• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: وائل قنديل

الأبشع من أحكام الإعدام الجماعية هذه الرغبة المسعورة في تسميم معدة المصريين بفطيرةٍ معجونةٍ بالدم الحرام، مصنوعةٍ بالمال الحرام، المسروق عنوةً من جيوب الضحايا المضرّجين في دمائهم.

الخوف على مصر من مجازر الأحكام القضائية، والسكوت عليها، لا يساوي شيئًا بالمقارنة بالرعب من تسلّل الفطيرة الملوّثة بالدم الحرام، والمال الحرام، إلى جوف المصريين، وعقيدتهم ووجدانهم، بحيث يصبح عاديًا بالنسبة لهم أن يرضوا بمدّ أيديهم في موائد أعدّت من حرام، نضجت على الظلم، وتبلت بالقهر والقمع.

وإذا كان من الممكن استيعاب أن ارتفاع جدار الخوف والرعب من بطش السلطة وقمعها قد يدفع الناس إلى تصنّع القبول بمقصلة إعداماتٍ تحصد أرواح أبرياء، حتى لو كانوا على خلافٍ معهم، فإنه لا يمكن تصوّر بأي حال أن يكون إنسانًا، ومصريًا، ذلك الذي يفرح بأكل أموال الناس بالباطل، أو يمنّي النفس بتحسّن الأحوال عن طريق هذه الأموال، المغموسة في الدم والظلم والتوحش.

فور إعلان أحكام الإعدام الجماعية، سارعت وسائل إعلام النظام المصري إلى "تأليف" استطلاعاتٍ صحافيةٍ سريعةٍ تظهر فرحة مواطنين بقرارات قتل مواطنين آخرين، خرجوا أحياءً من المجزرة الكبرى في الرابع عشر من أغسطس/ آب 2013، وهذا الإفك من المعلوم بالضرورة في الممارسة الإعلامية في عصور الطغيان والقهر، أن تأتي بمجموعاتٍ من البشر وتلقّنها كلاماً تردّده على مسامع الآخرين، فتصنع صورة زائفة تقول إن الناس راضون بالمقتلة.

هذا يمكن فهمه، غير أن ما لا يمكن تصوّره أن يحتفل النظام وأبواقه الإعلامية والسياسية بجريمة استباحة أموال الناس بعد قتلهم، أو يسكت رجل دينٍ، مسلم أو مسيحي، على استحلال دماء المخالفين وأموالهم وأعراضهم، فما بالك بمن يبرّر ويدعم، ويكلم الناس عن التنمية والعمران والتقدم!

 

كان من المتخيّل أنه، مع بلوغ هذا المستوى من الظلم والولوغ في الدماء، أن يستشعر بعضهم وجعًا في الضمير، ويتذكروا فضيلة اسمها  مراجعة الذات، أو ينظر أحدهم حوله، ليستكشف مدى مساهمته في تحويل وطنٍ حالم بالحرية، إلى مستنقعٍ آسنٍ من الظلم ومن البلادة، ومن التبعيّة، ومن الغياب الكامل لكل قيمة محترمة، غير أنهم، ومن أسفٍ، بقوا متمسّكين بالعض على فاشيتهم بالنواجز، لائذين بعنصريتهم وكراهيتهم القصوى.

قلت سابقًا، ومع ارتفاع منسوب الفاشية في مصر إنه لولا وجود أمثال علي جمعة، مفتيا عسكريا محرّضا على القتل، وتواضروس، واعظا وناصحا بالفاشية والعنصرية، لما كانت مصر محشورةً في هذا النفق السياسي والحضاري المعتم، ولما كانت هناك عمليات تهجيرٍ قسرية، يومية، إلى المنافي والزنازين.

غير أني لم أكن أتصوّر أبدًا أن يكون هناك من يدّعي أنه رجل دين، ويقبل أن يأكل كل مصري من لحم أخيه، ويشرب من دمائه، بالسكوت على هذا الإجراء غير المسبوق في تاريخ الديكتاتوريات، وهو السطو على أموال الضحايا بعد إعدامهم، وامتداد الجريمة، لتشمل أسرهم بأبنائها وبناتها وأطفالها، ثم يخرج أحد أوغاد الفاشية الإعلامية، أو الدينية، ليبشّر بأن الخير قادم، وأن الرّخاء سيعمّ، والتنمية ستأتي.

إنهم مصمّمون على أن تلحق لعنة الدم بكل مواطنٍ مصري، وتتجوّل في داخل كل بيت في مصر، ثم يحدثونك عن النماء والبناء!

لم يحدث هذا في التاريخ أبدًا.

أضف تعليقك