مقال: جمال نصار
الوضع في مصر يزداد تعقيدا وتأزيما، مع الحالة الهستيرية التي يمارسها نظام الجنرال السيسي في التعاطي مع المشهد برمته، فالحالة تشي بأننا أمام ديكتاتور من طراز فريد، لم يكن ليتوقعه أقرب المقربين إليه، وأظن أن ذلك يرجع في الأساس للتشابك الإقليمي مع الحالة المصرية، فالجنرال ليس لديه من الذكاء، أو الحصافة للتعامل مع المشهد بكامله على جميع المستويات (السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، الإعلامي، وغيره)، فالمسألة مرتبطة بتخطيط من دولة حاقدة على الثورات العربية، وتبذل كل ما تستطيع لدعم الثورات المضادة، فتُدعِّم هنا بالمال، وهناك بشراء الرجال، وثالثة بالتخطيط لخدمة الأجندة الصهيونية في المنطقة.
وحقيقة المسألة أنهم وجدوا ضالتهم في شخصية طيّعة لا تعرف للاستقلال الوطني طريقا، ولا للاستقرار سبيلا، فكانت بغية الإمارات العربية المتحدة في شخصية مثل سيسي مصر، ليحقق لهم ما يريدون وينفذ ما يصبون إليه.
والرجل في الحقيقة لم يتأخر، أو يتوان في الاستسلام لتلك المطالب، أو إن شئت قلت توجيهات مباشرة وغير مباشرة، أكرر وأقول إن كل ما يمارسه السيسي ليس من صنيع رأسه وفكره بل بتخطيط خارجي وأدوات داخلية، وفي الغالب هو المنفذ البليد الذي ليس لديه أي لباقة في التنفيذ، أو مرونة في الممارسة، مع استخدام كل الوسائل القذرة في تشويه المعارضين وتسفيه أفكار المخالفين، من خلال إعلام مهووس باستعداء الآخر، سواء كان الآخر دولة، أو جماعات ضغط، أو هيئات، أو أشخاصا اعتباريين.
وكانت الهجمة على من أيّد مسار 30 يونيو في ذروتها في الأيام السالفة، ولن تكون الأخيرة، وقد سبقتها حملات أخرى، واعتقالات بالجملة، فالأمر مرتبط بمدى خوف هذه السلطة المهترئة من أي دعوة، أو تحرك شعبي ضدها، أو تصرف يزعزع استقرارها، فتمّ القبض على السفير معصوم مرزوق لمجرد أنه طرح بعض الأفكار لحلحلة الوضع السياسي، ولم يكتف النظام بذلك بل تعقّب الدكتور يحيى القزاز أستاذ الجيولوجيا بجامعة حلوان، وعضو حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات، والقبض عليه من عزاء في البحر الأحمر، إشارة منه أنه يتعقب الجميع غربًا وشرقًا وشمالا وجنوبًا، وغيرهم من الناشطين، هم: رائد سلامة خبير اقتصادي، ونرمين حسين، وعبدالفتاح سعيد، وعمرو محمد، وسامح سعودي.
وهؤلاء رأوا بعد معاناة ذاقوها أنه لا يمكن لهذا النظام المتغطرس أن يستمر بهذه الطريقة، وعرفوا أخيرًا أنهم أخطأوا المسار، وتنكّبوا الطريق بتأييدهم للمنقلب على المسار الديمقراطي الذي ناضلوا من أجله لسنوات.
والغريب والمضحك في ذات الوقت أنهم متهمون بتنفيذ مخطط جماعة الإخوان الإرهابية، حسب زعمهم، بالدعوة للتظاهر لقلب نظام الحكم، مع أن هؤلاء من أشد الناقمين والناقدين للإخوان، ولكنه الغباء المستحكم!!
وأخيرا وليس آخرا تقديم أكثر من اثني عشر بلاغا ضد حمدين صباحي، لمجرد أنه عبّر واعترض على ممارسات السيسي الأخيرة في حق النشطاء. ولن تتوقف الاعتقالات والمطاردات عند هذا الحد، وربما تطال صباحي نفسه، وغيره ممن يعترض على سياسات السيسي الخرقاء، في الأيام القادمة!
