• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: حازم غراب

 

هذه محاولة لمتابعة خصائص المنتج السياسي الإخواني في العقود الثلاثة المنصرمة. وأقصد بالمنتج السياسي: القيادات الشابة والوسيطة والعليا والناشطين الإخوان، وبالذات في الاتحادات الطلابية والعمالية والنقابات المهنية والجمعيات الأهلية، وأخيرا في المجالس المحلية والبرلمان.

وتعد الكيانات الاعتبارية التي هيمنت على إدارتها مجالس إخوانية منتخبة منتجا سياسيا آخر. وليس من قبيل التوسع في مفهوم السياسة أن نعتبر لجانا وأنشطة اجتماعية كالإغاثة الإنسانية والمستوصفات الطبية والدروس الخصوصية الإخوانية المجانية في المساجد، من الواجهات ذات المردود السياسي الإيجابي، فهي كيانات منتجة للرموز وللشرعية السياسية الإخوانية في المجتمع.

التأصيل العلمي للقضية التي نحن بصددها يوجب علينا استعراض وسائل التربية والتنشئة العامة عند الإخوان وسنجد أنها تنقسم إلى نظرية وعملية.

أما النظرية فهي: القرآن الكريم والأحاديث النبوية والتاريخ الإسلامي الحركي بدءا من السيرة النبوية وانتهاء بسيرة ونشأة جماعة الإخوان منذ 1928 حتى الآن. ويضاف إلى ذلك بالطبع كتابات المؤسس الشيخ حسن البنا وأعلام الحركة كسيد قطب وحسن الهضيبي والغزالي والقرضاوي وعلي عبد الحليم وغيرهم، فضلا عن الأداء والمواقف السياسية والتصريحات والكتابات الصحفية للقيادات العليا للجماعة في الثلاثين عاما المنصرمة، من التلمساني إلى أبو النصر فمشهور فمأمون الهضيبي فعاكف.

ولا شك أيضا أن التربية السياسية الإخوانية اعتمدت بشكل أو آخر طيلة الفترة التي نحن بصددها على بعض دور النشر الإخوانية والإسلامية وعلى المنافذ الإعلامية شبه المنتظمة كمجلات وصحف الدعوة والأمة القطرية والمجتمع الكويتية، والاعتصام والمختار الإسلامي والشعب والنور وآفاق عربية، إضافة إلى نشرات ومجلات محدودة التوزيع كانت تصدر في بعض النقابات المهنية التي فاز فيها الإخوان وشكلوا مجالس إدارتها في عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.

ويمكن القول إن التربية السياسية الإخوانية قد استفادت على مستوى أفرادها وقياداتها بمحتوى بعض الفضائيات والمواقع كالجزيرة والمنار والعالم والبي بي سي وإسلام وإخوان أون لاين.

فمن النادر جدا أن يجد المراقب عضوا عاديا فضلا عن قيادة من قيادات الإخوان، لا يتعرض لكل المصادر المعلوماتية والإعلامية السياسية المشار إليها آنفا، أو على الأقل عدد كبير منها على مدار اليوم والأسبوع.

أما المناهج أو الأساليب العملية للتنشئة والتربية السياسية عند الإخوان فجزء منها متضمن في وسائل التربية العامة لديهم كالأسرة والكتيبة والمخيم. لكن الأهم في نظري هو الممارسة العملية للسياسة بمفهومين:

الأول: الاهتمام بالدوائر المحيطة بهم بغرض التفاعل والتأثير الإيجابي، ويدخل في ذلك المشاركة في الإعداد للانتخابات العامة والطلابية والمهنية والاجتماعية سواء بالترشيح أو الحشد والدعاية. ويضاف إلى ذلك تشجيع أفراد الصف الإخواني على المساهمة في اللجان المتخصصة في كافة الكيانات والهيئات الاجتماعية والرياضية والعلمية.

أما المفهوم أو المستوى العملي الثاني للتربية السياسية عند الإخوان فهو المشاركة في الأحداث السياسية الداخلية والإقليمية والدولية بأساليب متنوعة كالخطابة أو الكتابة أو المظاهرات أحيانا.

واللافت للنظر أن جميع هذه الممارسات العملية وتبادل أفراد الإخوان الخبرات فيما بينهم أولا بأول قد أكسب القيادات والكوادر الإخوانية الشابة مهارات عديدة أهلتهم لنجاحات وإنجازات غير منكورة حيثما وجدوا.

قد تحضرنا هنا تجربة منظمة الشباب والتنظيم الطليعي التي أفرزتها الحقبة الناصرية في أوج مجدها وبالذات في الستينيات، وقد لا أبالغ إذا قلت إن تلك التجربة كانت استنساخا مشوبا بالأفكار الشيوعية والاشتراكية من وسائل التربية العملية والنظرية عند الإخوان، وخاصة أن كلا من جمال عبد الناصر وخالد محي الدين وأنور السادات وغيرهم من قيادات انقلاب يوليو 1952 كانوا على صلة تنظيمية بشكل أو آخر بتنظيم الإخوان المسلمين قبل الانقلاب.

