرحمن .
- وعند مقام إبراهيم تصلى ركعتين وتتذكر الصلة الروحية الممتدة عبر الأجيال بيننا وبين سيدنا إبراهيم عليه السلام واستجابة الله لدعواته بأن بعث فينا محمداً صلى الله عليه وسلم رحم للعالمين .
- وماء زمزم ليس كغيره من الماء فقد خصه الله كذلك بخير كثير ولنتذكر عند شربنا منه السيدة هاجر أم إسماعيل وكم قاسا من العطش قبل ظهور زمزم ، فلنروض أنفسنا على تحمل المشاق فى سبيل الله فى ميادين الجهاد
- و السعى بين الصفا و المروة أيضاً من شعائر الحج و العمرة ، فهو عبادة وليس مجرد سير هذه الأشواط وإذا صاحبها شعور بالتعب و المشقة فلنتذكر السيدة هاجر وسعيها بين الصفا و المروة بحثاً عن الماء لوليدها الذى أشرف على الهلاك فما أجدرنا أن نتحمل المشاق السفر و الجهاد فى سبيل الله تعبداً وتقرباً الى الله زكاة لصحتنا وشغلاً لأبداننا بطاعة الله .
- فى أيام إقامتك بمكة وفى رحاب البيت الحرام ما أروع وأجمل أن تنتهز الفرصة وتؤدى جميع الصلوات و الكعبة المشرفة أمام ناظريك .
وفى هدوء الليل تنتحى جانباً فى رحاب الكعبة وتتهجد لله وتناجيه وتخبت له وتخشع وتطرق باب الكريم بركعات وسجدات ودعوات ودمعات من خشيته ، وفى هذا الجو الربانى لا تنس أن تسأل الله أن يعز جنده وينصر دينه ويهزم أعداء الإسلام فى كل مكان .
وفى مكة حين تسير فى شعابها وبين أرجائها وتزور غار حراء وغار ثور ، عش ذكريات أيام الدعوة الأولى وما تعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم و المسلمون الأول ، من إعنات وتعذيب وإيذاء بسبب عقيدة التوحيد ، وتذكر صبرهم وثباتهم وإصرارهم على تبليغ الدعوة . وتذكر دار الأرقم بن أبى الأرقم التى ربى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الأبطال الذى اندكت على أيديهم كل الضلالات وحصونها من عبدة الأصنام وعبدة النار ، والروم و اليهود ، واستشعر أنك تسير على أرض سار عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- إن فى اجتماع الحجاج من كل أقطار العالم فرصة سانحة لتقوية الروابط بين المسلمين وتعارفهم وتعرفهم على أحوال بعضهم البعض ، وتبادل المشاعر والآمال والآلام ليكونوا حقاً كالجسد الواحد وكالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً وليتدارسوا أهم القضايا التى يعيشها العالم الإسلامى والأقليات الإسلامية ، وكيد الأعداء وكل ما يهم المسلمين وحبذا لو تبادلوا المراسلات بعد الحج لتدوم الصلة وتعرف الأحوال وليتمثل الحجاج شعار وحدة الأمة الإسلامية :{ وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون } .
- وعلى عرفات الله هذا الجبل الذى خصه الله دون الجبال بهذا الخير ، وهذا الفضل وهذه الفيوضات و الرحمات تتنزل على ضيوف الرحمن وقد اجتمعوا جميعاً فوق هذا الجبل ، فى زى الإحرام المبسط يجأرون الى الله بالدعاء بصورة تذكرهم بيوم الحشر ، إنه مشهد عظيم ويوم عظيم ، وقد روى مسلم وغيره عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفه وأنه ليدنو عز وجل ثم يباهى بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء ؟ ) .
ومن الخير الذى أفاضه الله على هذا اليوم أن جعل صيامه لغير الحجاج يكفر سنة قبله وسنة بعده فعن أبى قتادة رضى الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة :( قال : يكفّöر السنة الماضية و الباقية ) رواه مسلم .
وعند الإفاضة من عرفات تجيش المشاعر عند وداع هذا الجبل الحبيب وهذا اليوم المبارك وهذا الموقف العظيم وتتعلق القلوب برجاء القبول .
وفى رمى الجمار معنى الانقياد للأمر وتحقيق العبودية بالامتثال ، وإن لم يكن للعقل حظ فى هذا الفعل ، ولتذكر تعرض إبليس لسيدنا إبراهيم عليه السلام ليثنيه عن طاعة أمر الله وعدم استجابة الخليل لهذه الوسوسة ، فما أجدرك أيها الحاج أن تتجسم أمامك خطورة نزغات الشيطان ووسوسته وضرورة مقاومته وأنت ترمى الجمرات دحراً لهذا الشيطان الرجيم .
- وفى ذبح الهدى وتوزيعه على المحتاجين من المسلمين قربة لله ومرضاة له ورجاء فى أن يعتقك الله من النار ، وفى ذلك أيضاً تحقيق معنى العطف على الفقراء وإطعامهم من أفضل الهدى :{ والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع و المعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون } .
- وفى طواف الوداع الإحساس بفراق أعز الأماكن وأحبها الى قلبك وكلك رجاء فى قبول الله هذا الحج ورجاء فى العودة فيما يقبل من العمر .
- وفى الرحلة الى المدينة تذكر هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم و المسافات التى قطعها وهو يطارد واستقبال أهل المدينة وبدئه ببناء المسجد وعش هذه الذكريات العطرة ، وما فيها من إنجازات كبيرة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته و الغزوات و الفتوحات وتطهير الجزيرة من الشرك والأصنام ومن اليهود بعد حنثهم العهود كما هى عادتهم التى قررها القرآن .
- وفى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، تذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى رواه البخارى :( مابين بيتى ومنبرى روضة من رياض الجنة ومنبرى على حوضى ) فعش هذه السعادة الروحية التى هى أقرب الى سعادة أهل الجنة برضوان الله - واستشعر الصلة الروحية بينك وبين الرسول الحبيب وأنه حريص علينا وبالمؤمنين رؤوف رحيم عزيز عليه إعناتنا ، سلّöم عليه وصلّö عليه وادع الله أن يجازيه عنا خير ماجازى نبياً عن أمته ، وكذلك الخليفة الأول أبى بكر الصديق رضى الله عنه ، وعمر بن الحطاب أمير المؤمنين ، وادع الله أن يحشرنا مع هؤلاء النفر الكرام .
- وزر المشاهد فى المدينة والأحداث التى جرت عليها و التى غيرت وجه التاريخ وزر البقيع الذى يطوى أبطالاً أطهاراً وزر أُحد هذا الجبل الذى دارت عنده غزوة أُحد وتذكر ما فيها من عبر ودروس .
وهكذا عش تلك الفترة من السيرة العطرة بذكرياتها الطيبة التى تمنحك الزاد و العظة و العبرة التى أنت فى أشد الحاجة إليها وأنت تسير على طريق الدعوة .
أضف تعليقك