• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

ولد عبد الله يوسف عزام عام 1941 في قرية سيلة الحارثية (قضاء جنين/ الضفة الغربية) بفلسطين لعائلة بسيطة من الفلاحين.

درس عزام الابتدائية والإعدادية بقريته والثانوية في معهد زراعي في طولكرم، ثم التحق بجامعة دمشق بسوريا حيث تخرج 1966، وأكمل دراسة مرحلتيْ الماجستير عام 1969، والدكتوراه عام 1973 (تخصص أصول الفقه) في جامعة الأزهر بمصر.

انضم عزام - بتأثير من أستاذ له يدعى شفيق أسعد - إلى جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين التي رأى فيها "فرصة لإعداد جيل التحرير"، وأصبح من أبرز قادتها الحركيين وخطبائها، وظل - وفق مقربين منه - مرتبطا بها حتى وفاته، عكس ما "يشاع خطأً" من أنه تركها في سنواته الأخيرة.

وعمل عزام أستاذا في المدارس الثانوية بالأردن والضفة الغربية (كانت آنذاك تابعة للأردن)، وبعد حصوله على شهادة الماجستير تولى قسم الإعلام في وزارة الأوقاف، ومارس التدريس بالجامعة الأردنية عشر سنوات انتهت بعام 1980، وفي نفس السنة غادر إلى السعودية للتدريس في جامعة الملك عبد العزيز، وفي 1981 انتقل إلى الجامعة الإسلامية العالمية في العاصمة الباكستانية إسلام آباد.

وبدأت المسيرة الجهادية لعزام وليدة هزيمة الجيوش العربية أمام الكيان الصهيوني في حرب 1967 التي اعتبرها هزيمة للأنظمة لا للشعوب، وتحديدا للأنظمة القومية الاشتراكية التي همشت التيار الإسلامي الذي كان قد انضم إليه وهو فتى.

ونظرا لغلبة الطابع القومي والوطني والماركسي على تنظيمات المقاومة الفلسطينية، فقد حز في نفسه أن يغيب أبناء التيار الإسلامي عن ميدان المقاومة والجهاد لتحرير فلسطين، وبالفعل قرر ألا يشغله عمله في التدريس وقيامه بأعباء العائلة عن هذا الأمر، وكانت تلك بداية نزاع في شخصيته بين المدرس والمقاتل.

انخرط عزام وبعض زملائه الإسلاميين في تأسيس معسكرات تدريب في غابات الأردن الشمالية وفي أغواره على تخوم فلسطين، وكان ذلك تحت إشراف حركة التحرير الفلسطيني (فتح) التي كان بعض مؤسسيها ذوي خلفية إسلامية.

وأطلِق على هذه المعسكرات "قواعد الشيوخ" ونشطت في مقاومة الاحتلال الصهيوني خلال 1968-1970، وكان عزام مسئولا عن قاعدة في قرية مرو شمالي الأردن تدعى "قاعدة بيت المقدس"، فحمل السلاح مع مقاتليه وشارك في كثير من عمليات المقاومة.

وإثر أحداث الاقتتال في "أيلول الأسود" 1970 بين الجيش الأردني ومقاتلين فلسطينيين، انسحب الإسلاميون مما اعتبروه "فتنة" وأغلقت "قواعد الشيوخ".

وفي عام 1970 التحق عزام بالجامعة الأردنية مدرسا في كلية الشريعة، وبسبب محاضراته وأنشطته الدعوية تصاعد المد الإسلامي في أوساط الطلبة، وبدأت تظهر ملامح صحوة إسلامية في داخل الجامعة، وبين جموع رواد "مسجد عبد الرحمن بن عوف" الذي بناه في بلدة صويلح وكان يخطب فيه.

وما بين جامعته ومسجده خرّج عزام جيلا كاملا من الشباب الإسلامي الذين قامت على أكتافهم لاحقا الانتفاضة الفلسطينية عام 1987 في الضفة الغربية وقطاع غزة، وليس أدل على ذلك من تسمية الجهاز العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) مطلع التسعينيات في الضفة الغربية بـ"كتائب الشهيد عبد الله عزام"، إلى أن توحدت التسمية في الضفة وقطاع غزة بـ"كتائب الشهيد عز الدين القسام".

وأنهت الجامعة الأردنية تعاقدها مع عزام صيف سنة 1980، فولّى وجهه شطر المملكة العربية السعودية حيث استدعته جامعة الملك عبد العزيز للتدريس فيها، وفي صيف السنة الموالية تعاقدت معه الجامعة الإسلامية العالمية في العاصمة الباكستانية إسلام آباد فالتحق بها.

وبدأت القضية الأفغانية آنذاك تفرض حضورها، فهناك دولة عظمى -هي الاتحاد السوفيتي السابق- تحتل بلدا مسلما هو أفغانستان فتهلك الحرث والنسل، وينتج عن ذلك ملايين اللاجئين والمشردين، والقتلى والجرحى، وفي المقابل توجد مقاومةٌ ضارية يقودها مجاهدون من أبناء البلد.

فقادت العوامل الشخصية والإقليمية والدولية عزام إلى أعتاب أفغانستان، إذ ما إن وصل إسلام آباد للتدريس حتى بادر بالاتصال بأحد مكاتب المجاهدين الأفغان التابعة لزعيم "الاتحاد الإسلامي لمجاهدي أفغانستان" الشيخ عبد رب الرسول سياف، وخلال أيام انتقل مع مجموعة من المجاهدين إلى مدينة بيشاور الباكستانية على الحدود مع أفغانستان.