على أن انهيار الحقبة الناصرية وما تبعه من القضاء على منظمة الشباب ومحاكمة قيادات التنظيم الطليعي لم يمنع من استمرار بعض رموزهما واختراقهم لدولاب الدولة والحكم في عهدي السادات ومبارك. لكن الملاحظة الدقيقة لنا على هذه العناصر تفيد أنهم انقلبوا على أيديولوجيتهم السابقة وخانوها. ووصل الأمر بكثير منهم إلى حالة من الانتهازية والوصولية تلاشت معها أية إمكانية لاستعادة التجربة ولو بمسميات أو قوالب أخرى.

نعم حاول بعض المحيطين بجمال مبارك وبالذات معلميه من بقايا منظمة الشباب، (ومنهم علي الدين هلال، وقبله حسين كامل بهاء الدين)، حاولوا تأسيس ما سمي بجمعية المستقبل وجماعة حورس في الجامعات، (لمواجهة نجاحات الإخوان في الاتحادات الطلابية الجامعية). ولكن المحاولتين باءتا بفشل ذريع قبل نهاية التسعينيات.

لسنا هنا في صدد تحليل أسباب هذا الفشل الذي شاركتهم فيه باقي الأحزاب المصرية كالتجمع اليساري والوفد الليبرالي. ولكننا نستطيع القول بكثير من الاطمئنان إن التربية والتنشئة السياسية عند غير الإخوان من الأحزاب المصرية افتقدت التأصيل النظري المتماسك أو العقيدة السياسية الرصينة، والأساليب العملية المستديمة، والقيادات المخلصة.

ومن هنا نستطيع إضافة متغير آخر ضمن أسباب نجاحات وتميز التربية السياسية عند الإخوان: إنه فشل وخيبة خصومهم في المنافسة على عقل وقلب الجماهير المصرية. ومن تصاريف القدر أن أجهزة الأمن باعتقالاتها التي لم تنقطع لرموز وأفراد الإخوان خدمتهم سياسيا من حيث لا تدري.

نظرة على الأصول النظرية المعاصرة للتربية السياسية عند الإخوان

ذكرنا أن القرآن الكريم والأحاديث النبوية والسيرة الحركية هم المصدر الأساسي الذي يتلقى منه الأفراد والقيادات الإخوانية، وتتم عملية التلقي بشكل منتظم مرة أسبوعيا وأخرى شهريا بالإضافة إلى بعض الدروس والمحاضرات الذاتية في المخيمات الموسمية. ومن المعروف أن الجو العام للتلقي في هذه المواعيد المنتظمة يساعد على حسن استقبال وفهم الأعضاء للمبادئ السياسية العامة في القرآن الكريم والأحاديث المقررة في مناهج الإخوان.

لعلنا نشير هنا على سبيل المثال إلى أن السور القرآنية المقررة كل عام حفظا أو تفسيرا كثيرا ما تتضمن بعضا من تلك المبادئ السياسية مثل الشورى والتشاور كآليات لاتخاذ القرارات في كافة الدوائر الفردية والجماعية للفرد المسلم. وتتضمن الآيات المختارة أيضا مبدأ المساواة وأن الناس سواسية خلقوا من أصل واحد، وهناك مبدأ العدالة كأصل لا غنى عنه من أصول الحكم. وفوق ذلك كله هناك مبدأ قيومية الشريعة وسيادتها على ما عداها من القوانين التي يسنها البشر

إذن يتربى الفرد في التنظيم الإخواني على قدسية هذه المبادئ العامة وعلى أنه بشخصه مسئول بقدر أو آخر عن تفعيل هذه النصوص في مجتمعه الصغير( أسرته ومجال عمله وقريته أو مدينته) ومجتمعه الكبير أي الدولة فالأمة.

وتتضافر النصوص القرآنية مع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لحض الفرد والجماعة المسلمة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واعتبار ذلك أصل من الأصول التي تميز الأمة المسلمة عن غيرها من الأمم، بل وتذم الآيات القرآنية صراحة اليهود واصفة إياهم بأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه. ألا يحض الحديث النبوي القائل: من رأى منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان على التغيير والإصلاح؟.

ويدرس الإخوان في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتاريخ الصحابة كثيرا من المواقف التي ترسخ القناعة بالشورى والمساواة والاهتمام بأمر المسلمين وإلا يصبح المرء ليس منهم.

ولا ينسى المرء هنا واقعتي ماء بدر، ومعركة أحد، وكيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم تعليما منه للأمة نزل عن رأيه الذي لم يكن من وحي السماء لصالح آراء صحابيين من صحابته.

ويستذكر الإخوان في دروسهم النظرية مأثورات عديدة عن أبي بكر وعمر بن الخطاب، مثل وليت عليكم ولست بخيركم، ولو أخطأت فقوموني ولو بحد السيف، ومقولات عمر الشهيرة: أصابت امرأة وأخطأ عمر ومتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، وغير ذلك من كلمات خالدة أرست قواعد عظيمة في التعامل مع الأقليات غير المسلمة في الدولة.

