بقلم: نسرين بكارة
تنبعثُ الكلماتُ منهُ ضاحكةً مستبشرة مُبشّرة لتمْسح عن القلوب المكلُومَة حُزنها وتنفُض عن المَحايِ المُغبرّة رماد البُؤس. تنتصِبُ قامةُ التواضُع في شخصِه شامخة مرفوعة لتبعث السّلام في كُلّ رُكنٍ حلّ فيه وفي كُلّ مقامٍ نطق فيه بالحقّ. إن سألك أحدهم من هو سلمان العودة؟ فلن تملك إلا أن تقول أنّهُ رجلٌ في أمّةٍ اجتاحتها الذكورة بكلّ وجوهها القبيحة وصوتٌ صدح بالحقّ في أمّةٍ نطق فيها الرُّويبضة واشتهر فيها التّافهون وتعالت فيها أصوات الباطل وحكمَ في أمرِها وشأنِها علماءُ البِلاط.
رجلٌ ليست جدرانُ السّجون بغريبةٍ عنهُ، وليس هو بالغريبِ عنها فهذه الجدرانُ تعرفُه جيدًا وتستحِي في كُلّ مرّة أن تُغلق قُضبانها عليهِ ولعلّها الوحيدةُ التي تعتذرُ منهُ الآن، وهو الوحيدُ الذي يسمعُ اعتذاراتِها ولرُبّما مواساتِها حين تخلّى عنهُ أولئك الذين جلس معهُم في مجلسٍ واحدٍ وزعم بعضُهم أنّه صديقٌ صادقٌ صدُوقٌ اجتمعَ مع صدِيقه على عهْدِ نُصرة الحقّ ومُحاربَة الباطِل والأمرِ بالمعرُوفِ والنّهي عن المُنكرِ فإذا به إنْ ناداهُ أنْ شُدّ أزْرِي عَرَّى عن جُبنِه ونفاقه ونكّس رأسهُ أمام سيّده خشية أنْ يغضبَ عليه غضْبة فرعونٍ فيُقطِّع رِجليْه ويديْه ويُصلّبَهُ في جُذوعِ النّخل أوْ يقتلهُ تعزيرا مثلاً.
لا زال هؤلاء العبيدُ يرفعون المظلّات خوفا من الحُريّة ومن ثمنها الباهظ ويأبون إلا أن يكونوا نفْط الظالمين يزوّدونهم بطاقة الظلم والاستعلاء في الأرض والإفساد فيها ولولا هذه الطّاقة الخبيثة المتكرّرة لما كان لآل سلول ولا لآل زايد ولا للسيسي وأمثاله صوتٌ ولا كلمةٌ ولا نفسٌ ولَقبعُوا في غياهِب السُّجونِ أو القبورِ المُظلمةِ منذ دهرٍ.
يا للعجب رُؤيا أبينا سلمان تزلزل آل سلول وتُرجفهم فيُسارعُون لوضع سلاسِلهم في رجليه ويديه وإحكام إغلاق القضبان عليه خوفا من أن يتكلّم عن رؤاه وخوفا من أن ينام في حريّة فيستيقظ ويتكلّم عمّا رآه في نومه في حريّة أيضا، ثمّ ها هُم يعزّزون سلاسلهُم بتوجيه 37 تهمة تتعلّق بما أطلق عليه السياسيّون لفظ "إرهاب" والمطالبة بإعدامه تعزيرا بسبب تغريدة قال فيها "ربّنا لك الحمد لا نُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.. اللهم ألّف بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم".. أأكثرُ سلاماً من هكذا تغريدة؟ لماذا أغضبتهم؟.. لأنّهم في الحقيقة ليسوا بحُماةِ الحرمين بل هم منذ عصورٍ لصوصُ الحرمين، غير أنّهم كانوا لصوصا في الخفاء أمّا الآن فقد أعلنوا استكبارهم ولماذا ننسى أليسوا يسرقون شعوبهم ليشتروا لوحات الآلهة بملايين الدولارات؟
أو ليسوا هُم الذين صدّعوا رؤوسنا بأنّهم أهلُ الدّين وبأنّهم جيشُ التوحيد وجيشُ التّوحيد هذا شهد عليه نائب رئيس القاعدة العسكريّة منذ 1390 هجريّا نقلا عن الشيخ الدّكتور المحاضر محمد موسى الشريف القابع أيضا وراء سجون آل سلول حين قال في إحدى محاضراته عن التّاريخ عن أكذوبة جيش التوحيد أنّ هذا العقيد كان يدرسُ في قاعدة الشرقيّة عام 1390 هجريا فكان يقول أنّه إذا أراد الصّلاة اختبئ خلف خزانة الملابس الخاصّة به ليصلّي سريعا قبل أن يراهُ أحد الضّباط فيضلّ يستهزئ به طول اليوم لأنّه صلّى وأنّه لم يكُن فيها مصلّى واحدا.. فالإجرام والفساد ليس بغريب ولا بجديدٍ ولا بصادمٍ عن هؤلاء.
قد كُنا ولا زلنا نستمدّ من الدكتور سلمان المواساة وضماّدات الجروح وكنّا إذا أردنا ترياقًا لابتلاءاتنا وجدناه في كلماته ومحاضراته وكتبه وحتّى في تندّره، فكيف للتّلاميذ أن يتكلّموا أمام أساتذتهم ومعلّميهم الصّادقين؟ وماذا سنضيف لمن قال "على المؤمن أن يكون صافي السّريرة، صادق النيّة، وأن يتمثّل قول البارئ تعالى: "تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" وأيّ كلماتٍ سنشدُّ بها على قلب من قال "الطمأنينة هي جائزة النّفوس المتصالحة مع ضمائرها".. إنّما نحن نحاول الشدّ على قلوبنا بكلماتك وننتظر اليوم الذي سيجاوزُ الله فيه ببنِي الصّدق والإيمانِ البحر فيتّبعونهُم الطّغاةُ بغيًا وعدوًا فيدركهُم الغرقُ في بحرِ ظُلمِهم وينجّيهُم الله بأبدانهم ليكونوا لمنْ خلفهُم آية.
- نقلا عن مدونات الجزيرة
أضف تعليقك