• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

كثيرًا ما تثار قضية الشباب والشيوخ: من يقود؟ الشيوخ بسنهم وتجربتهم وسبقهم؟ أم الشباب بقوتهم وفتوتهم وحماسهم؟ والحقيقة أن الله جعل المجتمعات البشرية خليطًا من الفئتين؛ لتستقيم الحياة فما رأينا حدودًا فاصلة بين هؤلاء وهؤلاء، بل دورات حياتية تحكم بالشبيبة على فئة وبالشيبة على فئة أخرى، وإحداهما بحاجة إلى الأخرى.

أما من يرون بقيادة الشباب؛ فيؤكدون أن على هذا السن يقع البذل والجهاد؛ وحماية الذمار وصون الأوطان؛ فالشباب أولو بأس شديد، وقوة وحماس، وإقبال من غير تردد. هذا غير توقد العاطفة، وحدّة العقل، وسلامة الحواس –ما يجعلهم أوْلى وأجدر بالقيادة التى تحتاج إلى يقظة وفطنة، وسرعة بديهة، وقلب ثابت غير هياب؛ ناهيك عن فراغ بال الشباب؛ إذ لم يثقلوا بعدُ بمرض ولا همّ، ولم ينشغلوا بأهل أو مال؛ فإذا ما تولوا أمرًا فإنهم يجيدون فيه لما سلف ولأن تلك سنة الحياة: التداول.  فالأمم الناهضة هى من تسلم قيادها لشبابها، وقد رأينا كيف صارت دول أوروبا التى تولى حكوماتها شباب، وكيف صارت بلادنا التى يحكمها من بلغوا أرذل العمر.

والذين يرون بقيادة الشيوخ فللحكمة التى يتحلون بها، وقد خبروا الحياة وعمروا وجربوا، ومرت عليهم السنون بحلوها ومرها فأدركوا الفرق بين الصح والغلط، والغث والسمين، والحلال والحرام، وما يضر وما ينفع. فضلا عما يتحلون به من حلم وصبر، وتقدير لمآلات الأمور، بعيدًا عن الطيش والتقديرات الخاطئة، أو الحكم على الأمور بمقاييس جازفة.

والواقع أن كلا الطرفين محق فى قوله؛ ما يؤكد ما أسلفنا: أنه لا يستغنى الشباب عن الشيوخ، ولا الشيوخ عن الشباب. أما من يقود ؛ فكلاهما يقود. فلا تترك القيادة للشباب وحدهم  دون الشيوخ فيذهبون بها إلى ساحات التهور والنزاع والمعارك الخاسرة، ولا تترك للشيوخ وحدهم دون الشباب فيجمدونها بحركتهم البطيئة ووقارهم الخامل، بل يكونان كجناحى طائر؛ فلا يمكنه الطير إلا بهما سويًا سالمين صحيحين، أما الجناح الواحد فيجعله عاجزًا مشلولا لا حراك له ولا قدرة على التحليق.

الشباب تنقصه رؤية الشيوخ وعدلهم ومنطقهم، ووجود الشيوخ معهم يمنعهم من الاندفاع، ويقيهم التورط فى المحظورات، وينجيهم من الصدام مع الآخرين وفتح جبهات معادية، ويمنحهم ميزة الشورى التى تمنع الطيش والنزق، وتفتح المجال للعقل والتفكير. ووجود الشباب مع الشيوخ يمنحهم القوة و(العزوة)، وينشط ذاكرتهم، ويجدد شبابهم، ويشجعهم على اتخاذ القرارات وهم مطمئنون، واثقون من ظهير قوى أمين.

من ثمّ فإن محاولات حصر القيادة فى فريق من الاثنين مجافية للمنطق ولما خُلق عليه الناس، والفطرة على تعاون الفريقين. هكذا كانت الدعوات والجماعات منذ القدم؛ فما من دعوة إلا اشتملت فى قيادتها على الفريقين، وكلٌ له دوره المكمل للآخر؛ فكان النبى –صلى الله عليه وسلم- محاطًا بالشباب والشيوخ، وكان مستشاروه من هؤلاء وهؤلاء، فما عاب فريق على الفريق الآخر، بل كان الإيمان والعمل هما مقياس الحكم على أحدهم دون النظر إلى سن أو لون أو جنس أو لغة.

ولنضرب المثل بالجماعات الحديثة؛ فإن الإمام البنا –رحمه الله- أسس جماعته وهو ابن ثمان وعشرين سنة واستشهد وهو فى الثالثة والأربعين، لكن لم يقصر القيادة أو التنفيذ فى الجماعة على فريق دون فريق، بل اتخذ من كليهما قياديين ومساعدين ومستشارين، وما سمعنا أنه حبذ الشباب على الشيوخ، أو الشيوخ على الشباب. قد كان الخمسة الذين أسسوا معه الجماعة من الشباب،  لكن لما توسعت الأنشطة كان الرجل الثانى بعده هو أستاذه وشيخه الطاعن، وكان له وكلاء من ذوى السن، كما كان له مساعدون وتنفيذيون ومسئولو لجان وأقسام من الشباب، وفى دورات مكتب الإرشاد على عهده وفى مجلس الشورى العام تنوعت العضوية بين الفريقين، وقد أبلى الجميع بلاء حسنًا.

أما الفترات التى وقعت فيها نزاعات وحدثت انتكاسات فكان ذلك لرغبة فريق الشباب بالانفراد بالقيادة وتنحية الشيوخ، أما الشيوخ فاعتبروا ذلك انفلاتًا وتهورًا ورعونة.. وقد خسرت الدعوة فى هذه الصدامات كثيرًا من قوتها الداخلية ورصيدها لدى المدعوين.

 

أضف تعليقك