• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: حلمي القاعود

قيل: إن حكومة الرئيس “أردوغان” ستختار اسم “عبدالحميد الثاني”  لمطارها الجديد في إسطنبول (من أكبر المطارات في العالم)، ويقف العلمانيون هناك ضد هذه التسمية التي ستلغي تلقائياً اسم “أتاتورك”، مؤسس الجمهورية على أطلال الخلافة العثمانية.

مناسبة اختيار اسم المطار تطرح تشابهاً بين السلطان “عبدالحميد الثاني”، والرئيس “أردوغان”، رئيس الجمهورية الحالي، في مواجهة كل منهما للضغوط والعواصف والأعاصير الخارجية والداخلية لوأد الإصلاحات التي قاما بها لتقوية البلاد، واستعادة قوتها ومجدها بوصفها دولة كبرى ذات سيادة عالمية واستقلالية لا تخضع للغير ولا تتبع له.

“عبدالحميد الثاني”، أمير المؤمنين وخليفة المسلمين الثاني بعد المائة، وترتيبه السادس والعشرون من سلاطين آل عثمان، خادم الحرمين الشريفين، وهو السلطان المظلوم، الغازي، الخاقان الكبير، خادم المسلمين، لقبه أعداء الإسلام بالسلطان الأحمر، والدكتاتور، والقاتل، كما يلقبون “أردوغان” الآن بمثل هذه الألقاب!

ولد “عبدالحميد” بإسطنبول في 21 سبتمبر 1842م، وتوفي بها في 10 فبراير 1918م، وتوج في 31 أغسطس 1876م، وتم الانقلاب عليه وخلعه في27 أبريل 1909م، ووُضع رهن الإقامة الجبريَّة حتّى وفاته.

عُرف بتديّنه واستقامته، وتقول ابنته عائشة: «كان والدي يؤدي الصلوات الخمس في أوقاتها، ويقرأ القرآن الكريم، وفي شبابه سلك مسلك الشاذلية، وكان كثير الارتياد للجوامع لا سيما في شهر رمضان».

شهدت خلافته إنجازات مهمة، منها إنشاء سكة حديد الحجاز بين دمشق والمدينة المنورة، وسكة حديد بغداد، وسكة حديد الروملي، والاهتمام بالتعليم والصناعة والصحة، ومحاولة تخليص البلاد من الديون.

وفي عهده تعرضت البلاد لأزمات عديدة من جانب دول الغرب بقيادة الإنجليز واليهود والأرمن، مع انتشار الأفكار الانفصالية والدخول في حروب عديدة أدت إلى فقْد الدولة أجزاءً من أراضيها في البلقان، وقبرص ومصر وتونس، كما انفصلت بلغاريا والبوسنة والهرسك في عام 1908م، ومهدت هذه التداعيات إلى انفصال العرب عملياً عن الخلافة العثمانية ووقوعهم في شرك الاستعمار الأوروبي.

وكان من أبرز المتآمرين على السلطان والخلافة يهودي شيوعي اسمه “ألكسندر باروس” (1867 – 1924م)، ولد في ألمانيا لعائلة يهودية فقيرة، وكان ناشطاً مثيراً للجدل في الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني، وعاش فترة في إسطنبول حيث أسس شركة لتجارة السلاح، وازدهرت أرباحها خلال حروب البلقان، عمل مستشاراً سياسياً ومالياً لحزب “تركيا الفتاة” المعادي للخلافة العثمانية، ورأس إحدى الصحف اليومية، وكانت له علاقات وثيقة بالصهيوني “تيودور هيرتزل” داعية قيام دولة لليهود في فلسطين، ومنحه الإنجليز في إسطنبول مكانة تفوق مكانة السفير لتخريب الخلافة وبث الفتنة في أرجاء الدولة العثمانية وأعراقها وطوائفها.
صاحب القامة المرفوعة

أما الرئيس «رجب طيب أردوغان»، ولد عام 1954م، فهو رئيس جمهورية تركيا الثاني عشر، تولاها عام 2014م، وهو أول رئيس تركي اختاره الشعب بطريق الاقتراع المباشر، شغل قبل رئاسة الجمهورية عمدة مدينة إسطنبول التركية من عام 1994 إلى 1998م.

