بقلم: جمعة أمين عبد العزيز
الذي يتأمل في الرجال الذين كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا بعضهم يجدهم نماذج فريدة في كل شئ وفي كل موقع كانوا فيه وفي كل موقف وقفوه بين يدي الله رجال أفذاذ أبطال مغاوير ونسأل من الذي صنعهم هذه الصنعة ورباهم هذه التربية فلا نجد إجابة غلا كلمات قلائل تقول : إنه الإسلام هو الذي حدد طريقهم وسلوكهم في الحياة وصاغها هذه الصياغة الربانية حتى اصبحوا أبطالاً أفذاذا الواحد منهم أمة وحده وصدق عمر بن الخطاب حين قال : وما عمر لولا الإسلام ؟
ومجتمعهم يعرف هذه الحقيقة مع بساطتها حتى أن الواحد منهم يقول : كنا أذلة فأعزنا الله بالإسلام فمن ابتغى العزة في غير الإسلام أذلة الله لذلك حين قيل لخامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز : جزاك الله خيرا عن الإسلام قال : بل جزى الله الإسلام عنى خيراً .
فالإسلام بعقيدته قوة هائلة قادرة على العطاء بغير حدود وما زال وسيزال قادرا على مد الحياة بأمثال هؤلاء الرجال الذين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم رهبان الليل فرسان النهار .
لذلك فإن من ينظر إلى هذه النماذج الإسلامية الفذة التي ضربت أروع المثل في التضحيات على أنها بطولات ذاتية أو أنها عبقريات نادرة حققت في الحياة ما حققت لشخصيتها المستقلة واهم ومخطئ في التقدير والتحليل لأنهم إذا انفصلوا عن هذا المعين ذبلوا وإذا سقطوا من هذه الشجرة جفوا وماتوا فالإسلام هو الذي صنع تلك المثل وهو الذي ربى هؤلاء الرجال وهو الذي صاغ ذلك الحشد الهائل من البطولات على مدار التاريخ الإسلامي .
إن منهج الفصل بين الإسلام وبين تلك المثل الرفيعة فضلا عما فيه من البعد عن الحق أو تضليل الخلق ظلم للإسلام وإبعاد عن منهجه لأننا إن فعلنا ذلك أبعدنا تلك المثل عن الناس والاقتداء ويجعل منها فلتات بعيدة المنال تأتى مصادفة كأنها من فلتات الحياة ليس لها سبب واقعي ولا باعث مستطاع والحق أن الفهم الصحيح والاتباع السليم والتطبيق الواعي لمبادئ الإسلام يؤدى تلقائيا إلى هذه المواقف وتلك البطولات التي سجلها التاريخ من جهاد بالنفس وتضحية بها وإنفاق للأموال إنفاق من لا يخشى الفقر أبدا .
وهذا لا يعنى بطبيعة الحال إنكار المواهب والقدرات الذاتية إنما يعنى أن الإسلام بمبادئه وقيمه يصقلها وينميها ويوجهها المثلى بما يعود على الإنسانية بالخير العميم وذلك بتهيئة المناخ الذي تعمل فيه وتبلغ فيه مداها .
وما أحوج الإنسانية في هذا العصر إلى منهج للتاريخ يحفظ لها إيمانها نظيفا وضميرها سليما وقيمها ثابتة وقدوتها صالحة لابد لهذا المنهج من ميزان توزن به البطولة ويقدر به الرجال وتقدم به الأعمال فالتاريخ الذي يجعل من الظالم عظيما ومن الخائن أمينا ومن المنافق زعيما ومن الكذب سياسيا ومن الجبان شجاعا ومن البخيل حريصا ومن الرعديد بطلا تاريخ خاطئ المنهج مختل الموازين .
فليست العظمة في الزعامة التي تتقن الكذب والخداع ولا في السياسة التي تقوم على الإفك والنفاق ولا في القيادة التي تبرع في الغدر والخيانة ولا في الحكم الذي يبطش وبذل بالسلطان مهما بلغت شخصية الزعيم والسياسي من قوة وتأثير ومهما اتسعت فتوحات القائد ومهما حقق الحاكم من أعمال وإنجازات وتضحيات .
إنما يوزن الرجال وتقدر العظمة ويحسب العظيم عظيما بما قدم للإنسانية من خير وبما أرسى في واقع الحياة من مثل وبما أقر في الضمير الإنساني من قيم وبما التزم في حياته من خلق وبما سكب في قلوب الناس من أيمان فجعلهم يبذلون المهج والأرواح والأموال في سبيل المبدأ والعقيدة ولا يتحقق ذلك إلا بمنهج التربية الإسلامية وبهذا تتقدم الإنسانية ويرقى الإنسان فإذا خلد التاريخ الرعديد والجبان والبخيل وعابد المال فسيكون الخاسر هو ضمير الإنسان وروح الإنسان ويومها قل على الدنيا العفاء.
أضف تعليقك