إن لقاءات الإخوان التربوية المنتظمة تتضمن ممارسات عملية لهه المبادئ القرآنية والنبوية المتعلقة بالسياسة بشكل مصغر. فثمة عملية تشاور وثمة قرارات وثمة تكاليف وتوزيع أدوار.

التطبيقات العملية في خدمة الأصول النظرية

إن القرار الاستراتيجي الإخواني من لدن الشيخ عمر التلمساني بالانفتاح على المجتمع والمشاركة في كل الانتخابات العامة على كافة المستويات الطلابية والعمالية والمهنية والمحلية والبرلمانية، هذا القرار فتح المجال أمام تدريبات عملية متواصلة لكافة أفراد الإخوان على ممارسة فنون السياسة واتخاذ القرارات السياسية النافعة لأوسع شرائح المجتمع.

لقد كانت السنوات من نهاية السبعينيات وحتى اليوم أي قرب نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين أشبه بمدرسة سياسية إخوانية تخرجت فيها الآلاف من القيادات الإخوانية بعد تدريبات نظرية وعملية لم يتح للكثيرين من منافسيهم مثلها.

إن الاحتكاكات المستمرة بجمهور الطلاب والعمال والمهنيين وعموم الناس قد أفادت الإخوان في معرفة أولويات الحاجات ومدى المصاعب التي تقف في وجه التغلب عليها، ومن ثم فقد أبدعوا في إيجاد الحلول التعاونية والتكافلية، في حين فشلت الحكومة ولا تزال على مدار الثلاثين سنة الماضية.والحقيقة التي ربما تغيب عن كثيرين من دهاقنة النظام السياسي المصري طيلة تلك السنين هي أن الحماس الإخواني في خدمة الدوائر المحيطة بهم قد خفف بلا شك من وطأة أزمات البلد، ولعل ذلك مما نزع فتيل الانفجارات الاجتماعية المدمرة من شاكلة ما حدث في عام 1977 وهو ما عرف بمظاهرات الخبز.

فليس من شك أن الحلول التي قدمتها القيادات الطلابية والمهنية الإخوانية في أزمات الكتب والمذكرات الجامعية أو العلاج أو الدروس الخصوصية قد أسهمت بشكل طيب في تخفيف أزمات الأسر المصرية.

إن التربية السياسية التي أولتها قيادات الإخوان لعموم أعضاء الحركة وللقيادات الصاعدة شددت على الطلاق البائن مع العنف ضد السلطة ورموزها مهما بلغ البطش والعنف ضد الإخوان.

إنني كإعلامي ومراقب سياسي لا يمكن أن أنسى عبارة قالها أمامي مرشد الإخوان السابق مأمون الهضيبي رحمه الله أثناء حديث صحفي أجريته معه: لن نرد على عنف السلطة ولو علقتنا على أعواد المشانق، ومن لا يعجبه ذلك من الإخوان فيبحث له عن جماعة أخرى فورا.

احترام الرأي الآخر والسعي إلى التعددية

التربية السياسية النظرية والعملية المتراكمة عند القائمين بهما هي التي كانت ولا تزال تشدد على أن الإخوان ليسوا سعداء بالانفراد بالساحة كقوة سياسية معارضة للنظام الحاكم، وقد ربى الإخوان شبابهم على مد أيادي التعاون لباقي القوى منذ تحالفوا مع حزب الوفد عام 1983، ثم مع حزبي العمل والأحرار في 1987، برغم يقين قيادات الإخوان أن بعض القيادات الحزبية العلمانية تهرع إلى النظام بمجرد تلويحه لها ببعض الرشاوى السياسية مقابل الابتعاد عن الإخوان.

إن التربية السياسية الإخوانية في الثلاثين سنة الماضية هي التي ضمنت للمجتمع المصري الحد الأدنى من التماسك والحصانة الأمنية ضد الاختراقات وموجات التجسس والتجنيد الصهيوني.

وأظن أن التربية والتنشئة الإسلامية الإخوانية الحرة وغير القسرية هي التي تقف كحائط صد قوي في مواجهة موجات التفسخ الأخلاقي للشباب، تلك الموجات التي تهب من الشرق حيث العصابات الصهيونية التي تصدر المخدرات والجنس والجواسيس، أو من الغرب الأوروبي الأميركي الذي يلح على أعصاب وغرائز الأجيال الجديدة من الأولاد والبنات عبر الأفلام والمسلسلات والموضات والصرعات الغريبة.

وأخيرا يمكننا القول باطمئنان أن المنتج السياسي الإخواني سواء على مستوى الأشخاص الحقيقيين كأفراد وقيادات، أو الأشخاص الاعتباريين كالاتحادات والجمعيات والنقابات هم من أهم وأوسع الشرائح الأصلب عودا والأكثر عطاء وحرصا على مجتمعهم وأمتهم.

أضف تعليقك