واستقطب عزام في بيشاور الشباب العربي المتطوع للجهاد في أفغانستان، إضافة إلى استقبال ونقل المساعدات الصحية والغذائية لإيصالها إلى اللاجئين، وكذلك إيصال المساعدات اللوجيستية للمجاهدين في ميادين القتال.

وبجانب تلك الجهود، صارت له أنشطة متعددة في تعريف العالم الإسلامي بالأوضاع في أفغانستان، فكان يذهب من حين لآخر في جولات متواصلة لحشد الدعم الرسمي والشعبي، وشملت تلك الجولات دولا غير إسلامية مثل الولايات المتحدة الأميركية التي فـُتح فيها 38 مكتبا لجمع التبرعات للأفغان، وكانت تحوَّل عن طريق حسابات في البنوك الأميركية.

ولبى كثير من الشباب العربي والمسلم نداء عزام للالتحاق بجبهات القتال بأفغانستان عملا بفتوى أصدرها تقول بأن "الجهاد في أفغانستان فرض عين"، وكان يفتح ذراعيه لجميع الوافدين محاولا استيعاب كل راغب في القتال بمعزل عن منبته الفكري أو السياسي، ليجذب أكبر عدد من الشباب للارتباط القوي بالقضية الأفغانية.

كما كان يوظف من لم يستطع ممارسة القتال في جمع التبرعات أو في الإعلام ونشر الكلمة لنصرة القضية الأفغانية، خاصة أن الأغلبية العظمى من المتطوعين كانوا خريجين من جامعات في الولايات المتحدة وإنجلترا وفي دول أوروبية أخرى، وبعضهم من أبناء عائلات مرموقة في مجتمعاتها.

وفي صيف سنة 1984 التقى عزام شابا سعوديا اسمه أسامة بن لادن، فتوثقت الروابط بين الرجلين وأقاما قبل نهاية تلك السنة عملا مؤسسيا لتقديم الخدمات للجهاد الأفغاني لتقويته وإعانته على طرد الشيوعيين الروس، وأطلقوا عليه اسم "مكتب خدمات المجاهدين"، وظل يديره عزام ويموله ابن لادن حتى وقع انفصام تنظيمي بين الرجلين عام 1987.

وصرح عزام بأن هذا المكتب "وظيفته خدمة جميع الأحزاب الجهادية في داخل أفغانستان، ونحن جُلُّ عملنا منصبٌّ على داخل أفغانستان، ولسنا مثل بقية المؤسسات الإغاثية التي يعمل معظمها داخل بيشاور أو على الحدود".

كان الدور الإعلامي حاسما في معركة التجنيد، فأسس عزام مجلة "الجهاد" التي غطت أحداث الجهاد الأفغاني وعرفت بقادته وشهدائه، ونشرت صور أهوال الكوارث الإنسانية في الحرب، وتفاصيل معارك المجاهدين العرب التي أثخنت المحتل السوفيتي، وبلغت أوجها في معركة عُرفت بـ"مأسدة الأنصار" في جاجي أواخر عام 1987، وكان عزام حاضرا في خطوطها الخلفية.

وأمام هذه المقاومة الضارية -التي لقيت دعما إقليميا وعربيا ودوليا هائلا- لم يعد أمام السوفيت غير الهزيمة، فسحبوا قواتهم من البلاد خلال فبراير 1989، وفي المقابل ضاقت الولايات المتحدة والغرب عموما بوجود المجاهدين، وبدأ الخناق يضيق على العرب منهم، وغدا عزام نفسه مستهدفا.

ومن أقوال عزام الشهيرة: "أما نحن كعرب، فقد صممنا وأقسمنا اليمين -وأنا أتكلم باسمي- أن نبقى سائرين حتى نقضي نحبنا على هذا الطريق أو نتفيأ ظلال هذا الدين، لا مناص، لا رجوع، لا تردد أبداً. لقد علم الله أن أمثال هذه الوقفات أحب إليَّ من الحياة في مكة سنوات.

لقد بعنا لله أنفسنا، ولن تنتهي معركتنا -إن شاء الله- في أفغانستان، وليس أمامنا في فلسطين إلا أن نسلك الطريق الذي سارت فيه أفغانستان، حين بدأت بالحجارة والخشب ثم تطورت الآن إلى أن وصلت إلى الصواريخ وغيرها، ولابد في فلسطين من مواصلة الجهاد".

وألف عزام مجموعة كتب، منها: "العقيدة وأثرها في بناء الجيل"، و"الإسلام ومستقبل البشرية"، و"آيات الرحمن في جهاد الأفغان"، و"عبر وبصائر للجهاد في العصر الحاضر".

اغتيل عبد الله عزام يوم 24 نوفمبر 1989 بانفجار قوي استهدفه عندما كان في طريقه لإلقاء خطبة الجمعة حسبما اعتاده في مسجد "سبع الليل" بمدينة بيشاور الباكستانية، ولم يكن قد مضى شهر على محاولة اغتيال أخرى تعرض لها بتفخيخ المنبر الذي كان يخطب عليه؛ وقـُتل معه نجلاه محمد (ابنه البكر) وإبراهيم (ابنه الأوسط) ودُفنوا في "مقبرة الشهداء العرب" بالمدينة.

وُجهت أصابع الاتهام في اغتياله لأكثر من جهة، من بينها جهاز المخابرات الصهيوني (الموساد) الذي أرَّقه دور عزام في عسكرة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ومنها المخابرات السوفيتية انتقاما منه لتجييشه العالم الإسلامي لصالح القضية الأفغانية، ومنها الأمريكان الذين أصبح "الأفغان العرب" عبئا عليهم بعد ما استنفدوا دورهم بهزيمة السوفيت؛ لكن جريمة اغتياله قُيِّدت في النهاية ضد "مجهول".

أضف تعليقك