كما نهض بالتعليم والصناعة والزراعة والسياحة والبنية الأساسية، ورفع مستوى دخل الفرد من 900 دولار سنوياً إلى 12 ألفاً، وأقام مشروعات ضخمة مثل المطارات والأنفاق والجسور والمصانع العسكرية، واستطاع أن يتعامل مع دول الغرب وأمريكا بندّيّة واستقلالية، ووقف مع قضية فلسطين بكل قوة ممكنة، وساند الشعب المصري المظلوم، واستقبل ملايين السوريين الذين فروا من جحيم الطاغية “بشار الأسد”، وكافح الانفصاليين الأكراد الذين مارسوا الإرهاب ضد المدنيين الأتراك، واستطاع أن يقضي على معظم قواتهم، وفي عهده استطاعت المرأة أن ترتدي الحجاب، وأن تنتشر المدارس الإسلامية، وأن يأمن المسلمون على أنفسهم ويعيشوا بلا خوف ولا ترويع من العسكر.أسس حزب العدالة والتنمية، وانتقل بتركيا من قاع التخلف الاقتصادي والديون إلى المنافسة على المركز المتقدم اقتصادياً بين أفضل الدول العشرين في العالم، وأبعد العسكر عن الحكم.

ويبدو أن الغرب الاستعماري ومعه اليهود لم يعجبهم أن يكون هناك حاكم مسلم يحتفظ بقامة مرفوعة، ويتعامل باستقلال، ويرفض التبعية، فتآمروا عليه وحرضوا علناً وسراً، لدرجة تدبير انقلاب عسكري ليلة الخامس عشر من يوليو 2016م، شاركت فيه القوات الجوية والبرية والبحرية، وقصفوا مجلس النواب والاستراحة التي كان ينزل بها “أردوغان”، فواجههم الشعب في إسطنبول بصدره العاري، واستشهد مئات من المواطنين والجنود، ونجا “أردوغان” من الموت بفضل الله تعالى، وأخفق الانقلاب، وتم القبض على المشاركين فيه والداعمين له، وقدموا إلى المحاكمات التي مازالت جارية حتى الآن.

والمفارقة أن قوى الفشل العربي لم تخف شماتتها ساعة الانقلاب، ولكنها باءت بالخزي والعار بعد دحره، فتفرغت لهجائه والتحريض عليه، ووصفه بالدكتاتور (لا توجد في بلادهم انتخابات أو ديمقراطية أو حرية)، وتشويه صورته من خلال نشر الأخبار المسيئة من قبيل “تركيا تستفز جيرانها بقاعدة عسكرية في المتوسط”.

أما الدول الاستعمارية وعلى رأسها أمريكا واليهود، فلم تقصر في الدفاع غير المباشر عن الانقلابيين والتنديد بمحاكمتهم، وافتعال الأزمات مع الحكومة التركية، ثم وهو الأخطر اتجهوا إلى تحطيم الاقتصاد التركي من خلال تقويض قيمة الليرة التركية (خسرت 40% من قيمتها منذ أوائل العام الحالي 2018م)، وقامت أمريكا بإعلان الحرب الاقتصادية ورفع قيمة الجمارك على الواردات التركية، وفرض العقوبات الاقتصادية على وزيرين في حكومة أنقرة، ولم يخجل اليهودي “إيدي كوهين” من التصريح أن اليهود يملكون ثروة العالم، وأنهم سيسقطون الاقتصاد التركي؛ وبالتالي إسقاط تركيا أرضاً، والقضاء على قيادتها الإصلاحية!

لقد رد “أردوغان” على أمريكا بالمثل، ولجأ إلى الشعب لمواجهة انخفاض الليرة أمام الدولار، وتجاوب الشعب معه، كما ساندته دولة قطر بعدة مليارات للاستثمار، واتفق مع بعض الدول على التبادل التجاري بالعملة المحلية، كما اتخذ عدة إجراءات في المجال الاقتصادي المحلي، ونجح في وقف تدهور قيمة الليرة إلى حد ما.

الحملة ضد “أردوغان” لم تتوقف، وشارك فيها الرئيس الفرنسي “ماكرون” الذي قال: “إن لدى أردوغان “مشروعاً إسلامياً”، يُقدم بشكل منتظم على أنه مناهض للأوروبيين، وتتعارض إجراءاته المنتظمة مع مبادئنا”؛ وبالتالي يجب رفض انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

القضية إذاً تكمن في الإسلام، وهو ما يزعج الغرب واليهود، ولأن السلطان و”أردوغان” يتشابهان في الذكاء والتدين، والقدرة على الكرّ والفرّ سياسياً، فلن يسكت الغرب واليهود عن “أردوغان”، كما لم يسكتوا عن السلطان الذي خلعوه، وشوّهوه، لأنه مسلم بحق، فهل يستسلم “أردوغان”؟ أو إن المعادلة تغيّرت ودخل فيها الشعب المسلم الواعي؟

أضف تعليقك