أقول: المسألة الآن أصبحت شديدة الوضوح، فنحن أمام منقلب استخدم الجميع، وخدعهم من أجل الوصول إلى ما يصبو إليه، ونظام إقليمي داعم له، وعدو أزلي (إسرائيل) مؤيد لكل تحركاته، بل يقيني يقطع بأنه يُقدّم لهذا الكيان خدمات لم يحلم بها هرتزل مؤسس الدولة الصهيونية، وكل من يدعم هذا المحتل!
هل هناك من مخرج للواقع الأليم؟
لا شك أن بعد الظلمة نور، وبعد الضيق والكرب فرج ويُسر، وبعد موجات الانكسار تأتي آفاق الازدهار، وتتحقق الآمال، ولكن كل ذلك لن يكون إلا بالأخذ بالأسباب الصحيحة، وهذه سنة الله في الكون، "فأتبع سببا" (الكهف: 85)، "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض" (البقرة: 251)، يقول صاحب الظلال (سيد قطب) تعقيبًا على هذه الآية: "وهنا يمضي الله أمره، وينفذ قدره، ويجعل كلمة الحق والخير والصلاح هي العليا، ويجعل حصيلة الصراع والتنافس والتدافع في يد القوة الخيّرة البانية، التي استجاش الصراع أنبل ما فيها وأكرمه، وأبلغها أقصى درجات الكمال المُقدّر لها في الحياة.
ومن هنا كانت الفئة القليلة المؤمنة الواثقة بالله تغلب في النهاية وتنتصر. ذلك أنها تمثل إرادة الله العليا في دفع الفساد عن الأرض، وتمكين الصلاح في الحياة. إنها تنتصر لأنها تمثل غاية عليا تستحق الانتصار".
ومن ثمَّ فإن على الفئة الواعية المؤمنة بمبادئها، الواثقة في تصوراتها، ورؤيتها أن تتحرك للإنقاذ، ولن تتحرك الشعوب المقهورة، مسلوبة الحرية، إلا من خلال نخبة واعية تعرف دورها وتدرك عن يقين طبيعة المرحلة التي يعيشها الشعب المصري، وتملك أدواتها وسبل تطويرها، ولديها رؤية لتحقيق أهدافها، ولا تتحرك بشكل عشوائي، ولا تضيّع الوقت في الفرعيات وتترك الكليات والمشتركات.. وهي كثيرة.
ولن يتنزّل النصر على الكسالى الخاملين، كما لن يتم استعادة المسار الديمقراطي والحقوق بتيار العاطلين، فالسماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة. ولعل النخبة المصرية بكل تنوعاتها أدركت بما لا يدع مجالًا للشك أن واجب الوقت الآن هو التراصّ مرة أخرى، والسعي لإعادة روح يناير المفقودة، وبذل كل الجهود لتوحيد موقفها، وتمتين علاقاتها واستخدام كل الوسائل لتوعية الشعب المصري، فغير ذلك لن يجدي، وأي وسيلة أخرى أرى أنها غير مُؤثرة، وتدخل في إطار حرق الوقت، وإضافة زمن آخر للمنقلب لكي يقضي على الجميع بالضربة القاضية.
وفي الحقيقة أعتبر أن الممارسات الأخيرة لنظام المنقلب سيسي مصر؛ إن تم توظيفها بشكل جيد، فستكون السبيل للخلاص منه، ومن الطُغمة الحاكمة التي فرّطت في كل مقدرات الدولة المصرية، ولن يأتي ذلك بالتمني، وإضاعة الوقت، واللوم والعتاب لهذا أو ذاك، والاتهامات المقذذة أحيانًا، والتنديد والعويل من ممارسات ظالم مستبد، بل بالفعل والعمل والتحرك الراشد، والرؤية الثاقبة، واستنفاد كل الإمكانيات وتوظيفها في وجهها الصحيح.
أقول وأكرر لابد من التقارب بين الجميع دون استثناء لأحد، أو تعال من أحد، والاتفاق على أجندة واضحة يفهمها الشعب المصري المقهور، من نظام مستبد، ليس لديه أدنى رحمة أو شفقة عليه.
وكما قال الشافعي:
ما حكّ جلدك مثل ظفرك .... فتول أنت جميع أمرك
والتاريخ لن يرحم الجميع إن لم يكن هناك تفكير في الخلاص.
أضف تعليقك