• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم عامر شماخ

أصدرت ما يعرف بـ «لجنة التحفظ والحصر والإدارة والتصرف» قرارًا جديدًا بمصادرة أموال ما يزيد على 1500 مواطن ينتمون للإخوان. وهذا منحى جديد يسلكه الانقلابيون، وتطور بائس فى وسائل كيدهم وإجرامهم؛ لأن العقاب بمصادرة الأموال انقطع عند الجاهلية الأولى، ولم نسمع عنه حديثًا إلا فى الأنظمة الشيوعية المتطرفة، أو التى تحكم شعوب الأدغال ولم يصلها شيء عن المواطنة، والحريات وحقوق الإنسان، ناهيك عن تعاليم الأديان فى التحذير من الغصب وأكل أموال الناس بالباطل.

أما الدولة الحديثة فلا تعرف هذه الهمجية، ولا تتسلط على أموال مواطنيها، وليس فى دستورها أو قانونها شىء عن الفُجر فى الخصومة، وإلا صارت عصابة فى صورة دولة، تستحل الملكيات، وتخترق الخصوصيات، وتدوس على الأعراف الإنسانية. وما جرى يعد من أعمال الميليشيات المسلحة وقد فرضت قانون الغاب بغرض تدمير خصمها معنويًا وماديًا، فلا يبقى له من أسس الحياة شىء بعدما سُجن أو طُورد؛  إذ هم الآن يجردونه من ماله، ينتظرون إن أخرجوه من سجنه أن يقضى ما تبقى من عمره متسولاً، يجوب الطرقات مادًا يده باحثًا عن لقمة من متصدق تقيم أوده.

هذا هو فكر هذه العصابة، وتلك كانت خطتهم التى نشروها فى أوائل السبعينيات وتداولتها وسائل النشر حينها. والآن ينفذون (السيناريو) نفسه.. إنهم يريدون تحطيم الإخوان وهدم أسرهم، وسحق عوائلهم حتى لا يعودون إلى الدعوة، ولا يشاركون فى السياسة، ولا يعارضون،  ولا يسعون إلى إصلاح. ويفعلون ذلك أيضًا لتخويف غير الإخوان، يقولون لكل من يفكر فى معارضتهم: انظر ماذا فعلنا بهم؟ اعتبر كى لا تصير مثلهم. والأهم: أنهم بهذه المصادرات يغطون جزءًا من فشلهم، وقسمًا من عجزهم؛ إذ حسب مصادرهم فإن تلك الأموال المُصادرة تقدر بنحو 60 مليار جنيه،  وأكد إعلامى تابع لهم أنها تزيد على الـ300 مليار جنيه، فهم بذلك يسرقون أموال الإخوان ليغطوا عجز الميزانية،  ظنوا أن ذلك يدارى سوءاتهم، والله يعلم أن الغصب يحرق مال الغاصب ويمحق بركته، ويحيله إلى التسول والعوز.

ولو أن بين هؤلاء عقلاء -ولا أعتقد- لحذروهم  من تلك المغبة؛ لأن فيها تدميرًا للاقتصاد، وهروبًا لأموال الاستثمار، المحلى والأجنبى،  ولأن فيها عودة لعصور التأميم البائدة التى جلبت لنا الفقر والهزائم، كما أنها إفساد واضح لمؤسسات الدولة المفترض أن تكون محايدة. ولا تتعجبوا لو صار سلوك الأفراد هو نفس سلوك الدولة، فانتشر فى طول البلاد وعرضها عصابات تستولى على أموال الناس وتجردهم مما يحملون، وهذا يعنى مزيدًا من الفوضى، ومزيدًا من الدماء فى دولة فسخت عقد الشراكة والمواطنة بينها وبين شعبها، وتخلت عن دورها فى حمايته وصون كرامته.

أما الإخوان فلا أراهم فوجئوا بهذا الأمر؛ رغم ما فيه من بلاء؛ إذ ليس أصعب على الإنسان من غصب ماله الذي هو أعز الأشياء لديه. لكن من يعرف الإخوان يتأكد أنهم مختلفون عن كثير من الناس، وأنهم كأصحاب دعوة يفقهون معنى المال، وأنه عارية مستردة وملك لله جعلهم مستخلفين فيه، ويعلمون أن الجهاد به هو أعلى درجات الجهاد غير جهاد النفس،  وقد درسوا سير الأنبياء والدعاة وعلموا أن منهم من أُخرج من بلده مخلفًا وراءه ماله فما منعه ذلك من تبليغ رسالته، وإتمام دعوته، ونشر هداية ربه على أمته، وأن منهم من تمت مساومته على دعوته فى مقابل الملك والسؤدد فما صرفه ذلك عن دعوته شيئًا، ويعلمون أن التاريخ يتكرر بنفس صوره ورسومه، فما جرى عليهم فى (2018) قد وقع على دعاة ميامين خلد التاريخ ذكرهم فلم يسلموا من طيش الطائشين ومن بطش الباطشين؛ كالإمام ابن حزم الذى صودرت أمواله، وهدمت دوره، وحُددت إقامته، وأحرقت كتبه.

يعلم الإخوان كل ذلك، فلا يقفون بالتاريخ عند محنة من المحن، فما إن يتنسموا هواء الحرية حتى يمشوا فى مناكب الدنيا الواسعة، يأكلون من رزق الله،  فما هى إلا سنوات حتى يفتح الله عليهم ويبارك لهم، ويتوالد لديهم المال. ووالله لقد رأينا طائفة منهم وهم لا يملكون من حطام الدنيا شيئًا يخرجون من سجنهم الذى امتد لعشرين سنة فيعوضهم الله خيرًا فيصيرون أصحاب أطيان وأملاك.  ووالله لقد رأينا بعض أبناء من حاكموهم يمد إليهم اليد طالبًا عونهم فما ردوه؛ إذ عهدناهم أهل عفو وتسامح، يرجون من الله ما لا يرجو هؤلاء المخمورون بخمر السلطة  الذين غشيهم من الظلم والقبح وسوء الأخلاق ما غشيهم..

 

 

أضف تعليقك