بقلم إحسان الفقيه
لا يبدو أن النظام السعودي يواجه أخطارا تمس وجوده كنظام، أو حتى بقاء محمد بن سلمان وليا للعهد، استجابة لدعوات غربية مكثفة تطالب بعزله على خلفية اتهامات بمسؤوليته عن مقتل جمال خاشقجي.
كان تنصيب محمد بن سلمان، وليا للعهد خروجا على أحد أهم ثوابت تداول المُلك بين أبناء عبد العزيز آل سعود، والذي يعتمد على انتقال السلطة بين الأشقاء السبعة المعروفين باسم “الإخوة السديرية السبعة” الذين يمثلون النواة الصلبة للعائلة، والذين لم يتبق منهم خارج دائرة الحكم سوى أحمد بن عبد العزيز آل سعود الذي يتم تداول اسمه كبديل محتمل لولي العهد محمد بن سلمان، أو ابن شقيق الملك ولي العهد السابق محمد بن نايف؛ لكن بعد اعتراف السعودية بمقتل خاشقجي داخل مبنى القنصلية بعد ثمانية عشر يوما من الإنكار، تلاشت إلى حد ما الدعوات لاستبدال ولي العهد حتى بشقيقه خالد بن سلمان السفير في واشنطن والذي عاد إلى الرياض بشكل ربما يكون دائما.
مع تولي محمد بن سلمان عام 2015 منصب ولي ولي العهد بعد تنحية ولي العهد السابق محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود، وهو ابن شقيق الملك سلمان، عام 2017؛ أجرى الملك المزيد من التعديلات، واستحدث عددا من المؤسسات السيادية أناط مسؤوليتها بولي العهد محمد بن سلمان، بما أتاح للأخير السيطرة على معظم القرار السعودي في المجالات السياسية والاقتصادية، والأمنية التي ركز عليها بشكل خاص.
إضافة الى ولاية العهد، يشغل محمد بن سلمان مناصب نائب رئيس مجلس الوزراء الذي يرأسه الملك سلمان، ومنصب رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي المسؤول عن إدارة الاقتصاد بأدق تفاصيله؛ كما يرأس مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومناصب أخرى منها وزير الدفاع ورئاسة عدد من المؤسسات المعنية بالأنشطة الاجتماعية وغيرها.
وفي الوقت الذي اتجهت فيه أنظار العالم إلى تنحية ولي العهد محمد بن سلمان من منصبه، اتخذ الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، قرارا بتشكيل لجنة وزارية تتولى مهمة إعادة هيكلة أجهزة الاستخبارات السعودية يتولى رئاستها ولي العهد، ليغدو في موقع أكثر قوة من مرحلة ما قبل اغتيال خاشقجي، حيث سيكون بين يديه ما يكفي من الوقت والسلطات لتطهير الاستخبارات السعودية من غير الموالين له أو من أولئك الذين يعتقد على نطاق واسع أنهم تعمدوا ارتكاب أخطاء مهنية في إدارة عملية خطف خاشقجي، أو حتى عملية تصفيته بنية مسبقة وفق آراء خبراء سبقوا إعلان الادعاء التركي بوجود نية مسبقة لقتل خاشقجي.
لا توجد أي مؤشرات على احتمال متغيرات داخلية تمس جوهر النظام القائم أو ولي العهد المعني الأول بتبعات اغتيال خاشقجي.
على العكس من ذلك، يمكن القول بثقة عالية أن قوى التغيير الداخلي غائبة تماما أو أنها غير مؤهلة لأي فعل باتجاه التغيير طالما ظلت مراكز القوى الأساسية تدين بالولاء للنظام، الملك وولي عهده؛ كما أن التعويل على ثورة داخلية لا يبدو منطقيا بعد تغييب الدعاة والمفكرين إما وراء القضبان أو تحت وطأة الترهيب، في حين يبقى الآخرون مخلصين لنظام الحكم ويحرصون عليه بالقدر الذي يحرصون فيه على امتيازاتهم ومكاسبهم الشخصية.
من بين أهم القوى الفاعلة التي يمكن أن تكون أدوات أي تغيير محتمل في نظام حكم آل سعود، قيادات المجتمع الدينية والاجتماعية الممثلة في القبائل وكذلك الحرس الوطني والجيش ووزارة الداخلية.
إن أي تغيير محتمل يطال العائلة الحاكمة لابد أن يكون بتدخل خارجي مباشر مع انتفاء إمكانية القوى الفاعلة في الداخل.
ووفقا للمعطيات الراهنة على خلفية الغضب والسخط الدولي على ولي العهد، فإن آفاقه سوف لن تبتعد كثيرا عن احتمالات عقوبات محدودة على أشخاص يرتبطون بولي العهد ومن ضمن الدائرة المحيطة به، مع احتمالات غير مؤكدة لعقوبات محدودة تساهم في عزلة ولي العهد عن الخارج قد تفرضها بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة إذا ثبت بالدليل القاطع المسؤولية المباشرة له عن تصفية جمال خاشقجي.
هناك ثمة فرق واضح بين فرض إجراءات عقابية على ولي العهد أو ضد الدولة السعودية، التي حتى وإن كان ولي العهد يمسك بمعظم القرار فيها لكن دولة مثل السعودية سيظل العالم في حاجة إليها وبالذات الولايات المتحدة، والتي لا يمكن لها التفريط بمصالحها المشتركة مع المملكة أو دعم أي طموحات داخلية للتغيير كون أي تغيير في المنطقة لابد أن يحصل على مباركة مسبقة وتنسيق مع الولايات المتحدة.
لا تستغني الولايات المتحدة عن قوة إقليمية فاعلة مثل السعودية للتصدي للنفوذ الإيراني عابر الحدود في المنطقة والتهديدات المفترضة على المرور الآمن للطاقة عبر مضيقي هرمز وباب المندب، إلى جانب التهديدات المحتملة من القوى الحليفة لإيران لشركاء وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، السعودية والإمارات والأردن ومصر وإسرائيل.
لكن العلاقات الأمريكية السعودية التي تمتد لأكثر من سبعة عقود هي علاقات تتعدى حدود التصدي لإيران والمنافع المالية والتجارة البينية وحاجة الولايات المتحدة للطاقة رغم قرب انتفاء مثل هذه الحاجة.
في كل الأحوال لا يمكن البناء على متغيرات جذرية في المرحلة الراهنة؛ سيكون أمام العالم والداخل السعودي ما يكفي من الوقت الذي قد يطول إلى سنوات لتلمس تداعيات مقتل جمال خاشقجي على الدولة السعودية ونظام حكم آل سعود.
في الداخل السعودي تشن السلطات بإيعاز مباشر من ولي العهد الذي يمسك بأكبر قدر من السلطات السياسية والاقتصادية والأمنية، حملات منظمة تستهدف الشخصيات غير المؤيدة بشكل مطلق لتوجهات ولي العهد الأخيرة في الانفتاح الاجتماعي الذي ينظر إليه على أنه تخلٍ عن القيم الأساسية التي قامت عليها الدولة السعودية الأولى وصولا إلى الدولة الثالثة، إلى حين تولي سلمان بن عبد العزيز آل سعود المُلك وتولية ابنه محمد بن سلمان ولاية العهد في أشبه ما يكون بولادة الدولة السعودية الرابعة التي خرجت على آليات تولية المُلك من أبناء عبد العزيز إلى أبناء سلمان بن عبد العزيز.
أضف تعليقك