• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: عامر شماخ

كثيرون يلوموننى على ما أكتب، وعلى موقفى من الظلم والظالمين، ويحذروننى من «إلقاء نفسى إلى التهلكة» -وأعجب من هؤلاء الذين ألفـوا الاستبداد، وقنعوا بالصمت -وهو إثم- فلا زلت أوصيهم وأرد على قناعاتهم التى ليس لها أصل فى عرف أو دين.

 فأما الذى يلقى بنفسه إلى التهلكة فهو مرتكب معصية السكوت، وإن كان صائمًا قائمًا، فالإسلام يشترط فى أتباعه أن يدخلوه كافة، وقد أهلك الله الصالحين الذين رأوا  المنكر فلم ينكروه، وعموا وصموا حتى عمَّ الخبث.

سألت عائشة النبى -صلى الله عليه وسلم- : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث». وفى الأثر: «أن الله -سبحانه- أوحى إلى ملك من الملائكة أن اخسف بقرية كذا وكذا، فقال: يا رب، كيف وفيهم فلان العابد؟! قال: فابدأ به؛ فإنه لم يتمعر وجهه فىَّ يومًا قط».

إنه ما استخف المستبدون بشعوبهم إلا لما رأوهم لا يعظمون حرمات الله، ولا يغضبون لشرعه، ويقفون متفرجين أمام انتهاكاتهم وجرائمهم، والدين نهى عن كل ذلك، ولا خير فيمن لا يتبع منهاجه (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ) [الحج: 30]، وفى القرآن سورة هى من أعظم سوره -على قصرها- تلحق البوار والخسران بجنس الإنسان كله، إلا المتواصين بالحق (شرائع الإسلام) وبالصبر عليه، هى سورة العصر. وهذا يعنى أن المسلم لا زال على الحق ما دام قائمًا بالنصح، حائدًا عن الباطل، ناصرًا دينه وأهل ملته (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ) [الصف: 14]، (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ) [هود: 113].

إن من المؤسف أن ترى الرجل وقد أعطاه الله من كل شىء ثم لا يعقل ما افترضه الله عليه. وقد افترض الله علينا أن ننصر من يستحق النصرة، وأن نأخذ على يد المعتدى، وألا نكون إمعات متهافتين لا وزن لنا؛ فإن لم نفعل حق علينا غضب الله ولعنه، وهو ما كان فى الأمم السابقة وقد لاقوا ما لاقوا من عذاب الله ونقمته  (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78، 79].

إذًا لعن الله مستحق على من يقرّون العاصين على معاصيهم، والفاسدين على فسادهم، والفاجرين على فجرهم، فبئس الصنيع صنيعهم، وبئس الفعل فعلهم وقد جر ما فعلوا الهلاك على سائر الناس من دون استثناء (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 25]، فإذا تفشى هذا الوباء فى أمتنا، وهى أمة الأمر بالمعروف والنهى عن  (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران: 110] فقد تنكبت طريقها واتبعت سبل الضلال، فلتنتظر جزاء ذلك  (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63].

ولو كان للأنعام لسان لضجت اعتراضًا على ما يقع من انتهاكات فى بلاد المسلمين الآن، ما يؤكد أن الساكتين عن الجهر بالحق أضل من تلك الأنعام، وقد رضوا بالدون، يعيشون مطأطئى الرءوس، منكسرى النفوس.  كل هذا من عند أنفسهم؛ إذ لا يرضى الله لعباده الهوان، كما لا يقبل منهم الذل والانكسار، بل إن الإسلام جاء ليحررهم من تلك الربقة، وليعيدهم إلى أصل الفطرة «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا» والرسول -صلى الله عليه وسلم- قالها صريحة مدوية تستوعبها العقول السوية: «لا يكن أحدكم إمعة يقول إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت. ولكن وطنوا أنفسكم: إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم». ولا يظن ظان أن الغضب كله منهى عنه، بل إن الغضب لله ولرسوله ولدينه ولأوليائه فرض لازم. تقول عائشة رضى الله عنها: «ما انتقم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنفسه قط، ولا نيل منه شىء فانتقم لنفسه، إلا أن تنتهك محارم الله، فإذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبه شىء حتى ينتقم لله».  

ماذا فعل (حزب الكنبة) إذًا مع القتل وانتهاك الأعراض، ومصادرة الأموال والآراء؟ هل يظلون على تلك الجلسة التى امتدت حتى أصابتهم قرح الفراش أم ينصرون الله ورسوله؟ إن من أظهر علامات محبة العبد لربه أن يحب ما يحب الله ويكره ما يكره لله. والله يحب من ينصر المظلوم، ويحب الغيور على حدوده، ويحب الإيجابيين، ويكره السلبيين، ويحب المضحين، ويبغض الأشحاء المترددين، ويعلى قدر القائلين بالسداد ولو على أنفسهم أو أهليهم؛ فالله ناصر كل هؤلاء لا يخيب رجاءهم  (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40].

أضف تعليقك